نصف قرن في جنوب لبنان… هل حانت ساعة رحيل "اليونيفيل"؟

مع اقتراب موعد التجديد السنوي لقوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان "اليونيفيل" في جلسة تعقد في مجلس الأمن في الـ25 من أغسطس (آب)، قد يكون مجلس الأمن للمرة الأولى منذ تأسيس قوات حفظ السلام عام 1978 أمام امتحان جدي في تأمين التوافق على التمديد لمهمة "اليونيفيل"، إذ تشهد أروقة مجلس الأمن نقاشاً دولياً حول جدوى هذه القوة وصلاحياتها. وعكست الجلسة المغلقة التي عقدت في مجلس الأمن في الـ18 من أغسطس (آب) تأييد جميع أعضاء المجلس التجديد لولاية "اليونيفيل" باستثناء الولايات المتحدة، فعلى رغم تمسك لبنان مدعوماً من فرنسا وبريطانيا وعدد من الدول الأوروبية ببقاء القوات الدولية كعامل استقرار لا بديل عنه، والتجديد لها وفق الصيغة السابقة من دون أي تعديل في النص، بانتظار استكمال قرار حصر السلاح وانسحاب الجيش الإسرائيلي وتأمين العدة والعتاد للجيش اللبناني للانتشار في الجنوب، تضغط إسرائيل ومعها الولايات المتحدة الأميركية باتجاه مقاربة متشددة أقصاها إلغاء مهمة "اليونيفيل" بصورة نهائية أو اعتماد صيغة التمديد لمرة واحدة ولفترة زمنية محددة غير قابلة للتجديد. 

وبين الموقفين تتأرجح النظرة إلى القوة الدولية بين من يعتبرها ضرورة استراتيجية ومن يراها عبئاً عديم الجدوى، وتكشف مصادر حكومية لـ"اندبندنت عربية" عن أن النقاش حول القرار النهائي لا يزال مستمراً ولم يحسم بعد، وأن هناك صيغاً عدة لا تزال قيد الدرس، وتسعى فرنسا صاحبة القلم والمسؤولة عن كتابة قرار التجديد إلى تجنيب مشروع القرار "الفيتو"، لا سيما أميركا وروسيا والصين. ورصدت الدبلوماسية اللبنانية ارتفاع عدد الدول المؤيدة لتجديد مهمات قوات "اليونيفيل"، إذ بلغت 14 عضواً في مجلس الأمن.

"اليونيفيل" ضرورة أو عبء من دون جدوى؟

منذ صدور القرار 1701 في أعقاب حرب يوليو (تموز) 2006، اعتبرت "اليونيفيل" أحد الأعمدة الأساسية لترتيب التوازن الدقيق على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية. وأسهم انتشارها، إلى جانب الجيش اللبناني جنوب الليطاني، في توفير "فاصل أمني" يحد من احتمالات الانفجار المباشر بين "حزب الله" وإسرائيل. وعلى رغم أن دورها يقتصر على الرقابة ورفع التقارير والتنسيق مع الجيش، وبأنها لا تملك صلاحية نزع السلاح بالقوة، وأن مهمتها ليست تحت الفصل السابع، إلا أن الحرب الأخيرة بين إسرائيل والحزب دفعت إلى تساؤلات أميركية وإسرائيلية حول النتائج التي حققتها هذه القوة، وهل استطاعت بالفعل منع "حزب الله" من تعزيز ترسانته العسكرية أو من تغيير قواعد اللعبة، خصوصاً بعد مشاهد الأنفاق ومستودعات الأسلحة الثقيلة والمتوسطة المنتشرة على مقربة من "اليونيفيل" وضمن نطاق القرار الدولي 1701. علماً أنها لم تستطع أيضاً منع إسرائيل من خرق القرار الدولي واكتفت بتسجيل مئات الخروقات والطلعات الجوية فوق الأراضي اللبنانية، التي كان يدرجها التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة في الجلسات الدورية المخصصة لمناقشة تطبيق القرار الدولي.

الطرح الأميركي

تعتبر الولايات المتحدة أن البيئة الأمنية في لبنان باتت مختلفة عن العام الماضي، مما يتيح للجيش اللبناني فرصة تولي السيطرة الكاملة على جنوب لبنان، ولذلك هي تدعم تجديداً لولاية اليونيفيل لمدة 12 شهراً فقط، على أن يشمل انسحاباً تدريجياً ومنظماً للبعثة وتصفية مرافقها بصورة مسؤولة، لتجنب تحويلها إلى "حزب الله". وبحسب مصادر دبلوماسية في أميركا، فإن الإدارة الحالية ترى أن التمديد السنوي المفتوح لـ"اليونيفيل" بات عبثياً، وهي تعتبر أنه يجب أن تنحصر مهمة حفظ الأمن في جنوب لبنان بالدولة اللبنانية وحدها، وأن بقاء قوات "اليونيفيل" لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية. 

وتقترح صيغة تقوم على تجديد ولاية "اليونيفيل" لمدة 12 شهراً، على أن تنسحب بحلول الـ31 من أغسطس 2026، من دون أية آلية للتمديد أو التجديد. وينص الاقتراح الأميركي على أن تستمر الترتيبات الإدارية لفترة تصل إلى ستة أشهر إضافية بعد انتهاء الولاية. وترى الولايات المتحدة أن الأشهر الـ12 المقبلة يجب أن تستخدم لإتاحة المجال أمام الجيش اللبناني وغيره من الأجهزة الأمنية اللبنانية، بما فيها قوى الأمن الداخلي والشرطة، لتولي مسؤوليات أكبر، بهدف أن تصبح هي وحدها المسؤولة عن الأمن في جنوب لبنان. وتعتبر أنه ينبغي أن تتيح إعادة التفويض لعام إضافي تمكين شركاء الأمم المتحدة الآخرين في لبنان من تولي بعض مهمات اليونيفيل. فعلى سبيل المثال، يمكن لبعثة مراقبي الأمم المتحدة (UNTSO) القيام بأعمال المراقبة ورفع التقارير، ولفريق الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام (UNMAS) تولي عمليات نزع الألغام، ولمكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان (UNSCOL) متابعة ترسيم الخط الأزرق.