مع اقتراب موعد التجديد السنوي لقوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان "اليونيفيل" في جلسة تعقد في مجلس الأمن في الـ25 من أغسطس (آب)، قد يكون مجلس الأمن للمرة الأولى منذ تأسيس قوات حفظ السلام عام 1978 أمام امتحان جدي في تأمين التوافق على التمديد لمهمة "اليونيفيل"، إذ تشهد أروقة مجلس الأمن نقاشاً دولياً حول جدوى هذه القوة وصلاحياتها. وعكست الجلسة المغلقة التي عقدت في مجلس الأمن في الـ18 من أغسطس (آب) تأييد جميع أعضاء المجلس التجديد لولاية "اليونيفيل" باستثناء الولايات المتحدة، فعلى رغم تمسك لبنان مدعوماً من فرنسا وبريطانيا وعدد من الدول الأوروبية ببقاء القوات الدولية كعامل استقرار لا بديل عنه، والتجديد لها وفق الصيغة السابقة من دون أي تعديل في النص، بانتظار استكمال قرار حصر السلاح وانسحاب الجيش الإسرائيلي وتأمين العدة والعتاد للجيش اللبناني للانتشار في الجنوب، تضغط إسرائيل ومعها الولايات المتحدة الأميركية باتجاه مقاربة متشددة أقصاها إلغاء مهمة "اليونيفيل" بصورة نهائية أو اعتماد صيغة التمديد لمرة واحدة ولفترة زمنية محددة غير قابلة للتجديد.
"اليونيفيل" ضرورة أو عبء من دون جدوى؟
منذ صدور القرار 1701 في أعقاب حرب يوليو (تموز) 2006، اعتبرت "اليونيفيل" أحد الأعمدة الأساسية لترتيب التوازن الدقيق على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية. وأسهم انتشارها، إلى جانب الجيش اللبناني جنوب الليطاني، في توفير "فاصل أمني" يحد من احتمالات الانفجار المباشر بين "حزب الله" وإسرائيل. وعلى رغم أن دورها يقتصر على الرقابة ورفع التقارير والتنسيق مع الجيش، وبأنها لا تملك صلاحية نزع السلاح بالقوة، وأن مهمتها ليست تحت الفصل السابع، إلا أن الحرب الأخيرة بين إسرائيل والحزب دفعت إلى تساؤلات أميركية وإسرائيلية حول النتائج التي حققتها هذه القوة، وهل استطاعت بالفعل منع "حزب الله" من تعزيز ترسانته العسكرية أو من تغيير قواعد اللعبة، خصوصاً بعد مشاهد الأنفاق ومستودعات الأسلحة الثقيلة والمتوسطة المنتشرة على مقربة من "اليونيفيل" وضمن نطاق القرار الدولي 1701. علماً أنها لم تستطع أيضاً منع إسرائيل من خرق القرار الدولي واكتفت بتسجيل مئات الخروقات والطلعات الجوية فوق الأراضي اللبنانية، التي كان يدرجها التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة في الجلسات الدورية المخصصة لمناقشة تطبيق القرار الدولي.
الطرح الأميركي
تعتبر الولايات المتحدة أن البيئة الأمنية في لبنان باتت مختلفة عن العام الماضي، مما يتيح للجيش اللبناني فرصة تولي السيطرة الكاملة على جنوب لبنان، ولذلك هي تدعم تجديداً لولاية اليونيفيل لمدة 12 شهراً فقط، على أن يشمل انسحاباً تدريجياً ومنظماً للبعثة وتصفية مرافقها بصورة مسؤولة، لتجنب تحويلها إلى "حزب الله". وبحسب مصادر دبلوماسية في أميركا، فإن الإدارة الحالية ترى أن التمديد السنوي المفتوح لـ"اليونيفيل" بات عبثياً، وهي تعتبر أنه يجب أن تنحصر مهمة حفظ الأمن في جنوب لبنان بالدولة اللبنانية وحدها، وأن بقاء قوات "اليونيفيل" لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية.
وتقترح صيغة تقوم على تجديد ولاية "اليونيفيل" لمدة 12 شهراً، على أن تنسحب بحلول الـ31 من أغسطس 2026، من دون أية آلية للتمديد أو التجديد. وينص الاقتراح الأميركي على أن تستمر الترتيبات الإدارية لفترة تصل إلى ستة أشهر إضافية بعد انتهاء الولاية. وترى الولايات المتحدة أن الأشهر الـ12 المقبلة يجب أن تستخدم لإتاحة المجال أمام الجيش اللبناني وغيره من الأجهزة الأمنية اللبنانية، بما فيها قوى الأمن الداخلي والشرطة، لتولي مسؤوليات أكبر، بهدف أن تصبح هي وحدها المسؤولة عن الأمن في جنوب لبنان. وتعتبر أنه ينبغي أن تتيح إعادة التفويض لعام إضافي تمكين شركاء الأمم المتحدة الآخرين في لبنان من تولي بعض مهمات اليونيفيل. فعلى سبيل المثال، يمكن لبعثة مراقبي الأمم المتحدة (UNTSO) القيام بأعمال المراقبة ورفع التقارير، ولفريق الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام (UNMAS) تولي عمليات نزع الألغام، ولمكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان (UNSCOL) متابعة ترسيم الخط الأزرق.
مقاربة فرنسية مختلفة
بصفتها "حاملة القلم" في مجلس الأمن المتعلق بالقرار 1701، تسعى فرنسا إلى تمديد عمل "اليونيفيل" من دون مهلة أو سقف زمني. ولم تنجح الاجتماعات التي حصلت في باريس مع الموفدين الأميركيين توم براك، ومورغان أورتاغوس، التي انضمت إلى بعثة بلادها في مجلس الأمن، في حسم أمر التجديد. وتعتبر باريس أن وجود "اليونيفيل"، حتى وإن كان محدود الفاعلية، يبقى ضرورة استراتيجية تحول دون انزلاق الوضع إلى مواجهة مفتوحة. وكشفت مصادر دبلوماسية في نيويورك عن أن مندوب فرنسا لدى مجلس الأمن أكد في الجلسة المغلقة أن النص الذي وضعته فرنسا ليس مجرد تجديد تقني، بل هو نتيجة نقاش مع السلطات اللبنانية، وهدفه إعادة فرض السيطرة اللبنانية بما يؤدي في نهاية المطاف إلى انسحاب "اليونيفيل"، إذ إنها ليست موجودة إلى الأبد، ومع ذلك، تعتبر باريس أنه يجب تجنب انسحاب مفاجئ وغير منظم. وكشفت المصادر عن أن النص الفرنسي يشير إلى تمديد قابل للتجديد من دون تعديل في المهمات أو توسيع صلاحيات. وكان المندوب الفرنسي أشار في الجلسة المغلقة التي خصصت لمناقشة موضوع التجديد لـ"اليونيفيل"، إلى أن النص المقترح من بلاده يذكر بمسؤوليات الطرفين في تنفيذ القرار 1701، بما في ذلك نزع سلاح "حزب الله" وانسحاب القوات الإسرائيلية.
فرنسا تسعى إلى تقريب المواقف
وعن الموقف الفرنسي، تحدثت لـ"اندبندنت عربية" أميليا لاكرافي، النائبة في البرلمان الفرنسي والمندوبة العامة للجمعية البرلمانية الفرنكوفونية، فأكدت أن تجديد ولاية قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان يشكل ضرورة أساسية من أجل أمن لبنان وإسرائيل والمنطقة بأسرها. وشددت على أن بلادها تتحرك بعزم، بالتنسيق مع مختلف الشركاء والأطراف المعنية بهدف التوصل إلى توافق في شأن قرار التجديد، وتابعت "كما هو الحال في مجلس الأمن، قد تبرز وجهات نظر مختلفة، لكن دور فرنسا، بصفتها حاملة القلم، يتمثل في العمل على التوصل إلى تسوية وتقريب المواقف".
وشددت النائبة الفرنسية على أن الهدف هو ضمان تجديد ولاية "اليونيفيل"، التي تبقى قوة استقرار أساسية في ظل ظرف إقليمي بالغ الدقة والهشاشة، وكشفت عن أن المشاورات الجارية تتركز على صياغة نص متوازن يأخذ في الاعتبار هواجس مختلف الأطراف، مع الحرص على تمكين "اليونيفيل" من الاضطلاع بمهماتها على أكمل وجه. وتعتبر لاكرافي أن وجود "اليونيفيل" يبقى ضرورياً في ظل ارتفاع مستوى التوتر واستمرار خطر الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة، وأن بقاءها يمثل عامل استقرار وحوار، ومن دونها ستتضاعف احتمالات التصعيد.
الشعب اللبناني رهينة "حزب الله"
أضافت النائبة في البرلمان الفرنسي أن القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان تؤدي دوراً محورياً في حفظ الاستقرار، لكنها اعترفت بأنه يجب توسيع تفويضها ليشمل دعماً فعالاً لجهود نزع السلاح، باعتبار ذلك السبيل الوحيد نحو سلام دائم في لبنان والمنطقة. واعتبرت أن الشعب اللبناني اليوم رهينة "حزب الله"، وبصورة غير مباشرة رهينة التدخل الإيراني غير المقبول، وشددت على أن لبنان يحتاج إلى أن تترك له مساحة لاستعادة سيادته ومؤسساته. وتابعت "أثبت الرئيس العماد جوزاف عون، منذ توليه رئاسة الجمهورية، إرادة صلبة وكفاءة عالية في الدفاع عن الدولة، ومن غير الجائز عرقلته". ورأت أن الضربات العسكرية الإسرائيلية المتكررة تعرض الدولة اللبنانية لمزيد من الضعف وتمنح "حزب الله" حججاً إضافية بدلاً من تقويضه، واعتبرت أنه من الضروري الالتزام بآليات التنسيق القائمة بين الجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي وفرنسا والولايات المتحدة و"اليونيفيل" من خلال لجنة الرقابة، أو ما يعرف بالـmechanism، التي تعد الطريقة المفيدة لتفادي التصعيد والحفاظ على قنوات الحوار العسكري. ودعت النائبة الفرنسية جميع أعضاء مجلس الأمن إلى التوافق والامتناع عن الانخراط في رهانات خطرة، سواء عبر دعم غير مباشر لـ"حزب الله" أم عبر استخدام حق النقض ضد أي تطور، فأمن لبنان وإسرائيل لا يمكن أن يبقى رهينة لهذه الممارسات التعطيلية، كما قالت.
تمديد بآليات أشد صرامة
منسق الحكومة السابق مع "اليونيفيل" العميد المتقاعد منير شحادة اعتبر أنه "في حال لم يجر التمديد للقوات الدولية العاملة في الجنوب، فإن إسرائيل ستدخل إلى منطقة جنوب الليطاني وتحتلها بكاملها وتفرض المنطقة العازلة التي تريدها"، وقال "قرار إلغاء مهمة اليونيفيل سيكون صعباً بسبب الاعتراضات الفرنسية والدولية، خصوصاً أن إنهاء عملها يحتاج إلى التصويت في مجلس الأمن، وهذا غير متاح بوجود روسيا والصين اللذين قد يلجآن إلى الفيتو، لذلك ستلجأ أميركا وإسرائيل بحسب رأيه إلى ابتزاز لبنان، والابتزاز الأول تجلى في خفض الرئيس الأميركي الموازنة المخصصة لمجلس الأمن"، والمعلوم أن الولايات المتحدة تسهم بنسبة تتراوح بين 22 و25 في المئة من موازنة الأمم المتحدة، وهذا الخفض سيؤثر في عمل مجلس الأمن الدولي، إذ بدأ الأمين العام للأمم المتحدة بتقليص عدد الموظفين، وكذلك خفض عدد القوات الدولية العاملة في الجنوب، التي قد يتراجع عددها إلى 8 آلاف عنصر بدلاً من 14 ألفاً، مما قد يؤثر في عملها وتراجع وتيرة المراقبة، فيعاد طرح إنشاء أبراج المراقبة كبديل عن خفض عدد القوات الدولية.
وكشف المنسق الحكومي السابق مع "اليونيفيل" عن أنه قبل أكثر من أربع سنوات، وبإيعاز من مجلس الأمن الدولي، وردت رسالة إلى قيادة القوات الدولية في الجنوب، تطلب منها التقشف في استخدام الآليات والاستعاضة عنها بكاميرات مراقبة، ورفض حينها لبنان هذا الطرح. وتجدد الطلب في عهد القائد السابق أرولدو لازارو وتضمن وضع أبراج مراقبة مجهزة بكاميرات، على غرار الأبراج الموزعة على الحدود مع سوريا، لكن الجانب اللبناني رفضها، لأن هذه الكاميرات تعمل عبر موجات "الميكروويف"، مما يسمح لإسرائيل بالتجسس. وتوقع شحادة أن يعاد طرح قضية بناء الأبراج مجدداً على طول الحدود من الناقورة وحتى مزارع شبعا، بعدما تبرعت بريطانيا بتشييدها، لكن السؤال: هل سيستطيع لبنان أن يرفضها هذه المرة؟
تمديد بتوسيع المهمات؟
واعتبر العميد شحادة أن "تعديل مهمات اليونيفيل أو توسيع صلاحياتها يستخدم أيضاً كمادة ابتزاز على لبنان، فتوسيع صلاحياتها سيسمح للقوات الدولية بأن تصبح أكثر حرية وأكثر عنفاً إذا صح التعبير، لكنها ستبقى تحت الفصل السادس، وسط استحالة وضعها تحت الفصل السابع حتى تتمكن من استخدام القوة في تنفيذ القرار الدولي 1701. وبالتالي بين خيار الفصل السادس أو السابع، سيضطر لبنان إلى القبول بتوسيع الصلاحيات لتصبح أكثر فعالية".
وعن الاقتراح الأميركي بالتمديد لسنة واحدة، لفت شحادة إلى أن خطورة هذا القرار أنه سيسمح بأن تكون إسرائيل المستفيد الأكبر، وتابع "إذا تمكنوا في مجلس الأمن من إنهاء عمل اليونيفيل في لبنان وبلغنا نهاية العام وكانت لا تزال إسرائيل مستمرة في اعتداءاتها اليومية ولا تزال النقاط الست محتلة، وستصبح الآن سبع نقاط، لا شيء يمنع من أن تتقدم لاحتلال كامل منطقة جنوب الليطاني". وختم متوقعاً تمديداً يمنح صلاحيات أكبر لـ"اليونيفيل"، وهذه الصلاحيات ستكون قاسية على لبنان وقد يعود موضوع الكاميرات ويتحقق، وسيوافق لبنان رغماً عنه على بناء أبراج على طول الحدود كما في السلسلة الشرقية.