المصدر: جسور
الكاتب: ميشال الشماعي
الأحد 23 نيسان 2023 11:29:43
لا تنتظم أيّ حياة سياسيّة في أيّ بلد من دون انتظام العمل الديمقراطي فيه. وأبرز تجليّات الديمقراطيّة تكمن في العمليّة الانتخابيّة. ولعلّ هذا ما نجح دويتّو الحكم في لبنان، المنظومة والمنظمة، بتعطيله ليضمن استمراريّة نهجه بالسيطرة على مقدرات الدّولة، خدمةً للمشروع التوسّعي الذي يحمله هذا المحور. إلى ذلك كلّه،
أيّ دولة لا تضمن سيادتها وتحفظ حقّها في السيطرة على كلّ حبّة تراب من ترابها تصبح دولة مارقة وفاشلة لا تقيم لها الأسرة الدّوليّة أيّ اعتبار. نستطلع في هذا الجزء من النظرة الجيوبوليتيكيّة للشرق الأوسط دور دويتّو الحكم في تعطيل العمليّة الانتخابيّة، واهميّة الانتخابات البلديّة والاختياريّة لاستمرار الحياة الديمقراطيّة بشكل طبيعيّ. كما سيعرض البرفسور وليد فارس في حديثه لجسور عن مدى الضرر الذي ألحقته حركة حماس بما تبقّى من صورة الدّولة في لبنان.
الانتخابات البلدية والاختياريّة ومدى أهميّتها
لا يفصل فارس في حديثه عن هذا الشأن الانتخابي مدى ضرر منظّمة حزب الله على هذه العمليّة. فهو يثؤكّد في حديثه لجسور أنّه " في ظلّ السيطرة الايرانيّة على البلديات والمخاتير الواقعة في المناطق الخاضعة لنفوذ حزب الله، فلا شكّ أنّ نتائج هذه الانتخابات ستذهب لصالحه." ولكن بالنسبة إلى فارس التحدّي الكبير " يكمن في المناطق التي لا يوجد فيها نفوذ للحزب. مع ملاحظته لوجود نفوذ لشبكات فقط.
من هنا، تأتي أهميّة أيّ تحالف للسياديين. فمجرّد الوجود في بيروت وزحلة وجزء من الشمال هو بحدّ ذاته ربح. فبالنسبة إلى فارس " الخروج بكتلة نيابيّة واضحة بعد 15 أيّار 2022 كان انتصارًا بارزًا، ولكن قيادات هذه الكتل، لم تستعملها بالشكل الصحيح." من هنا، يرى أنّ الشيء نفسه سيحصل في هذه الانتخابات إن حصلت، وفي أيّ توقيت، حيث يؤكّد أنّ " القوى السياديّة نفسها ستحصد أعدادًا كبيرة، ولكن هذه الأعداد لن تغير الوضع الجيوسياسي في لبنان."
أمّا بالنسبة إلى كيفيّة تغيير هذا الواقع، يربط فارس ذلك بإمكانيّة حدوث أيّ ظروف معيّنة؛ إضافة إلى شرط أساسيّ يعتبره وهو "إذا ربطت قيادات 14 آذار نفسها بهذه الظروف، عندها سيكون لها ذراعان: الكتلة السياديّة في المجلس النيابي، والكتلة السياديّة الهائلة من أعضاء البلديات. فهاذان الذراعان إذا قرّر الفريق السيادي أن يستعملهما، سيحسّنان فرصه أكثر بكثير. "
قد يكون ذلك أحد أسباب الدويتّو الحاكم في العمل على عدم حصول هذه الانتخابات لنّها إن حصلت، ومتى حصلت ستحسّن من شروط السياديّين في عمليّة كودرة وتنظيم فريقهم السياسي أكثر فأكثر. وبالتّالي هذا وحده سيمدّهم بقوّة سياديّة أكبر ستكون رافعة مشروع تحرير الدّولة من هيمنة احتلال محور إيران.
زيارة حماس إلى لبنان
في هذا السياق، تأتي مقاربة فارس مقاربة تحذيريّة يبدأها بتحذير للمجتمع الدّولي الذي يحذّر من أنّه " يجب أن يتنبّه بأنّ هذه الزيارة تمّت بدعوة من حزب الله، لكن لا حول لهذا المجتمع الدّولي، طالما حزب الله يسيطر على لبنان! فبإمكانه أن يستقبل أي زعيم جهادي أو خمينيّ أو ..." وقد يكون استنتاج فارس هذا نابعًا من عدم تجاوب السياديّين مع الحلول والاقتراحات التي يطرحها، حيث يحثّهم ليبادروا باتّجاه هذا المجتمع. لكن حتّى الساعة ما من مبادِرٍ.
أمّا بموضوع إطلاق الصواريخ، فيؤكّد فارس في حديثه لجسور أنّها " لا تطلق من دون إذن حزب الله الذي يقرّر السيناريو الذي يتوافق مع مصلحته. فهو على رأس هرم الممانعة. فهو يطلق الصواريخ عن طريق حماس أو غيرها."
وفي المقاربة الجيوبوليتيكيّة الشرق – أوسطيّة يرى فارس أنّ "هذا ما يربط هذا الملفّ بالملفّ الإقليمي. فحزب الله هو جهاز عند النظام الإيراني. فهذه الصواريخ التي أطلقت من لبنان باتّجاه إسرائيل، وتلك التي تطلق من غزّة أو سوريا، ذلك كلّه، هو هرم استراتيجي إيراني القاعدة، وله نقاشه الخاص في اللعبة الايرانيّة الاسرائيليّة وربّما الأميركيّة." ويستطرد فارس هنا منبّهاً " ربّما قد يهيّأ لصواريخ بالستيّة قد تطلق من العراق أو أماكن أخرى."
اتّفاق الترسيم وخارطة الاستخراج
وعن اتّفاق الترسيم مع لبنان، يرى فارس أنّه " بعمقه اتّفاق مالي – اقتصادي عن طريق الولايات المتّحدة الأميركيّة والشركات الأوروبيّة، بين الشركات التي تأتي عن طريق إسرائيل، والشركات التي تأتي عن طريق لبنان." وهذا ما يدفعه ليؤكّد أنّه بموافقة حزب الله.
فهذا موضوع اقتصادي بحت. كما يؤكّد فارس في حديثه لجسور حيث يرى أنّ " الأطراف التي تقف وراء هذه الشركات هي التي سوف تقرّر وتتقدّم في عمليّة الانتاج لتبدأ الكسب المالي." أمّا بالنسبة إلى الشركات التي تأتي عبر إسرائيل، فيؤكّد فارس أنّ " لها دعم الحكومة الإسرائيليّة، وتريد الانتاج والربح بشكل مباشر. ولإسرائيل القدرة التكنولوجيّة لتتقدّم. "
وفيما يتعلّق بالشركات التي تأتي عن طريق أميركا وأوربا، فيلحظ فارس أنّها تريد الشيء نفسه. ويجزم أنّ "الشركات التي تأتي من لبنان فقرارها حتمًا هو في طهران. فما أراده محور طهران من اتّفاق الترسيم قد حصل عليه، أيّ النسبة المئويّة."
فالاشكاليّة إذًا تكمن في إرادة هذا المحور بالعمل. هل هو يرغب بأن تربح الشركات جميعها؟ أم أنّه يضع ضغطًا للحصول على تراجعات أكبر من إسرائيل والغرب؟ويختم فارس حديثه لمنصة جسور عربيّة معربًا عن رأيه في هذه المعادلة. فهو يرى " على الأقل حتى عام ونصف العام، هم سيستعملون، أي محور إيران، الأراضي اللبنانيّة للضغط على إسرائيل. فإذا تمّ التراجع من قبل إسرائيل وأميركا. عندها قد نرى تفعيل لتنفيذ للمشروع عبر الشركات التي تأتي من لبنان. ولكن ليس في هذه المرحلة."
لبنان أو حماس لاند؟
في نهاية المطاف، لن يكون لبنان إلا " لبنان الحرّيّة". وكما أسقِطَ مشروع فتح لاند، وبعده البعث لاند، سيسقط أيّ مشروع آخر لا يرتبط بالكِيَانيّة اللبنانيّة. وأيّ نظرة جيوبوليتيكيّة للشرق الأوسط، لا يمكن أن تستبعد القضيّة اللبنانيّة. لأنّ الهدف الأوّل والأخير هو القضاء على موئل الحرّيّة على مساحة هذه ال 10452 كلم2. وإن لم نسعَ لخلاص لبنان كلبنانيّين مجتمعين، فلن يخلّصنا أحد. من البديهي أن يتأثّر لبنان بالعامل الجيوبوليتيكي، لكن ألم يآن أوان بزوغ لبنان الجديد؟