نقيب المحامين: آلية تنفيذ الورقة اللبنانية تستدعي قراراً حكومياً

في توقيت سياسي بالغ الحساسية، سلّمت الدولة اللبنانية ردّها الرسمي إلى الموفد الأميركي توم براك على الورقة الذي كان أودعها لدى المسؤولين اللبنانيين في زيارته الأخيرة الشهر الماضي، وبحسب المعلومات المتداولة بان الورقة اللبنانية تضمنت مقاربة لعدد من الملفات الحسّاسة، أبرزها ملف السلاح، وبسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، إلى جانب التزامات مبدئية تتقاطع مع مندرجات القرار 1701، وذلك بالتزامن مع الضغوط الدولية والعربية الداعية إلى استعادة الدولة اللبنانية سلطتها الحصرية في المجالين الأمني والعسكري.
 
إلّا أن هذه الورقة، التي يفترض أن ترسم ملامح التزام لبناني تدريجي ببسط سلطة الدولة على كامل الأراضي وتوجّهاً سيادياً واستعداداً للتجاوب مع المبادرات الدولية الداعية إلى تثبيت الاستقرار، لم تمرّ بهدوء في الداخل، بل فتحت الباب أمام موجة من الاعتراضات السياسية والدستورية، باعتبار ان تقديمها أتى من دون موافقة مجلس الوزراء مما فتح جدلاً سياسياً ودستورياً واسعاً، وسط تساؤلات عن شرعية تمثيل الورقة للموقف الرسمي اللبناني، لا سيما أنها لم تُعرض على مجلس الوزراء، وبالتالي لم يُطّلع عليها الوزراء، على الرغم من خطورة مضمونها، والحديث من ان هناك بنودا تضمنتها بقيت طيّ الكتمان حسب منتقدي هذه الخطوة.
 
وفيما سعت رئاسة الحكومة إلى احتواء الانتقادات من خلال المواقف التي أطلقها رئيس مجلس الوزراء الدكتور نواف سلام في مؤتمره الصحافي الذي عقده بُعيد استقباله الموفد الأميركي، حيث أكد على الثوابت اللبنانية وتمسّكه بالدستور واتفاق الطائف، مشيراً إلى أن مجلس الوزراء سيُعقد جلسة له في الوقت المناسب لمناقشة الورقة، فان موقف الرئيس سلام لم يبدّد المخاوف لدى المعترضين، وأبرزهم رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الذي كان من أبرز منتقدي الخطوة، معتبراً أن «أي وثيقة تتعلق بالسيادة الوطنية يجب أن تمرّ حصراً عبر مجلس الوزراء، وليس من خلال قرارات فردية». ورأى أن «الالتفاف على المؤسسات يُضعف الموقف اللبناني أمام الخارج، ويُدخل البلد في متاهات قرارات لا أحد يتحمّل مسؤوليتها».
«اللواء» سألت نقيب المحامين في بيروت فادي المصري حول السجال الحاصل عن دستورية تسليم الورقة اللبنانية الى براك دون اطّلاع مجلس الوزراء عليها، فقال النقيب المصري في هذا الإطار: «الموضوع دقيق جداً، وأنا لديّ مطلق الثقة برئيسي الجمهورية والحكومة بإدارة هذا الملف بحكمة وحنكة، إنما، لا شك أن هذا الموضوع يتطلّب أيضاً العودة إلى مجلس الوزراء، لأن القضايا التي تمسّ أمن اللبنانيين ومستقبلهم، وأي تدبير يُتخذ لفرض سلطة الدولة وتفويت الفرصة على الانزلاق نحو أي كوارث أمنية أو اقتصادية لا نستطيع تحمّلها، وهي تقع في صلب مسؤولية مجلس الوزراء مجتمعاً، فالمسؤولية ليست محصورة برئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة، بل هي مسؤوليتنا جميعاً. ومن واجباتنا أن نحمي ونصون وطننا، وأن نتحلّى بالشجاعة اللازمة لمواجهة المخاطر».
 
أضاف نقيب المحامين: «من هنا، ومن باب التمسّك بالدستور والمؤسسات، يجب أن يكون مجلس الوزراء هو الجهة المسؤولة أولاً وأخيراً عن مناقشة هذه الورقة التي تتعلّق بأمن اللبنانيين كونه هو السلطة التنفيذية».
وردّا على سؤال قال النقيب المصري: «نحن لا نتحدث عن معاهدات دولية أو عن علاقات لبنان الخارجية، فالورقة التي سُلّمت الى الموفد الأميركي تتعلق بأمن اللبنانيين وسلامة الأراضي اللبنانية، وفرض سلطة الدولة. وأنا لا أشك أبداً في أنها نابعة من رؤية وطنية صادقة، تنسجم مع تطلّعات مجلس الوزراء، ولكن أعود وأكرر ان الأمر يقتضي أن يكون تنفيذ هذه الورقة من مسؤوليات مجلس الوزراء، لان الموضوع يحتاج الى آلية تنفيذية، سواء تعلق الأمر بالسلاح الفلسطيني خارج أو داخل المخيمات، أو بفرض سلطة الدولة الكاملة على كل الأراضي، أو لاحقاً بتأمين الحصرية الكاملة للسلاح بيد الدولة اللبنانية، فإن هذا كلّه شرط أساسي للانطلاق بعملية نهوض شاملة. فلا يمكن أن تُبنى ثقة خارجية بلبنان، ولا حتى ثقة داخلية من اللبنانيين أنفسهم، ما لم ننجح في تحقيق هذا الهدف، لذلك علينا أن نشعر ان هناك خارطة طريق واضحة يجب الوصول إليها، وعلى مجلس الوزراء أن يضع هذه الخارطة، بغض النظر عن المبادئ التي تضمنتها الورقة، التي بطبيعة الحال هي نابعة من البيان الوزاري، ولكن تنفيذ الورقة والآلية والضوابط والمهل والجدول الزمني للتنفيذ كلها تعود الى مجلس الوزراء الذي هو المسؤول عنها وليس رئيس الجمهورية لوحده أو رئيس الحكومة، بل جميعنا مسؤولين عنها لذلك لا بد من مناقشة الآلية التنفيذية للورقة في مجلس الوزراء».
 
من ناحيتها، تصف مصادر سياسية الورقة بانها رسالة إيجابية تجاه المجتمع الدولي، وتشير الى ان أي مبادرة على هذا المستوى تحتاج إلى توافق داخلي واضح وإرادة تنفيذية جامعة، وإلّا تحوّلت إلى وثيقة نوايا بلا أثر فعلي.
 
في المحصّلة، فان الورقة اللبنانية الموجّهة إلى واشنطن لا تزال في بدايات اختبارها. وبين من يراها محاولة لاستعادة زمام المبادرة، ومن يعتبرها تجاوزاً للدستور ومؤسسات الحكم، يبقى الرهان على قدرة الحكومة في إدارتها وترجمتها إلى مسار تفاوضي متماسك. لكن الأساس يبقى في الجواب النهائي الذي ستصدره واشنطن عليها، والمتوقّع أن يُبلّغ إلى لبنان خلال الزيارة المرتقبة للموفد الأميركي طوم براك إلى بيروت بعد نحو أسبوعين. هذا الجواب سيكون بمثابة المفصل الحاسم، فإمّا أن يدخل لبنان مرحلة جديدة تواكب التحوّلات الإقليمية والدولية، وإمّا أن يعود إلى المربّع الأول، وعندها تصبح كل الاحتمالات مطروحة، بما فيها اندلاع حرب إسرائيلية شاملة عليه.