نموذج الهشاشة الخطرة... على الصخرة!

حتى بمعايير قياس مستوى السيادة وصلابة الدولة الذي بات معياراً أساسياً محورياً في التعامل الداخلي والخارجي مع الأوضاع في لبنان، شكلت ما سميت أزمة صخرة الروشة في كباش بين الحكومة و"حزب الله" إحدى علامات وإشارات تقهقر مركب من عوامل اجتماعية سياسية طائفية حزبية، لا تحتمل إطلاقاً أي تزوير أو تلاعب إعلامي.

والحال أن إحياء ذكرى اغتيال الأمينين العامين لـ"حزب الله"، حين تحول إلى شبح فتنة طائفية مذهبية من جهة وخطر صدام بين القوى الأمنية والحزب وبيئته من جهة أخرى، كشف الهشاشة المخيفة التي تطبع الأوضاع اللبنانية داخلياً إلى حدود أن أي تطور هامشي تفصيلي على ضفاف الأزمة المحورية المتصلة بتنفيذ قرارات الحكومة في شأن حصرية السلاح في يد الدولة بات يتهدد السلم الأهلي جدياً وليس تهويلاً.

ولعل نموذج الكباش الذي دار بين الحكومة و"حزب الله" حول إحياء "فعالية" إضاءة صخرة الروشة لفترة دقائق بصورة زعيميه الراحلين تجاوزت بدلالاتها المناسبة بعدما نبشت شياطين العصبية المذهبية الكامنة في العاصمة على خلفية تطورات دموية سابقة وماض "غير مضيء" إطلاقاً لم يمر عليه وقت بعيد ولا خضع لتنقية الذاكرة لكي تمر مسألة عابرة مروراً مسالماً بلا عواصف.

كان اختيار الحزب الذي يفترض أن يحيي برقيّ ذكرى زعيميه اللذين تقدما قوافل أكثر من خمسة آلاف مقاتل سقطوا في الحرب الأشرس التي واجهها في تاريخ نشأته، اختياراً حكيماً بحيث لا يوقظ فيها شياطين الحساسيات والعصبيات لدى فئات لبنانية وبيروتية يعرف تمام المعرفة أنها لن تسكت عما تراه استفزازاً في "عقر الدار"، ولا جاءت ردة فعل الحكومة ونواب العاصمة وكل من عارض ورفض هذا التصرف سريعة ومقنعة وحاسمة منذ اللحظة الأولى، إذ تركت الأمور إلى أيام قليلة قبل موعد المناسبة لكي تعالج في التعاميم والكواليس بمزيج من المنطق القانوني الحكومي والتحذير النيابي السياسي الطائفي، في كل جوانب قضية تبدو في ظاهرها على كثير من التفصيلية والهامشية. المخيف أنها كادت تثير فتنة بلا أي رادع مهما قيل في تبرير هذا الموقف أو ذاك.

المسألة الأساسية تتصل الآن بـ"حزب الله" طبعاً الذي لم يترك في تاريخ سياسات الإنكار التي تطبع استراتيجياته الكبيرة والصغيرة أي مجال موضوعي لتبرير ما يقوم به راهناً في تحديه للدولة اللبنانية قاطبة عبر رفضه التسليم بحصرية السلاح حتى لدى تجمع كل المؤشرات المقلقة على تجدد الحرب الإسرائيلية على ما تبقى من قدراته وترسانته وتالياً تعريض المناطق اللبنانية كافة لأخطار حرب جديدة.

ومع ذلك فإن مسألة السلاح وحدها لا تحجب هشاشة الواقع الآخر لدى جميع المكونات اللبنانية لجهة العصبية الكامنة بقوة وراء كل مواقف القوى والأحزاب "والمجتمعات" اللبنانية التي تبدو عند كل هبة وكل توتر وكل تطور متحفزة لاستعادة ماض مثقل بالعصبيات إلى حدود الخشية المستدامة من الفتن أو الاضطرابات.

ما ينطبق على الشارع ينسحب بمثله وأكثر على السياسة حيث تنذر مجالس وكواليس الاستعدادات لاستحقاق الانتخابات العامة النيابية السنة المقبلة بكباش سيتحول تدريجاً إلى كباش طائفي حاد أمام محاولات لفرض قانون انتخابي يمنع المغتربين اللبنانيين من الاقتراع لجميع نواب الأم،ة كما يفترض ذلك المنطق الدستوري القويم.

الهشاشة إذن لا تقف عند حدود ولن تقف عند حدود التصفيق والدعم والمواكبة لخطة حصرية السلاح وحدها التي تواجه ما تواجهه من مطبات وتعقيدات وأخطار . ما يخشى منه في واقع لبنان أن تكون المفاجآت الداخلية المتصلة بقضايا عارضة شكلاً أخطر من أخطار محسوبة كتجدد الحرب الإسرائيلية.