المصدر: وكالة الأنباء المركزية
أبعد من النتائج السياسية و"المؤسساتية"، حملت الجلستان اللتان عقدهما مجلس النواب الجديد، كثيرا من الخلاصات والعبر التي يجدر التوقف عندها لا لشيء إلا لأنها تؤكد ما خشيته المنظومة، وما لا تزال ترفض الاعتراف به حتى الآن: انتهت صناديق الاقتراع إلى معادلة جديدة أكدت موقع القوى المعارضة في المشهد السياسي، خصوصا بعدما فجّر الناس قنبلة سياسية من العيار الثقيل في مواجهة الوجوه والقوى والأحزاب التقليدية بنقل 15 شخصية تغييرية من النضال في الشارع إلى ملعب التشريع النيابي، بينما كانت التوقعات الأكثر تفاؤلا تشير إلى فوز 7 إلى 10 من مرشحي الثورة، ما يجعل كل قرار أو تحرك ينبري إليه هؤلاء في دائرة الرصد أولا.
وفي السياق، تنبه مصادر سياسية مراقبة عبر "المركزية" إلى أن أوضح نتائج التغيير التي أفرزتها الانتخابات النيابية الأخيرة يتجلى في غضب رئيس المجلس النيابي نبيه بري في خلال جلسة انتخاب الرئيس ونائبه كما في استحقاق اللجان. فالرجل الذي نجح في البقاء على "عرشه" النيابي لثلاثة عقود بالرغم من كل التغييرات السياسية التي عصفت بالبلاد، والمعتاد على ابتكار مخارج اللحظات الأخيرة في المحطات الحرجة متسلحا بالتوافق، ليس معتادا على "تمرد" بعض النواب من معارضيه على المسارات التي يحاول فرضها. بدليل أنه رضخ لضغط النواب سامي الجميّل وبولا يعقوبيان وحليمة قعقور الذين طالبوا بقراءة الأوراق قبل إلغائها في خلال انتخاب الرئيس ونائب الرئيس، مع العلم أن يعقوبيان كانت سجلت الاعتراض نفسه في خلال جلسة انتخاب رئيس المجلس المنبثق من انتخابات 6 أيار 2018، بعدما أظهر الفرز أن صوتها (الذي اختارت إعطاءه للمخرجة نادين لبكي غداة تكريمها في مهرجان "كان" السينمائي) لم يظهر في الصناديق. وقد سجلت هذه الحادثة بعد عام ونصف العام على انتخاب رئيس الجمهورية الذي اعترته مخالفات عدة في الشكل احتج عليها رئيس الكتائب...
غير أن بري قال بعد طول جدال وصراخ: "رح نمشي على رأيكن"، وفي ذلك اعتراف صريح بأن الأزمنة تبدلت وكذلك طرق العمل النيابي التقليدي، وهو ما بدا واضحا في جملة النائبة قعقور الشهيرة: "جايين نضرب التوافق". ذلك أن التوافق الذي تستولده المطابخ السياسية في الكواليس بدأ يتراجع لمصلحة الممارسة الديموقراطية والدعوات الصريحة إلى تطبيق النظام الداخلي للمجلس بحذافيره.