"نيو" حريري: ما بعد 14 شباط ليس كما قبله

توحي المشهدية التي يرسمها تيار المستقبل اليوم، بأنّه حان الوقت لإنهاء الاعتكاف، ولأن ينسى اللبنانيون واقعة "الرئيس المخطوف"، التي تُستحضر عند كل استعراض سياسي لمسار الرجل الذي ارتدى السترة الزرقاء يوماً، قادماً من عالم المال والأعمال. فواجه ما لم يواجهه أي زعيم سني من تحديات وعراقيل رمت به إلى خارج اللعبة السياسية، بعدما علّق عمل "تيار المستقبل" السياسي بقرار من رئيسه سعد الحريري، الذي حصل على إشارة تغييب سعودية. اليوم، تبدلت المعطيات. أفرزت الوقائع السياسية وجهاً جديداً للمنطقة، ولبنان جزء منها. تغيّرت الموازين، وما بعد 14 شباط المقبل لن يكون كما قبله، أقلّه بتخريجة بدأ تيار المستقبل يستعد لها في الكواليس، بأنّ "الحريري عائد"، مستفيداً من "التحول" السوري، والزخم العربي والدولي للبنان، الذي جاء بالعماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية، وبالقاضي نواف سلام رئيساً للحكومة.

فهل للحريري حصته من لبنان "الجديد"، لاستعادة الزعامة السنّية من بوابة الانتخابات النيابية في العام المقبل، على قاعدة أنّ "سعد ما سقط"، بل درس جيداً في كتب اقتناص الفرص، وكلمته في الذكرى العشرين لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، ستشكل مسار المرحلة المقبلة؟ وهل أُزيل اليوم "الفيتو" السعودي عن الحريري؟

الزعامة السنّية
المشهد السياسي في لبنان يفضح الأحجام والقواعد الشعبية والموروثات السياسية. والحريري يمتلك قاعدة شعبية جماهيرية كبيرة، سواء في بيروت أو صيدا أو طرابلس ذات الزخم السني المتشتت، غير المتفق على نهج أوحد في العمل السياسي. وكلمة السر التي ستفكك أحجيات العودة الميمونة أو الاعتكاف المستمر، سعودية بامتياز، أقله كما يحاول البعض الإيحاء به، بالإشارة إلى أنّ هذا الفيتو بدأ بالتقلص. فالسنوات الأخيرة ترجمت للمملكة أنّ الحريري لا يزال يحتفظ بزعامته السنية، والسعودية التي استعادت دورها في لبنان عقب الاستحقاقين الأخيرين مع انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف رئيس الحكومة، تريد بطبيعة الحال أن تعزز ساحتها مع الأقوى "أو الأضعف فتقويه مجدداً"، وهي تسد الباب تالياً بوجه دول أخرى خليجية وغيرها تطمح للعب هذا الدور على مستوى السنّة في لبنان.

مصادر "المستقبل" تقلل من أهمية هذا الربط. تعتبر الحديث عن الرضا أو الغضب السعودي مجرد "كيليشه" يتداوله البعض. فالعلاقة بين الحريري والمملكة العربية السعودية "أكبر من كل الاجتهادات والتحليلات وتمنيات البعض"، كما تشير المصادر إلى "المدن". وتعيد التذكير بما قاله الحريري في 15 شباط من العام المنصرم في دردشة مع الإعلاميين رداً على سؤال، إنّه "علّق العمل السياسي بقرار شخصي ونقطة على السطر"، وأردف قائلاً "كل ما يُكتب عن علاقتي بالمملكة غير صحيح".

ولا يبدو التيار الذي يستعد لـ"المنازلة السياسية"، بوارد التحليل أو الاجتهاد بعلاقة الحريري بالسعودية. ترد المصادر لـ"المدن" بالقول إنّ "أهل مكة أدرى بشعابها"، و"العلاقة بين الحريري والسعودية أكبر من كل الترهات"، معتبرة أنّه حينما انكفأ الحريري عن العمل السياسي، كانت وقتها السعودية منكفأة هي بدورها عن لبنان. فهل انقلبت الآية اليوم، بعدما عادت السعودية لتجد لها مساحة بين اللاعبين الإقليميين والدوليين في لبنان، وعودتها تعني حكماً عودة الحريري للداخل؟

الحريرية الوطنية
تحيل مصادر "المستقبل" كل هذه الأسئلة إلى الرئيس سعد الحريري. تقول إنّه "سيجاوب صراحة على كل هواجس اللبنانيين وعلامات استفهامهم، وما سيقوله سيشكل عناوين المرحلة المقبلة". أمّا المؤكد فإنّ الحريري عائد في شباط، وعلى الأرجح سيدعو تياره استعداداً لخوض المرحلة المقبلة. هو سيرسم عناوينه ويعلن عنها تباعاً بدءًا من 14 شباط، وأغلب الظن أنّه سيخوض الانتخابات النيابية المقبلة.

وفي الكواليس، الأرضية باتت جاهزة. عمل الأمين العام للتيار أحمد الحريري على تعبيدها في أكثر من مناسبة. ومؤخراً، بات أقرب للتلميح بأنّ الحريري عائد، وقال صراحة "إنتوا يلي انتهيتوا" في معرض تعليقه على من يشير بأنّ تيار المستقبل انتهى. أردف الأمين العام بأنّ "الكلمة الفصل ستترك لسعد الحريري على قاعدة كل شي بوقته حلو.. وقرار التعليق ما هو إلا البداية، وأنّ الحريرية الوطنية مع سعد الحريري تولد من جديد وأقوى، بإذن الله".

واليوم، الخصوم قبل الحلفاء يأملون بفك "القيود" عن الرجل، على الرغم من المآخذ الكثيرة على الحريري الذي تخلى عملانياً عن مسؤولياته، والتي كان من المفترض أن يحملها في عز الأزمة الاقتصادية والسياسية في البلد. بينما برر حينها سعد الحريري قرار تعليقه العمل السياسي في العام 2022، ناسباً ذلك إلى إنّه "مقتنع بأن لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة". 

استراحة محارب
بحسب مصادر "المستقبل"، فإنّ ما يستحق التوقف عنده من دون "كليشهات السعودية والفيتوات" هو كلمة الرئيس سعد الحريري المقررة في 14 شباط، بعد 3 سنوات على غيابه عن أي خطاب سياسي مباشر. الكلمة وحدها مؤشر، لرسم خريطة طريق التيار للمرحلة المقبلة، في ظل كل المتغيرات على مستوى المنطقة من فلسطين إلى سوريا. تقول المصادر إنّه من المبكر التكهن بما ستحمله الكلمة من عناوين، "فهناك وقت فاصل وربما تطورات تحصل في  المنظور القريب، وفي السنة الماضية قال الرئيس الحريري "كل شي بوقتو حلو". وعليه نتفهم رغبة الناس لمعرفة ما ستتضمنه الكلمة، على الرغم من أنّ التيار لم يتوقف عن العمل، إنمّا انكفأ عن العمل السياسي بشكله التقليدي".

وما بين خطاب الاعتكاف وخطاب العودة، تبدّل كل شيء. واليوم التيار الأزرق على جهوزيته لأي استحقاق جديد. وتفيد المصادر بأنّ "ملامح العودة كانت بتحريك العمل السياسي بموقف من هنا وبيان من هناك. التيار لا يزال حاضراً، وهو في لحظة معينة قام بمراجعة ذاتية وقرر خوض استراحة المحارب، ولم يقفل الباب يوماً، وهذه الاستراحة ستشكل فيما بعد مرحلة جديدة لنا".

التمثيل في الحكومة
ويمكن التوقف عند ما تقوله المصادر بإعتباره إشارة إيجابية وتعويم ذاتي بغياب أي حضور سنّي وازن. تشير المصادر إلى أنّ "المستقبل واكب النفس الجديد في البلد، و"اليوم نستعد ونحضر أنفسنا لمرحلة جديدة بعد 14 شباط، ونحن على جهوزية تامة. ولا يمكن اغفال حقيقة أنّ التيار بقي متماسكاً طيلة هذه الفترة، فلم يشهد استقالات أو انسحابات من صفوفه، بينما في المقابل كُثر كانوا يتوهمون أنّ التيار انتهى. واليوم يثبت الرئيس سعد الحريري أنّه الأكثر حضوراً في وجدان الطائفة السنية".

ورداً على ما يُشاع بأنّ "المستقبل" سيتثمل في الحكومة المقبلة عند تشكيلها من خلال تمثيل غير مباشر في الحكومة مع وزيرين، أكدت المصادر أنّه "حتى اللحظة وطالما لم يصدر بعد عن المستقبل أي بيان بتعليق قرار الاعتكاف، فنحن لغايته ملتزمون بتعليق العمل السياسي، والحريري وحده يملك القرار بالرجوع عنه".

توحي كل الإشارات إذاً أنّ العودة باتت قريبة، وقريبة جداً. فالمشهد السياسي يحتاج ربما لرجل مثل سعد الحريري، ينادي بالتلاقي والشراكة، واليد الممدودة، كما سبق وفعل عندما طلب من جمهوره في لبنان احتضان النازحين خلال العدوان الإسرائيلي. فهل يعود زمن الحريري، وتنتهي مقولة "الإحباط السني"، الاحباط الذي يبدو متجولاً اليوم بين الطوائف والمذاهب؟