هل اقترب الانفجار؟

حملت الأيام الماضية مجموعة من المؤشرات السلبية المقلقة، والتي زادت من حجم الانشغال والإلحاح في الأسئلة عن مآل واتجاه الأوضاع في هذه البلاد، التي تزداد تعاسة وغمًّا وإقفالاً لطرق واتجاهات الحل، أو التسوية المأمولة المعدة للطبخ التي لم تظهر بعد أو ترتسم معالمها.

أبرز المؤشرات السلبية تمثل بالبيان أو المؤتمر الصحافي لمسؤول صندوق النقد الدولي في بيروت، إرنستو راميريز ريغو، والذي وجّه فيه نقداً مباشراً وقاسياً باتجاه أركان القوى السياسية الممسكة بالنظام السياسي الحالي، على مختلف الاتجاهات، والتي تتحمل المسؤولية في عدم إقرار أية خطوات أو قوانين إصلاحية مطلوبة من مجلس النواب، وصولاً إلى التمهيد لاتفاق كامل مع صندوق النقد الدولي.

من المعروف أن الاتفاق المأمول مع الصندوق هو تأشيرة الدخول والتجول للبنان في عالم الثقة الدولية والعربية، المطلوبة لإعادة استنهاض اقتصاده من الكارثة، التي وقع فيها جراء عملية الهدر والسرقة الموصوفة لثروات ومدخرات اللبنانيين، التي كانت تحققت طوال العقود والسنوات الماضية.

عملياً، قال المسؤول الدولي إن مجلس النواب وأركان النظام لم يقدموا طوال الفترة الماضية على إقرار الخطوات والقوانين الإصلاحية المطلوبة.

قانون السرية المصرفية الذي أُقرّ تنقصه أمور كثيرة، وتعوزه بنود وعناصر ليست موجودة. وأهمية هذا القانون أنه يسمح بتحقيق قوي وواضح وشفاف في مصير ومآل الأموال التي كانت في المصارف، ومن شأنه تفعيل الرقابة على حركة رؤوس الأموال مستقبلاً.

صيغة قانون الـ"كابيتال كونترول" المطروحة حالياً، لا تحظى بقبول الصندوق. وإذا كان الهدف الحفاظ على الرساميل الموجودة، واسترجاع قسم منها، فإن صيغة القانون المطروحة للنقاش تشوبها ثغرات تعطل الهدف من القانون. وهو خطوة كانت مطلوبة في الأسابيع الأولى للمحنة، ولم يجر الاقتراب منها.

الخطوة الثانية المهمة التي لم يقترب منها مجلس النواب، هي قانون إعادة هيكلة المصارف، حيث يحتوي لبنان على 63 مصرفاً. فهل يحتاج لبنان قياساً مع مساحته وعدد سكانه وناتجه المحلي الذي كان يقدّر بنحو 58 مليار دولار، إلى هذا العدد الكبير من المصارف؟

سويسرا أبرز رواد العمل المصرفي في العالم، والتي يصل عدد سكانها نحو 9 ملايين نسمة وناتجها المحلي السنوي يقدر بأكثر من 710 مليار دولار، عدد مصارفها يبلغ 13 مصرفاً.

أما فرنسا التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 66 مليون نسمة، وناتجها المحلي السنوي يقدّر بأكثر من 2795 مليار دولار، فعدد مصارفها يبلغ 28 مصرفاً.

فيما بريطانيا التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 67 مليون نسمة وناتجها المحلي السنوي يقدّر بأكثر من 2809 مليار دولار، يبلغ عدد مصارفها 10 مصارف.

وعلى الرغم من هذا العدد الكبير من المصارف نسبة إلى حجم الاقتصاد وعدد السكان مقارنة مع باقي الدول، فإن لبنان وتحديداً مجلس النواب فيه، لم يقترب من هذا القانون.

المسؤول الدولي اعتبر ان اقتراح استخدام أصول الدولة لردّ الودائع حلّ غير عادل.. وسيكون على حساب الأجيال المقبلة واستدامة الدين العام. وإنه مع مرور الوقت من دون تنفيذ الإصلاحات، ستزيد الكلفة ويرتفع الفقر والبطالة والهجرة، وتهبط قيمة الليرة أكثر. مشدداً على أن الخطوات التي كانت موعودة لم تنفذ من قبل المسؤولين.

مسؤول البنك الدولي حذّر أيضاً من أزمة لا نهاية لها، إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه.

المؤشر الثاني الذي ظهر خلال الأيام الماضية من الجهات الدولية تمثل أيضاً بالكلام الذي صدر عن مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف.

 كلام ليف الذي ظهر في أكثر من مناسبة تقاطع مع كلام المسؤول عن صندوق النقد وحذر من الأخطار المقبلة إذا لم تنجز الإصلاحات السياسية والاقتصادية.

هذان المؤشران، قابلهما كلام في الاتجاه ذاته من نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، الذي كرر ما قاله مسؤول صندوق النقد، خصوصاً أن الشامي كان عمل سابقاً في صندوق النقد، ويتقاطع في تفكيره مع تفكير الخبراء الأجانب والدوليين لسبل الإنقاذ.

المدهش في كل هذا المشهد "الانهياري" هو اندلاع أزمة اعتماد التوقيت الصيفي التي كادت تقارب حرباً أهلية إسلامية مسيحية، نتيجة المواقف السياسية النارية عبر وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي الالكترونية.

عملياً، الحرب والاشتباكات وقعت، لكن هذه المرة عبر "تويتر" و"فيس بوك" التي احتلت مكان مدفعية الـ155 وقذائف الهاون ورصاص القنص القريبة والبعيدة والطويلة المدى.

فائض الهبل اللبناني المنقطع النظير نسبة للدول الطبيعية، عبّر عن نفسه بوضوح في الجلسة الدرامية والمسرحية المثيرة والمقززة للجان النيابية في مجلس النواب، نتيجة وهج فائض القوة المتضخم والمنفجر بصلافة، الذي رشح من النائبين غازي زعيتر وعلي حسن خليل. الأول على مستوى شهر الحذاء في وجه أحد الزملاء النواب، والثاني على صورة سحب السيوف والدروع للذاكرة المليئة بالأوساخ والروائح والألفاظ الكريهة، التي لم يكن أوانها أو زمانها في قاعة مجلس النواب، أو بين ممثلين لشعب يحتضر ويهرب في مراكب الموت.

كل هذه المؤشرات ليست وحدها جرس الإنذار، بل أن المشكلة الفعلية في ما تعانيه فئات واسعة من المواطنين، والتي تفوق نسبة 80 بالمئة من الشعب، والتي وصلت إلى درجة العجز والفقر وعدم القدرة على تأمين حياة كريمة عادية بأبسط المطالب.

عملياً، وسط تنامي التدهور النقدي وتصاعد الانهيار الاقتصادي، وصلت فئات واسعة من المواطنين إلى حدود عدم القدرة على الاحتمال والتحمل. في المقابل، فإن أداة المعالجة المتوافرة الآن، أي حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي، باتت قاب قوسين أو أدنى، من أن تصبح خارج الخدمة، بسبب ضغط الاستقطاب والشحن الطائفي من جهة القوى المسيحية، التي يجهد جبران باسيل لقيادتها وجرّ الأطراف المسيحية الأخرى معه، روحية كانت أم سياسية أو حزبية، وبسب العجز عن تأمين الإمكانيات المطلوبة، جراء انعدام الواردات وتقلصها، وعدم القدرة على الإيفاء بأية تعهدات مالية جديدة.

هناك طرف بات غير قادر على الاحتمال والبقاء كما هو، وآخر غير قادر على العطاء.

شكل اقتراح ميقاتي تسليم الجيش السنترالات لمواجهة إضراب أوجيرو نموذجاً من نماذج العجز الحكومي في حالة تصريف الاعمال، وانعدام القدرة على المعالجة.

كل الظروف الاقتصادية والمالية والاجتماعية والنفسية والسياسية، باتت مهيئة وناضجة ومنتظرة لانفجار ما، بات على الأغلب متجها نحونا.