هل بقي لنا غير الروح لنصمد أمام حصرية السلاح المتطوّر بيد إسرائيل؟


أتباع ميليشيات الحرب، كانوا يهتفون "بالروح بالدم نفديك يا....". كانت التضحية بالروح تُقدّم في مقابل المحافظة على حياة الزعيم، أي روحٌ فداءً لروحٍ. ولم يسبق ان شبّه أحدهم السلاح بالروح، وكأنما إذا ذهب السلاح ذهبت معه الروح.

كان ماركس يقول إن الدين هو "روح عالم بلا روح"، وكان يعتقد ان الناس تلجأ الى روحانية الدين للتعويض عن مادية العالم الرأسمالي. غير أن الشيخ قاسم، المتديّن من رأسه حتى أخمص قدميه، قلب المعادلة، فبتشبيهه الروح بالسلاح، طرح مفهوماً للدين أقرب الى المادية، فالسلاح ليس الا المادة التي تقتل الروح.

كما ان التمسك بالسلاح لم يعد يحمي الأرواح، والأرجح ان نزع السلاح واحتكاره من الدولة، يوفّر ضماناً أكبر وإن لم يكن أكيداً، للأرواح التائهة والمترقبة الموت في كل لحظة، في الضاحية والبقاع والجنوب. فقد بات الاحتفاظ بالسلاح بيد "حزب الله" يهدد فعلياً أرواح المقاتلين وأرواح الذين يعيشون في بيئتهم، على ما تعلَّمنا من الحرب الاسرائيلية على غزة وعلى لبنان.

الأرواح أغلى ما لدينا يا شيخ نعيم، ولا شيء يساوي أهميتها  كما لا بديل منها، لا سلاح ولا مال ولا اي مادة مهما ارتفعت قيمتها. عليك ان تعيد النظر في مفهومك للدين، وأنصحك بقراءة الملحد والمادي كارل ماركس، وتتعلم منه ان تميّز بين الإنسان والمادة التي ينتجها، أكانت سلعةً او سلاحاً، وان ترفض معه خضوع الانسان لمشيئة هذه المادة خصوصاً ان السلاح في زمن الهيمنة الإسرائيلية- الأميركية، هو الشيطان الأكبر يا شيخ نعيم، وهو العدو الأول للإنسانية، فيما الروح هي ما تبقى من شاهد على هذه الانسانية المقهورة. أقول هذا في ذكرى تغييب الإمام الصدر، الذي أعلى من شأن السلاح المقاوم واعتبره "زينة الرجال"، عندما كان لهذا السلاح دوره وقدرته على رد العدوان، وقبل أن يصبح بلا جدوى، نتيجة التفوقُ العسكري الإسرائيلي، وهو قد تحوّل بالفعل الى حجة إضافية ليرتكب العدو مجازره.

حصرية السلاح قضية وجودية بالنسبة الى الكيان اللبناني، دولة ومجتمعاً، بعد أن أصبح سلاح "حزب الله" نافياً للدولة، في عمل مؤسساتها وفي قضائها وفي أمن مواطنيها العزّل، كما انه اليوم السبب الاول، ولو لم يكن الوحيد، لتفكك المجتمع ولنزاعاته الأهلية.

لكن حصرية السلاح بيد الدولة في لبنان، وهي قضية مركزية أيضاً في سوريا والعراق، يجب ألا تحجب الرؤية عن المسار العام في المشرق العربي الذي يتطور بحيث يصبح السلاح، ولاسيما منه ذاك المتطوّر والحاسم في الصراعات العسكرية، حكراً على إسرائيل. أي في حين ان حصرية السلاح بيد الدولة تؤمن السيادة الوطنية في هذه البلدان الثلاثة، غير أن اللاتكافؤ العسكري والتكنولوجي مع اسرائيل، يجعل من حصرية السلاح المتطور بيد اسرائيل، تهديداً مباشراً ويومياً لهذه السيادة.

حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية يمكنها ان تؤمّن الحد الأدنى والحد الأدنى فقط من الحماية في زمن حصرية السلاح الإسرائيلي المتطوّر في المشرق العربي. لكن بسبب ذلك تحديداً، المرحلة ليست مرحلة مقاومة عسكرية، بل مرحلة صمود وطني، بالمعنى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والعسكري والديبلوماسي.

والصمود لا يعني الاستسلام أو الاستكانة، بل بناء القدرات الفردية والجماعية والمؤسساتية، والتي جرت التضحية بها لعقود باسم مقاومة اسرائيل. ولا يهدف بناء القدرات الى الاستعداد لمقاومة إسرائيل من جديد، بقدر ما يهدف الى الخروج من حالة الانهيار والانحطاط والبؤس التي تحاصرنا من كل صوب. وعندها فقط قد نعود الى الكلام عن مقاومة اسرائيل عسكرياً، من دون أن يؤدي ذلك إلى الانتحار، كما يمكن أن يحصل اليوم، لو فعلنا ذلك.

في ذكرى تغييب الامام الصدر، قال الرئيس بري: "نحن منفتحون لمناقشة مصير السلاح الذي هو عزّنا وشرفنا، كلبنان، في إطار حوار هادئ توافقي تحت سقف الدستور وخطاب القسم والبيان الوزاري والقوانين والمواثيق الدولية، بما يفضي إلى صياغة استراتيجية للأمن الوطني".

اذا كان الحوار تحت سقف الدستور فيجب ان يحصل داخل المؤسسات الدستورية وليس من خارجها. واذا كان هناك ما يستحق حواراً وطنياً فهو "مشروع الصمود الوطني" وليس السلاح. فـ"استراتيجية الأمن الوطني" التي تكلّم عنها بري لا تقتصر على الأمن العسكري فحسب، بل تتجاوزه الى مفهوم الأمن الوطني الواسع الذي يشمل الأمن السياسي والاقتصادي والمعيشي، وهو الذي من أجل ضمانه، كان كل سلاح. وهذه هي بالتحديد مشكلة سلاح "حزب الله" الذي تضارب وجود سلاحه مع الأمن الوطني السياسي والاقتصادي والمعيشي.

أكثر ما نحتاجه في مرحلة الصمود هي الروح، التي استبدلها نعيم قاسم بالسلاح. نحتاج إلى استنهاض هذه الروح، المنكسرة والكئيبة والمتخاذلة.

هذه الروح التي عليها أن تسترد حريتها أولاً، فتتحرر من مشاعر التبعية، لقوى دينية- عسكرية، إلهها لا شغل له إلا التضحية بأرواحنا لتمجيده، كما لقوى رأسمالية- عسكرية، تُحيّوِنُ أرواحنا سالخةً عنها كرامتها الانسانية.