هل بلغ لبنان سن الرشد بعد الاتفاق السعودي - الإيراني؟

 الاعتقاد بأن معضلة الفراغ الرئاسي في لبنان هي “قضية توازنات إقليمية ودولية”، تترجم المنافسة بين السعودية وإيران جانبها الرئيسي، شجع على اعتقاد مواز يقول بأن المعضلة أصبحت قابلة للحل بعد الاتفاق بين هذين البلدين على استئناف العلاقات بينهما، خاصة في ظل تواتر تصريحات متفائلة لسياسيين ومسؤولين لبنانيين كان آخرها تصريح رئيس الوزراء نجيب ميقاتي.

إلا أن العديد من المراقبين يرون أن الوقت مازال مبكرا على تحديد ما إذا كانت العلاقات الجديدة بين الرياض وطهران ستنعكس إيجابيا على لبنان. كما أن الافتراض بانقلاب المنافسة إلى تعاون قد يسمح بـ”صفقة رئاسية” مازال مفرطا في التفاؤل؛ وذلك بالنظر إلى أن إيران لن تتخلى عن نفوذها في لبنان، وحزب الله لن يتخلى عن شروطه، ولن يسحب دعمه لحليفه سليمان فرنجية. وفي المقابل فإن الرياض لا تزال أبعد من أن تتحول إلى “طرف” في الصراعات اللبنانية على الرغم من دعمها الضمني لتيارات المعارضة المسيحية والسنية.

ورأى رئيس المجلس النيابي نبيه بري في الاتفاق السعودي - الإيراني فرصة لإعلان بلوغ لبنان سن الرشد، داعيا إلى الاستفادة منه للدفع باتجاه “التوافق والحوار” بين القوى السياسية من أجل إنهاء أزمة الشغور الرئاسي في لبنان الممتد منذ 5 أشهر.

وقال بري إنه “انطلاقا من وجوب القراءة الإيجابية لمشهد التقارب العربي - الإيراني، أجدد الدعوة الصادقة والمخلصة لكافة القوى والشخصيات السياسية والحزبية في لبنان إلى وجوب المبادرة سريعاً للتلاقي على كلمة سواء، نقارب فيها كافة القضايا الخلافية وننجز استحقاقاتنا الدستورية، وفي مقدمتها انتخاب رئيس للجمهورية بالتوافق والحوار”.

وأردف “لنا بما هو أمامنا أسوة حسنة، كفى هدرا للوقت، وتفويتاً للفرص، فلنثبت للأشقاء والأصدقاء أننا بلغنا سن الرشد الوطني وسياديون بحق ونستحق لبنان”.

والاثنين قال ميقاتي إن “ربيع لبنان بات قريبا”. جاء ذلك في تصريحات للصحافيين أدلى بها ميقاتي قبيل لقائه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في الصرح البطريركي في بلدة بكركي شمال العاصمة بيروت.

وأضاف ميقاتي “ربيع لبنان بات قريبا إن شاء الله ببركة البطريرك بشارة الراعي”، في إشارة منه إلى قرب انفراج الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلد الذي يشهد أزمة غير مسبوقة في تاريخه منذ عام 2019.

وقد وجدت الأطراف اللبنانية المختلفة، بما فيها زعيم حزب الله حسن نصرالله، في الاتفاق السعودي – الإيراني تحولا إيجابيا، وأعربت عن الأمل في أن تنعكس آثاره الإيجابية على لبنان. إلا أن نصرالله لم يقدم أي إشارات توحي باستعداده لإظهار المرونة حيال شروط القبول بمرشح. وجدد التمسك بحليفه سليمان فرنجية الذي تعتبره أطراف المعارضة اللبنانية نسخة أخرى من ميشال عون.

ويرى المراقبون أنه حالما يُظهر نصرالله استعداده للبحث عن بديل، فإن الأطراف الأخرى سيمكنها حينئذ أن تقبل بمرشح وسطي.

الشرط الرئيسي الذي يطرحه حزب الله، المتعلق بما يسمى “سلاح المقاومة”، قد يمكن إيجاد تسوية بشأنه، إلا أنه في الواقع مجرد غطاء لشروط أخرى تتعلق بحدود الإصلاحات السياسية والاقتصادية الممكنة، وبما إذا كانت الحكومة المقبلة ستصبح حرة في تنفيذ برامج الإصلاح التي يطالب بها صندوق النقد الدولي. وهو ما يعني أن سلاح حزب الله، بحد ذاته، قد يمكن التعايش مع بقائه، بالرغم من أنه لا توجد مقاومة أصلا، ولكن ما لا يمكن القبول به هو استمرار تعطيل الإصلاحات، لاسيما وأنها تحد من نفوذ حزب الله داخل الحكومة ومؤسسات الدولة الأخرى، ومنها القطاع العام الذي يطلب صندوق النقد الدولي إعادة هيكلته، ومنه على وجه الخصوص مؤسسة الكهرباء التي تحولت إلى واحد من أهم مصادر تبديد المال العام.

ولم يفاجئ حسن نصرالله أحدا عندما أكد، إثر إعلان الاتفاق بين الرياض وطهران، أن هذا الاتفاق لن يكون على حساب حزب الله، قائلا إن “هذا التحول طيب، ونحن سعداء لأنه عندنا ثقة بأن هذا لن يكون على حساب شعوب المنطقة بل لمصلحة شعوب المنطقة ويساعد في لبنان واليمن وسوريا والمنطقة، وثقتنا مطلقة بأن هذا لن يكون على حسابنا ولا على حساب الشعب اليمني ولا على حساب سوريا ولا على حساب المقاومة”.

ولم يعرض أي طرف لبناني حلولا وسطى، لأن المعضلة لا تتعلق بالأسماء، فهناك الكثير ممن يمكن أن يظهروا كخيار وسطي، ومن بينهم قائد الجيش جوزيف عون، وإنما تتعلق بالسياسات الحكومية التي تلي العثور على مرشح توافقي، كائنا من كان.