هل ترفع الولايات المتّحدة الجولاني وهيئته عن لوائح الإرهاب؟

تراقب الولايات المتحدة عن كثب مستجدات الساحة السورية، وإذ تُبدي ترحيبها بسقوط نظام بشّار الأسد، تُفضّل الانتظار للحكم على سياسات المعارضة، كونها تصنّف أحد أهم فصائل المعارضة وقادتها، "هيئة تحرير الشام" وزعيمها أبو محمد الجولاني كـ"إرهابيين"، إلّا أنها ليست بعيدة عن أجواء تبدّل الموقف ورفعهما عن لوائح الإرهاب في حال تبدّل السلوكيات وعقد الصفقات، لاعتبارات سياسية وأمنية.  

في هذا السياق، نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤول أميركي قوله إن الولايات المتحدة "على اتصال بجميع الجماعات المشاركة في القتال في سوريا، بما في ذلك الجماعة الرئيسية التي أطاحت الأسد، وهي هيئة تحرير الشام". وعندما سُئل عما إذا كانت واشنطن سترفع المجموعة عن لوائح الإرهاب، وهو ما من شأنه أن يمكّن من تعميق الاتصالات والتعاون معها، لم يستبعد المسؤول ذلك.

وقال مسؤول أميركي آخر إن الإدارة بصدد إجراء "تقييم في الوقت الحقيقي" بشأن "هيئة تحرير الشام" ومدى استقلالها عن تركيا، وما إذا كان ينبغي إزالة المجموعة من قوائم الإرهاب، فيما رأى الرئيس الأميركي جو بايدن في تصريحات الجولاني التي ظهر خلالها الأخير كشخصية أكثر اعتدالاً، إنها "تبدو جيّدة حتى الساعة"، مشدّداً على مراقبة "أفعالهم أيضاً".

سبق للولايات المتحدة أن رفعت تنظيمات وشخصيات عن لوائح الإرهاب لاعتبارات عدّة، منها ما هو سياسي كونها مضطرة للتعامل معها، ومنها ما هو أمني للحد من خطرها من منطلق "حسن النية" والمعاملة بالمثل. وفي 16 شباط (فبراير) 2021، أزالت إدارة بايدن جماعة الحوثي اليمنية عن القوائم بهدف تشجيع الحوثيين على خفض الأعمال العدائية والدخول في محادثات سلام.

الباحث الأميركي سام هيلر يرى في حديث لـ"النهار" أن مراجعة تصنيف "هيئة تحرير الشام" والجولاني "أصبحت أمراً ملحّاً نظراً لدورهما الأساسي المحتمل في الحكم الجديد في سوريا". ويعود إلى الأزمة الاقتصادية العميقة التي تعانيها البلاد والعقوبات القاسية، ليُشير إلى أن استمرار تصنيف الهيئة كمنظمة إرهابية سيكون له "تأثير سلبي إضافي على المؤسسات السورية والاقتصاد".

لا يعرف هيلر ما إذا كانت واشنطن ستتخذ إجراء رفع الهيئة عن لوائح الإرهاب، لكنه يستبعد هذا السيناريو في المستقبل القريب، وبرأيه، فإن "سلوك الهيئة وممارساتها سيكونان موضع مراقبة للتأكد من إيفائها بالتزاماتها المعلنة في ما يخص آليات الحكم وتعاملها مع الأقليات في ظل وجود مخاوف من عمليات انتقام وإساءة تعامل مع مكونات معينة تُعتبر محسوبة على النظام السابق".

في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى سلسلة قرارات اتخذتها المعارضة السورية منذ يوم الأحد، تماهت مع خطابات الجولاني الأخيرة التي حاولت عكس صورة معتدلة بعيدة عن التطرّف، وكان على رأس الإجراءات منع الأعمال الانتقامية، التشديد على الحرية الشخصية ورفض التدخل في لباس النساء أو فرض أي طلب يتعلق بملابسهن أو مظهرهن.

هذه السلوكيات مرتبطة مباشرة بتقديم صورة معتدلة للمجتمعين الداخلي والعالمي، وتعتبرها المعارضة ضمانات للأقليات السياسية والمذهبية تمكّنها من العبور نحو الشرعية الدولية، لكن هيلر يتحدّث عن صفقات عادة ما تُعقد تحت الطاولة في مثل هذه الحالات لرفع المنظمة أو الشخصية عن لوائح الإرهاب، ويستذكر "مقايضة إدارة دونالد ترامب السابقة رفع العقوبات عن السودان مقابل التطبيع مع إسرائيل".

في المحصّلة، فإن الجولاني أمام امتحان صعب جداً قد يرقى بصعوبته إلى مستوى إسقاط نظام بشّار الأسد، فرفعه وتنظيمه عن لوائح الإرهاب الأميركية سيكون الباب نحو المجتمع الدولي وشرعية حكم سوريا، وإن كان باستطاعة الجولاني حل الهيئة ليتخلّص من عبء تصنيفها، فيبقى أمامه الامتحان الشخصي والذي بدأ يعمل عليه منذ إطلالته على شاشة الـ"سي أن أن" الأميركية.