هل تفرض واشنطن عقوبات على بري؟

"تدريجاً تتكوّن العناصر التفجيرية للحلّ الشامل". بهذه العبارة يُلخّص مصدر مطّلع تطوّرات الساحة الداخلية التي ارتسمت في الأسابيع الماضية والتي لا يمكن فصل ملفّاتها في السياسة والمال والاقتصاد والأمن وفي الملعب الحكومي والنيابي والرئاسي بعضها عن البعض الآخر.

الحلقة مترابطة ومعقّدة جدّاً. وبالتأكيد هي لا تتوقّف على نتائج "لقاء فلسفيّ استعراضيّ" في الديمان أو نتائج الحوار بين التيار الوطني الحرّ والحزب كاختصار لكلّ الحوارات، وهو "الافتراض" الذي عَكَسه أمس عضو المجلس المركزي في الحزب الشيخ نبيل قاووق عبر الإشارة إلى أنّ "الحوار هو بصيص الأمل الوحيد وهو مستمرّ وإيجابي ولا ينتظر تحرّكاً خارجياً"، مع التأكيد أنّ "لبنان لا يتحمّل رئيساً يأتي بسلاح العقوبات، فنحن لسنا في عام 1982".  

لا يملك كثيرون في الداخل اللبناني تصوّرات لمآل الحوارات الناشطة خارجياً، خصوصاً على الخطّ السعودي-الإيراني والأميركي-الإيراني المفترض أن تنعكس بشكل مباشر على الأزمة اللبنانية، لكن داخلياً يتحدّث البعض عن "بازل" في طور التجميع من شأن اكتماله أن يُفصِح عن جزء من "المشروع" الذي يُخطَّط للبنان كجزء من حلّ أكبر في المنطقة.

بهذا المعنى سيُصبِح كلّ تفصيل داخليّ مرآة ربّما لِما يُعدّ في الخارج.

في 9 تشرين الأول المقبل يُحال قاضي التحقيق الأوّل شربل أبو سمرا إلى التقاعد. تاريخ غير تفصيليّ يَدفع كثيرين إلى الاعتقاد أنّ الرجل قد يقوم قبل عودته إلى منزله بتبرئة ساحة حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة بمعزل عن مسار ملاحقته في دول أوروبية.

 في سياق "الديل" المفترض رصدت مصادر قضائية إجراءً من جانب وكلاء الدفاع عن سلامة، إذ إنّ هؤلاء لم يتقدّموا أمام قاضي التحقيق بدفوع شكليّة بهدف التأجيل، فيما يُثابر سلامة على المثول أمام أبو سمرا براحة مطلقة، والأخير تعمّد عدم أخذ رأي النيابة العامّة الاستئنافية بالقرار الذي أصدره بترك سلامة رهن التحقيق تجنّباً للاستئناف من جانب رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر، إلا أنّ الأخيرة عادت واستأنفت القرار الضمني بالترك.

أمّا بالنسبة لجلسة يوم الأربعاء المقبل فيُتوقّع عدم تسلّم سلامة التبليغ بالحضور من الهيئة الاتّهامية المناوبة بدءاً من الإثنين برئاسة القاضي سامي صدقي، وبالتالي عدم حضوره الجلسة.

هي تفاصيل تتكفّل برسم مصير الحاكم السابق لمصرف لبنان. وهنا يُطرح سؤال مشروع. هل الحلّ المنتظر لانتشال لبنان من أزمته يلحظ إدانة شاملة للحاكم تذهب إلى حدّ توقيفه ومحاكمته أو يستأنف الرجل حياته "عادي عادي" ويخوض غمار تجربة ماليّة أخرى كما قال؟ وهل يمكن إدانة سلامة وإغفال أدوار شركائه في الحكم السياسي-المالي منذ 30 عاماً؟ وإلى أيّ مدى يمكن أن يُسمَح لـ "الحكّام الجدد" لمصرف لبنان أن "يربّوا" السلطة السياسية السابقة؟ 

أيّ حلّ مرتقب يستحيل أن يتجاوز هذه المعطيات. والسياق نفسه يقود إلى إجراء محاكاة لواقع لم يعد مجرّد تنظير. أن تنتهي الولاية السابعة لنبيه برّي بعقوبات أميركية أو أوروبية ليس كما من دونها. يسلّم كثيرون أنّ التهديد الخارجي تجاوز الإطار المعنوي باتجاه التنفيذي بالقرب من برّي وليس عليه شخصياً.

يُشكّك كثيرون هنا في صدور عقوبات أميركية استجابة لمطالبات متكرّرة، إن من الداخل اللبناني أو "السيستم" الأميركي. تدفع الواقعية السياسية كثيرين إلى طرح سؤال فجّ لكن شديد الواقعية: هل يمكن لواشنطن أن تفرض عقوبات على الرجل الأوّل في لبنان منذ أيام الوصاية السورية حتى توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل؟!!

هذه بعض النماذج في السياسة والمال التي يُشكّل رسم نهاياتها أحد أركان الحلّ الداخلي الشامل. فماذا عن الأمن؟

يقرّ مطّلعون أنّ الفراغات الأمنيّة التي تتراكم في أعلى المواقع القيادية لا تأتي عن عبث، وهي غير مرتبطة بحرص رئيس حكومة تصريف الأعمال على عدم إجراء تعيينات. وإذا كان البديل حلّ مكان الأصيل في حاكمية مصرف لبنان فهذا يعني أنّ الأصعب والأخطر قد "قَطَع"، ولا يمكن في ظلّ تشابك خيوط الأزمة ودخول لبنان أكثر فأكثر صوب المجهول، خصوصاً بعد الرسالة الخليجية الشديدة السلبيّة التي تزعّمتها السعودية، سوى توقُّع قيادة جيش بالوكالة ولفترة قد تطول بدءاً من كانون الثاني المقبل.

في هذا السياق يقول المطّلعون إنّ "الأدوات الأمنيّة التي ستحكم في الفترة المقبلة قد تكون على الأرجح خارجة عن كلّ سياق حزبي أو سياسي. وبالتالي هي لا تحتاج إلى "cv" ضابط يداوم في عين التينة أو حارة حريك أو فاتح "لينك" مع سعد الحريري أو مَربَطه في المختارة أو مِن الذين حوّلوا مكاتبهم إلى محجّة للسياسيين"، مشيرين إلى أنّ "الحقبة الأمنيّة الآتية التي تحمل قنابل موقوتة كملفّ النازحين السوريين والمخيّمات الفلسطينية والمربّعات القائمة بسطوة الأمر الواقع وبؤر الفساد تحتاج إلى إدارة أمنيّة عسكرية تتناسب مع متطلّبات المرحلة المقبلة".