المصدر: النهار
الكاتب: عمار الجندي
الاثنين 20 كانون الثاني 2025 08:10:11
شكّك مقربون من المجتمع السوري في لندن في تسعينيات القرن الماضي في صحة الوثيقتين اللتين جرى تداولهما على نطاق واسع أخيراً حول تجنيد الاستخبارات البريطانية أسماء الأسد قبل زواجها ببشار، وإذ اعتبر "عارفون" أن ثمة تفاصيل متخيلة في الوثيقتين، رجّح بعضهم أن يكون التواصل المزعوم بين بشار والأجهزة البريطانية، إن حصل فعلاً، بعلم أبيه، إن لم يكن تلبية لطلبه.
وقدّم كريس دويل، مدير مجلس تعزيز التفاهم العربي البريطاني (كابو) في لندن، قراءة جديدة للوثيقتين، كباحث في شؤون الشرق الأوسط وناشط منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي في ميدان الديبلوماسية العامة بغرض مدّ الجسور بين بريطانيا والعالم العربي. ولذا، كان قريباً من المشهد السوري في المملكة المتحدة على الدوام كما تردّد على سوريا مراراً.
"النهار" اتصلت هاتفياً بدويل للاستئناس برأيه في الوثيقتين اللتين اشتملتا على تقريرين حملا توقيع العماد علي دوبا، رئيس المؤسسة الاستخبارية والذراع اليمنى لحافظ الأسد على امتداد سنوات حكمه الثلاثين. وبدا الباحث من اللحظة الأولى غير مطمئن لسلامتهما. وقال: "أعرف مدى أهمية دوبا.. لكنني أكاد أجزم بأنه لم يكن يعلم بحقيقة ما يجري مع بشار في لندن". وأضاف: "إذا افترضنا جدلاً أن التقريرين حقيقيان، وأن رجل المخابرات القوي كان فعلاً ينقل إلى الأسد ما يصله من أخبار عن طريق عملائه وضباطه في لندن، فهو لم يكن يأتيه بجديد لأن الأب كان على اطلاع على التطورات أولاً بأول".
أما " الدليل" الذي سارع دويل إلى تأكيده دفاعاً عن تكهناته هذه، فهو أن "الأسد الأب، المعروف بقسوته ودهائه، لم يكن ليصفح عن ابنه أو عن عروسه وعائلتها، لو تواصلوا مع أجهزة استخبارات غير صديقة كالاستخبارات البريطانية الداخلية (إم آي 5) والخارجية (إم آي 6)". وتابع: "أبلغه دوبا في 1992 أن بشار التقى أسماء ووالدتها وإليزا ماننغهام-بورل، المسؤولة الرفيعة في الاستخبارات الداخلية، لثلاث ساعات بحجة الغداء، وأشك في أن حافظ كان سيلزم الصمت ويترك التواصل يستمر بين الجانبين من وراء ظهره لست سنوات رفع له دوبا بعدها تقريراً آخر عن وصول علاقة أسماء بالمسؤولة الأمنية حداً قامت به الأخيرة بتأمين وظيفة لها في لندن".
والواضح أنه لم تكن هناك عقوبة لبشار ولآل الأخرس، فضلاً عن المساءلة، من جانب أبيه، الأمر الذي سمح لعلاقة العروسين بأن تتوطد وتتوّج بالزواج.
ولا يستبعد دويل أن يكون حافظ وجّه ابنه إلى الاجتماع مع الاستخبارات البريطانية، معتبراً أن من الصعب معرفة البادئ بطلب فتح "قناة التواصل" هذه المهمة لكلا الطرفين "فلندن ستكون مهتمة بالتحدث إلى نظام دمشق عبر أحد أعضاء عائلة رئيسه، والأخير لن يطمئن إلى أحد أكثر من ابنه لنقل الرسائل إلى دولة معادية ومنها ربما إلى واشنطن."
وهل يمكن للسيدة ماننغهام-بولر التي يقول التقرير الأول إنها التقت أسماء في سن مبكرة (17 عاماً)، أن تتدخل بشكل مباشر لتأمين وظيفة في لندن للشابة تؤديها بإمرة مدير سابق لجهاز الاستخبارات الخارجية؟ رد دويل بحزم قائلاً: "لا يمكن قطعاً. ويبدو أن المسؤول عن إيراد هذه الخدمة المزعومة في التقرير، سواء أكان من مخبري دوبا أم غيره، كان شخصاً يتمتع بمخيّلة خصبة". وتابع: "لا أعتقد أن مسؤولة من هذا المستوى قد تتدخل في توظيف عميل أو عميلة مزعومة.. هذا يمكن أن يحدث في دول أخرى لها أنظمة مختلفة، لا في بريطانيا".
ولدى سؤاله عن أسماء وأبيها الدكتور فواز الأخرس، أوضح دويل أنه لا يعرفهما جيداً. وذكر أنه التقى أسماء "مرة واحدة [في دمشق] في 2006، وكانت عفوية ودودة. نظرت في طلبنا المساعدة في إنشاء جمعية خيرية، وهو القطاع الذي كانت تديره كله، لكنها لم تقدّم أيّ تبرّع للمشروع". ولفت إلى أن شخصيتها المرنة نسبياً بدت مختلفة كثيراً عن والدها الذي وجده "مهذباً لكنه كان رسمياً وجاداً للغاية". وأخذ على "الجمعية السورية البريطانية" التي أسّسها الأخرس في 2003 وترأسها طيلة حياتها، أنها سعت "إلى الترويج للنظام بدلاً من العلاقات السورية البريطانية، كما كان مفروضاً بها"، وكان الأخرس يتدخل من خلالها في مجالات شتى ليست من اختصاصه، كالاستثمار والقانون...
في السياق نفسه، قال طبيب سوري يعمل في بريطانيا منذ نصف قرن لـ "النهار" إن زميله الأخرس الذي درس الطب في جامعة القاهرة قبل أن يأتي إلى بريطانيا حيث بات استشارياً بأمراض القلب، كان "جدياً" أكثر ممّا ينبغي. وساق مثالاً على ذلك، "المحاضرة المفرطة في الطول والصرامة التي ألقاها عندما كرّمته الجمعية الطبية السورية في لندن قبل نحو عشرين عاماً".