هل ستتأثر "مهمة لودريان" بعد التحوّل السياسي الفرنسي في البرلمان؟

يتساءل البعض عن وقع نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية ومدى تأثيرها على عمل الديبلوماسية الفرنسية في دول العالم عموما وفي لبنان خصوصا، وايضاً عن مدى تأثيرها على سير العلاقات الفرنسية ـ اللبنانية على مختلف المستويات بعدما أخذت فرنسا على عاتقها القيام بالمبادرة الاولى والمساعدة على إتمام الاستحقاق الرئاسي في لبنان، وهي لأجل ذلك أوفَدت مندوبا رئاسيا خاصا في مهمة محددة وهي إيجاد حل لانتخاب رئيس الجمهورية اللبناني. والسؤال المطروح هو: الى أي مدى ستفرمِل نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية مهمة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان؟ وما مدى انعكاس نتائج تلك الانتخابات غير المتوقعة على فرنسا عموماً وعلى لبنان خصوصاً.

تقول مصادر ديبلوماسية فرنسية لـ«الجمهورية» انّ عمل هذه الديبلوماسية سواء في لبنان او في بلاد العالم وعمل قنصلياتها المنتشرة عالمياً، هي معنية بالانتخابات الفرنسية التشريعية في الشق التقني فقط، بمعنى انها في لبنان او في البلدان الاخرى مكلّفة العمل على تنظيم إجراء الانتخابات بأفضل صورة ممكنة وتأمين ظروفها حيث يستطيع الفرنسيون المقيمون في الخارج ممارسة هذا العمل الديموقراطي بشفافية بغضّ النظر عن النتائج، ففي النهاية الديبلوماسية الفرنسية تعمل لمصلحة الدولة، وانّ تغيير السياسة في مجلس النواب او الديناميكية الموجودة في رئاسة الجمهورية لا يعني الديبلوماسية الفرنسية مباشرة لأنّ مهمتها هي تنفيذ السياسة العامة مهما كانت نتائج الانتخابات التشريعية او حتى الرئاسية، وانّ همّها هو العمل على مساعدة المواطنين، وفي النهاية هو عمل اداري ولا يتأثر بالربح او بالخسارة الشخصية «لأننا في خدمة الدولة والمواطن ولسنا في خدمة الاطراف السياسية».

اليمين واليسار مع لبنان

في المقابل، يلفت مصدر ديبلوماسي الى انّ الاطراف التي خاضت الانتخابات التشريعية الفرنسية والتحالفات الكبيرة، إن كانت من اليمين المتطرف او اليسار المتطرف او جميع الاطراف، كَرّست للبنان مكاناً خاصاً، اذ عندما تتطرق هذه الأطراف الى موضوع الانتخابات الرئاسية الفرنسية يكون للبنان مكان دائم في برامجها ومهما كان الطرف الذي يخوض تلك الانتخابات. ومثالاً على ذلك ان الجبهة الشعبية الجديدة، اي الائتلاف اليساري، هناك فقرة من سطرين عن لبنان ضمن برنامجها، تتكلّم عن ضرورة تأمين العمل على استمرار السيادة اللبنانية والحفاظ على امن 700 جندي فرنسي موجودين على الارض اللبنانية ضمن اطار عمل قوات «اليونيفيل»، وهذا يدلّ الى ان ملف لبنان حاضر في برامج مختلف الاطراف.

وكذلك يلفت المصدر الديبلوماسي الى ان وزير الخارجية كان مرشحاً في الانتخابات التشريعية وفاز بالمقعد في منطقته الانتخابية، كما انه لم يطلب من وزارة الخارجية اي تحرك او عمل لمساندته او مساندة اي طرف.

واشار المصدر الديبلوماسي الى فكرة تقليدية بالنسبة الى الخارجية الفرنسية تتعلق في الملف اللبناني تحديداً، وهي ان يكون دائما تحت إشراف رئيس الجمهورية الفرنسية مباشرة، الأمر الذي لا يلغي دور وزير الخارجية الفرنسية، بل انّ الديبلوماسية تعمل مع الاليزيه وليست منفصلة عنه. هناك فصل بين المسارين، انما في الوقت نفسه يمكن القول ان بعض الملفات في عمل الخارجية تبقى في يد رئاسة الجمهورية الفرنسية وهذا الامر اصبح عرفا سائدا منذ ايام الرئيس الراحل جاك شيراك ورئيس حكومته ألان جاتان اليساري، ولم يظهر الرجلان اي نوع من التناقض في السياسة الخارجية المتعلقة بلبنان وبقية البلدان. ويوضح المصدر نفسه انّ هناك نوعا من الحصانة للعمل الديبلوماسي الفرنسي في لبنان والعالم بحيث لا يتأثر بالنزاعات والخلافات الداخلية السياسية، خصوصاً في الملفات الدقيقة والتي تصنفها فرنسا اولوية مهما كان لون الحكومة الجديدة فيها.

وانطلاقاً من ذلك يقول المصدر الديبلوماسي انّ تأثير اي انتخابات تشريعية فرنسية على الملف اللبناني، ولكي لا يقال انه غير موجود، يمكن القول إنه تأثير ضئيل جداً.

حصانة العمل

في المقابل يوضح المصدر انّ انشغال بعض المسؤولين السياسيين بالانتخابات التشريعية لا يعني انعدام اهتمامهم بالملف اللبناني في حال كانوا مولَجين بمهمات في لبنان، ومثالاً على ذلك انّ جان ايف لودريان انشغل قليلاً بالمساعدة في الانتخابات التشريعية في منطقته في BRETAGNE وهذا هو الشكل الضئيل الذي نتكلم عنه، اي انّ هذا الامر لن يمنعه من العودة الى لبنان وإتمام مهمته فور شعوره بنضوج عملية توافقية بين الاطراف المتنازعة في لبنان لحلحلة المسألة الرئاسية. كاشفاً انّ تَواصُل لودريان مستمر مع الموفد الرئاسي الاميركي عاموس هوكشتاين الذي التقاه في باريس، والآتي قريباً الى المنطقة.

ولفت المصدر في المقابل الى ان شخصية مثل هوكشتاين سيتأثر دورها اكثر بنتائج الانتخابات الرئاسية الاميركية من تأثّر لودريان بنتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية، لأنّ هناك فارقا بينها وبين الانتخابات الرئاسية الاميركية. وقال ان هوكشتاين هو مبعوث الرئيس الاميركي جو بايدن بحيث أنه في حال خسر الاخير امام منافسه دونالد ترامب فستتوقف مهمة هوكشتاين لأنه لن يبقى في موقعه، الامر الذي لا يمكن تجاهل انعكاسه ايضاً على الملف اللبناني...

واعتبر المصدر انّ الاهتمام بلبنان مستمر بفِعل التنسيق الدائم بين باريس وواشنطن، وهذا التنسيق ليس الا نتيجة للقمة التي انعقدت بين بايدن وماكرون في حزيران الماضي على هامش الاحتفالات بذكرى إنزال الحلفاء على شاطئ «النورماندي» الفرنسي الذي كان بداية انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. ولكن إذا تغيّر الرئيس الاميركي، فمن المؤكد انه سيكون هناك اتفاق جديد بين باريس والرئيس الاميركي الجديد على توجّه جديد.

وَجه الشبه بين المجلسين!

من جهة اخرى اكد المصدر الديبلوماسي الفرنسي ان الانتخابات التشريعية الفرنسية كانت ديموقراطية 100%، ولا شك في أنها أحدثت تحولاً في السياسة الفرنسية، فبانتقال الغالبية من رئاسة الجمهورية الى مجلس النواب لم يعد هناك أي طرف يملك اكثرية في المجلس. وهذا الامر، في رأي المراقبين، دليل صحة، إنما قد يصعب الاجماع على تصويت معيّن مثلما يحصل تماماً في لبنان اليوم مع عدم تَمكّن المجلس النيابي اللبناني من استجماع اكثرية لانتخاب رئيس. لكن الفارق هنا هو انّ الاطراف الفرنسية الثلاثة: اليسار المتطرف، واليمين المتطرف، والوسط المتطرف «يميناً ويساراً»، اذا صَح التعبير، تشجّع على فَرض تفاوض ومناقشات معمّقة مع كافة شرائح المجتمع قبل إقرار القوانين لتأخذ في الاعتبار آراء المجتمع الفرنسي بكافة اطيافه، الامر الذي قد يتطلب وقتاً اطول، الّا انه في النهاية يتم إقرار قوانين مدروسة وحلولاً وسطية يلتقي حولها جميع الاطراف، الامر غير المتوافر في المجلس النيابي اللبناني.