المصدر: النهار
الكاتب: سابين عويس
الخميس 21 أيلول 2023 07:47:32
كان كافياً لدول اللجنة الخماسية، الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، ان تمتنع عن إصدار بيان يعكس توصياتها حيال الاستحقاق الرئاسي في لبنان، لتبيّن ان كل الآمال أو المناخات التفاؤلية التي سادت الأسبوع الماضي حيال إمكان حصول خرق في جدار الرئاسة المأزوم قد تبخرت، أو على الأقل تراجعت الى المربع الأول، بعدما تكشّف حجم التباينات بين أعضائها، ولا سيما بين واشنطن وباريس في مقاربتهما للاستحقاق.
واذا كانت البلاد انشغلت الأسبوع الماضي برصد نتائج مشاورات المبعوث الرئاسي الفرنسي جان - إيف لودريان مع الكتل والنواب اللبنانيين، فهي استفاقت منتصف هذا الأسبوع على أخبار مقلقة وردت من نيويورك، حيث بدا ان ساعة الحسم لم تحن بعد وأن التسوية الرئاسية لم تنضج ظروفها ومعطياتها، وإن كانت فتحت صفحة جديدة على خيارات جديدة من دون ان تلغي الخيارات القائمة، ما يعني عمليا ان البلاد دخلت مجدداً في دوامة المراوحة القاتلة وسط تفاقم حدة الاستحقاقات والتحديات الداهمة اقتصادياً ومالياً.
كان واضحاً الدور الأميركي في فرملة أو تعطيل صدور بيان عن دول الخماسية، ما أدى بدوره الى عودة الأمور الى نقطة الصفر أو أقله الى حيث انتهت مهمة لودريان الأخيرة في بيروت. والسؤال المطروح اليوم عما سيحمله في زيارته الرابعة، وماذا ستكون خطوة رئيس مجلس النواب نبيه بري حيال مبادرته الحوارية، والتي كان ربط تحريكها بما سيصدر عن اجتماع نيويورك؟
لن تتأخر كثيراً المعلومات عما دار في اجتماع نصف الساعة الذي عقدته المجموعة، وانعكست فيه مظاهر التباين الأميركي - الفرنسي. لكن ما هو اهم من ذلك الاجتماع تجلّى في الموقف العالي السقف لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في كلمته امام الجمعية العمومية للأمم المتحدة عندما تناول الازمة اللبنانية، داعياً الى "ضرورة إيجاد حلّ مستدام للفراغ السياسي في لبنان، وإيجاد الآليات لعدم تكراره، والنهوض بالبلاد من ازماتها الاقتصادية والتنموية".
يكتسب كلام الأمير القطري أهمية استثنائية لأكثر من سبب، أولها انه الكلام الأول الذي يصدر عن مسؤول خليجي ليس حيال ضرورة انهاء الشغور الرئاسي عبر الدعوة او الحثّ على انتخاب رئيس للجمهورية، وهو كلام عام يعلنه أيّ مسؤول أمام الازمة التي يواجهها لبنان وتتطلب ملء منصب رئاسة الجمهورية، ولكن حيال دعوته الى إيجاد الآليات التي تحول دون تكرار الشغور، وهذا يعني البحث في الثغرات التي تعتري الدستور الذي يرعى وينظّم انتخاب الرئيس، على نحو يعالجها ويحول دون تكرارها مستقبلاً.
ثاني الأسباب التي تكسب كلام تميم بن حمد هذه الأهمية انه يصدر عن رئيس الدولة التي تقود اليوم جهوداً لوساطة في الموضوع الرئاسي، ويُنتظر ان يكون لشخصية قطرية موفدة الى بيروت زيارة مرتقبة قريبا جداً للاضطلاع بهذا الدور، علماً ان الدوحة لم تنسحب من الملف اللبناني خلال الفترة الماضية وكان لها اكثر من مسعى او وساطة في اكثر من ملف يتصل بلبنان.
أما السبب الثالث وربما الأهم فهو ان الدوحة كان لها الدور الأبرز عام 2008 في حل الازمة السياسية التي عصفت بالبلاد على مدى عام ونصف عام وكادت ان تفجرها امنياً بعد أحداث 7 أيار، اذ ساهمت في انهاء الشغور الرئاسي الذي ألمَّ بالبلاد لمدة خمسة اشهر، وسط شلل حكومي امتد 18 شهراً، اذ أوجد اتفاق الدوحة الذي أُنجِز بين افرقاء الصراع بضمانات عربية حلاً لانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية والاتفاق على قانون الانتخاب، علماً ان كل ما أُدرِج في ذلك الاتفاق باستثناء النقاط الثلاث المشار اليها، لم يتم تنفيذها، اذ اقتصر تنفيذ الاتفاق على انتخاب قائد الجيش في حينه العماد ميشال سليمان رئيسًا وتشكيل حكومة وحدة وطنية وإقرار قانون الانتخاب وفقاً لقانون 1960. أما في ما يتصل بحظر اللجوء الى استخدام السلاح والعنف، فهو من ابرز البنود التي لم يتم الالتزام بها!
فهل البلاد اليوم على مشارف دوحة جديدة تعيد النظر في دستور الطائف على نحو يحول دون تكرار التجربة المتكررة للشغور الرئاسي، وهل نضجت فعلاً ظروف وحيثيات تعديل الدستور في ظل تراجع الدور السعودي محلياً، رغم كل التأكيدات على عدم المسّ بوثيقة الطائف؟
قد يكون من المبكر الذهاب بعيداً في قراءة فحوى كلام الأمير تميم وأبعاده، ولكنه حتماً لم يكن وليد صدفة، ولن يمر مروراً عادياً، ما لم تتبلور على اثره صورة الدور القطري المقبل على لبنان، وموقع دول الخماسية وفي مقدمها السعودية منه!