المصدر: اللواء
الكاتب: خالد حمادة
الثلاثاء 19 آب 2025 07:55:26
قبيل وصول الموفد الأميركي توم براك الى لبنان بساعات قليلة، أعاد رئيس الجمهورية جوزاف عوب تصويب كل ما اعترى المرحلة السابقة من العهد من شوائب نالت من الدستور ومن دور المؤسسات الدستورية، كما نالت بعمق من آمال اللبنانيين المتحفزين لمباشرة مسيرة التغيير الكبير. عبارات قليلة اختار عون إطلاقها عبر محطة "لعربية" وضعت العلاقة مع إيران حيث يجب أن تكون، "علاقة قائمة على الصداقة واحترام السيادة شرط عدم التدخل في شؤون لبنان". وإذ أضاف عون "أن معالجة سلاح حزب الله شأن لبناني، وأن حصر السلاح هو قرار داخلي قد اتّخذ ولا رجوع عنه" فقد أسدل الستار الأخير على كل الإجتهادات التي حاولت وضع حصرية السلاح في سياق التزام مسبق لا يمكن تجاوزه.
وفي السياق عينه، فإن في إشادة الرئيس عون بدور المملكة العربية السعودية في إنهاء الفراغ الرئاسي وفي دعم لبنان كما في الإشارة الواضحة الى سعي الدولة اللبنانية لتحسين العلاقة مع سوريا، رسالة واضحة إلى من يعنيهم الأمر بأن علاقات لبنان العربية تتقدم على ما عداها من علاقات، وأنّ التلويح بجر لبنان إلى صراع حدود مع سوريا تقودة عشائر متطرفة من هناك وتحالف بين العشائر والجيش اللبناني من هنا هو محض خيال. عبر كل ما تقدم أعلن عون مغادرة لبنان ساحة الصراعات الإقليمية وتموضعه النهائي على ضفة الشرعيتين العربية الدولية.
لقد أحبطت تصريحات عون مفاعيل المواقف التعبوية التي أطلقها أمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني خلال زيارته لبيروت، كما قطعت الطريق على مفاعيلها لا سيما ما أعقبها من تصريحات تفتقر للواقعية أتت على لسان أمين عام حزب الله نعيم قاسم. من جهة أخرى فقد شكّلت هذه التصريحات منصة هبوط هادئ لبراك في بيروت. براك الذي باشر مؤتمره الصحفي من القصر الجمهوري بتهنئة رئيس الجمهورية وفريقه للخطوات التي جرى اتخاذها في لبنان داعياً اللبنانيين إلى الشعور بالفخر بحكومتهم، قدّم ما يمكن اعتباره إجابات ملزمة على كل ما سوّقه حزب الله والمسؤولون في طهران من فرضيات عدائية منذ اتخذت الحكومة اللبنانية قرارها بحصرية السلاح:
أ- بدا براك دبلوماسياً بارعاً في امتهان دور الوسيط النزيه من خلال إظهار الفصل بين سلاح حزب الله كعامل توتر إقليمي يجب نزعه، وبين تأكيده على الدور الحصري للدولة اللبنانية دون سواها في التعامل مع الحزب. وإذ وضع نفسه في موقع الناظم لتنفيذ اتّفاق وقف إطلاق النار، اعتبر أن ما قامت به الحكومة اللبنانية خطوة كبرى تستلزم أن تقوم إسرائيل بخطوة مماثلة ستكون وفق براك الإنسحاب من جنوب لبنان ووقف خروقاتها لوقف إطلاق النار.
ب- وفي معرض الإمعان في الرد على ما أسماه حزب الله حرباً وجودية تخاض ضد الشيعة، وربما في مجال الإشارة إلى تمايزهم عن ولاية الفقيه، استحضر براك اتّفاق الطائف للتأكيد أن نزع السلاح كان يجب أن يحصل في حينه، مخاطباً شيعة لبنان ومؤكداً على هويتهم الوطنية وأن نزع السلاح هو في مصلحتهم كسائر اللبنانيين.
ج- لاقى براك بإعلانه إلزام إسرائيل بوقف الخروقات والإنسحاب من النقاط المحتلة - وفق جدول زمني يتّسق مع سياسة الخطوة مقابل خطوة - ما يصبو إليه كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة نواف سلام ورئيس المجلس النيابي نبيه بري وهو ما يسقط ذرائع حزب الله المعلنة بالتمسك بالسلاح.
وفيما يؤكد براك أن الأسابيع المقبلة ستشهد تقدماً من حيث الحياة الأفضل للشعب اللبناني ولجيرانه وبداية خارطة طريق لنوع مختلف من الحوار، فقد أشار بأن «الخيار الأفضل الذي يجب أن يعرفه حزب الله هو «كيف نجعل إسرائيل تتعاون، وكيف نجعل إيران تتعاون، فلكلٍ دوره وليس هناك أية عدائية».
وفيما يترقب لبنان خلال الساعات المقبلة الرد الإسرائيلي على ما حمله براك إلى تل أبيب لتلمّس مسار الخروج من الأزمة الراهنة، فإنه ينظر بقلق إلى ما سيكون عليه موقف حزب الله الذي يبدو أنه أبقى نفسه خارج المشهد ملتزماً الصمت بشكل كلي. فهل يكفي نجاح براك لبدء حزب الله رحلة العودة الى لبنان من بوابة الدستور، أم أن المخاطر الماثلة لا زالت غير كافية لثني الحزب عن انتظار إشارة من مكان آخر؟