هل يُشكّل إقرار القوانين المطلوبة من صندوق النقد فخّاً لشطب الودائع؟

لم يعد اللبناني مدركاً ما إن كان الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لا مفرّ منه للنهوض بالاقتصاد اللبناني بعدما سمع من موفديه وصفات قاسية وتأييداً لشطب أموال جنى المودعين، وهي سابقة خطيرة والأهم غير قانونية، ام بالإمكان تجاوزه بالاعتماد على حلول سليمة في الداخل!

ولم يعد أيضاً اعتماد برنامج شامل مجرّد ترف رغم الغموض والتهويل اللذين يواكبان تصاريح الخبراء في الصندوق، وكان آخرها ما مفاده أن "لبنان يقف حالياً عند مفترق طرق خطير، وبدون الإصلاحات السريعة سيغرق في أزمة لا نهاية لها".
 
ويتابع: "إن الوضع الاقتصادي أصبح مستقراً أكثر في عام 2022 منه في الفترات السابقة، لأنه منذ بداية الأزمة حتى اليوم الانخفاض في الناتج المحلي بلغ 40% ولكن في 2022 درجة الانخفاض انخفضت جداً بسبب نشاط القطاع السياحي للشركات والتحويلات الكبيرة التي وصلت إلى لبنان".
 
لبنان بحاجة ملحّة إلى التدفّق النقدي الضامن لمساعدته على التكيّف مع التجفيف المفاجئ للرساميل، في وقتٍ قد تؤدّي فيه العجوزات الكبيرة داخلياً وخارجياً إلى انهيار اقتصادي. وفي ظل غياب الدعم المالي الكبير والسريع، انتقل لبنان الى قائمة الدول الفاشلة نتيجة الانهيار والفوضى. في أفضل الأحوال، قد يتمكّن صندوق النقد الدولي، بالتعاون مع جهات مانحة أخرى، من إعداد رزمة تمويلية كاملة مع حجم محدّد من المبالغ تُمنح للبنان على مدى ثلاث سنوات من أجل دعم خطة الإنقاذ.
 
الأزمة اللبنانية معقدة، وإن كانت مستعصية فهذا لأنها مرتبطة بمنظومة سياسية فاسدة وفاشلة. وقد تتجلّى أهمية دخول الصندوق على أي برنامج لبعض الأسباب أهمّها:
أولاً، يضمّ صندوق النقد الدولي خبرات مناسبة رغم أن ما يُقال في المقر الرئيسي في واشنطن لا يُنقل الى لبنان، وهذا ما كشفه النواب الذين زاروه في الولايات المتحدة. وقد ظهر الى العلن التباين الفاضح بين الحكومة والمجلس النيابي في مقاربة ملف الصندوق.
 
ثانياً، مع انعدام الثقة بالتزام الحكومة اللبنانية بالإصلاحات أصبحت شروط الصندوق مع المتابعة والرقابة ضرورية في ترسيخ أي عملية تنفيذ.
 
ثالثاً، من المرجّح أن الجهات المانحة ستكون متردّدة إلى حدّ كبير في منح لبنان الأموال، بدون موافقة الصندوق.

وفي المقابل، بعض المراقبين يصف "خطة صندوق النقد بغير الصالحة للبنان، هدفها شطب الودائع أي إلغاء القطاع المصرفي. والحكومة متمسّكة بالخطة، ولا سيما لما تضمّنه الاتفاق المسبق مع الصندوق من بنود داعية إلى إعادة هيكلة المصارف وتقييمها، إعادة هيكلة الدين، توحيد سعر الصرف، قانون الكابيتال كونترول وقانون السرية المصرفية الذي طبقّ".
 
هل المجلس التنفيذي في الصندوق مع توجّه الخبراء فيه الذين يضعون التقارير حول الوضع اللبناني ولا سيما لناحية شطب الودائع؟
هل يدرك خبراء الصندوق أن شطب الودائع هو غير قانوني وغير دستوري ومخالف لقانون النقد والتسليف؟ أم يتجاهلون ذلك بإيحاء من الحكومة اللبنانية؟
ألم يكن الصندوق على دراية بالواقع اللبناني وبعجز السلطة الحالية الحاكمة عن تنفيذ الإصلاحات التي وضعها في ورقة الاتفاق المبدئي على مستوى الخبراء العام الماضي؟
 
راشد
يرى رئيس الجمعية اللبنانية الاقتصادية الدكتور منير راشد "أن المجلس التنفيذي في صندوق النقد في أغلب الظن غير مطلع حتى تاريخه على محتوى البرنامج المقدم من فريق الصندوق، فيما مديرة الصندوق كريستالينا جورجيفا هي على اطلاع.

فالمجلس التنفيذي ينظر الى البرنامج النهائي، وبإمكان مدير الصندوق اللجوء الى الضغط لصالح البرنامج بأسلوب غير رسمي. إن الاتفاق المبدئي الذي تمّ العام الفائت لا يلقي الضوء على الخسائر بشفافية، بعدما لحظ أن تحمّل العبء من قبل القطاع العام يجب أن يكون محدوداً جداً (Limited resource)، ما يعني أن المواطن أو المودع هو من سيتحمّل هذه الخسائر".
 
ويقول لـ"النهار": "في الواقع الودائع ليست خسائر. وهنا الخطأ الرئيسي في عرض صندوق النقد. الودائع هي التزامات، ليس من الضرورة أن تعيدها المصارف لكن عليها توفير السيولة فقط.
وفي المقابل، للأسف، لا يعمل الجهاز المصرفي من أجل إعادة الودائع في أي وقت كان.
ربما يدرك خبراء الصندوق أن عملية شطب الودائع غير قانونية وغير دستورية ولذلك يطلبون تمرير قوانين في مجلس النواب تحت شعار الإصلاح دون أن تكون عبارة الشطب واضحة فيها. هم يتجاهلون أن بامكان النواب التقدم بالطعن أمام المجلس الدستوري.
صندوق النقد يوحي للحكومة وللمواطن اللبناني بأن الحل الوحيد يقضي بشطب الودائع. كما ينقل هذه الأجواء الى كل من النواب والوزراء".
 
ويعتقد راشد "أن الصندوق مدرك أن السلطة الحالية عاجزة عن تنفيذ الإصلاحات الصعبة، ولذلك اعتمد على خطة غير قابلة للتطبيق لأن ثمة رغبة مبيّتة في التوصّل الى تدهور في الاقتصاد اللبناني. فنحن نخوض حرباً اقتصادية لا إصلاحية.
من غير المنطقي والمقبول إسناد أي برنامج إصلاحي الى عملية شطب 90% من الودائع، وبتحويل ما بقي الى ضمانات warrants تستحق خلال عدة سنوات.

لم يحدث هذا الأمر في أي بلد في العالم، خصوصاً أنه مع بداية الأزمة كان لدى لبنان قرابة 36 مليار دولار نقداً و16 مليار دولار من الذهب. هذا يعني أنه لم يكن مفترضاً حدوث هذه الأزمة".
 
مع هذه المعطيات، هل ما زال الاتفاق مع الصندوق ممراً إلزامياً للتعافي الاقتصادي اليوم بعد مرور أكثر من 3 سنوات على الأزمة الاقتصادية في لبنان، علماً بأن اتفاقاً مماثلاً معه في مصر لم يأت بالنتائج المرجوّة؟
يقول راشد: "إن هذه الحكومة تعتبر الاتفاق مع الصندوق إلزامياً لأنها تجهل كيف تتم الإصلاحات، وما هو الإصلاح. وهي بالتالي، لا تريد تحمّل أي مسؤولية.

أيّ بلد في العالم يستطيع تنفيذ الإصلاحات بمفرده أو بالاستعانة بصندوق النقد. ولكن الحكومة اليوم تجهل أساليب المعالجة والإنقاذ من الأزمة.
على سبيل المثال، ماذا يمنع من توحيد سعر الصرف وتحريره. هذا لا يحتاج الى سيولة بل هو إجراء يوفّر الأموال.

ما عوائق إصلاح القطاع العام والمؤسسات العامة مثل الكهرباء؟ الحلّ لا يتطلّب أموالاً. ليست كل برامج الصندوق ناجحة ونافعة. ثم إن الاعتماد عليه تنتج عنه الاتكالية في الإصلاح والتشجيع على الهدر، لأن الدولة تعتبر أن الصندوق هو المنقذ.

ومن الهراء الافتراض أن أي برنامج متفق عليه مع الصندوق يشجّع على جذب الاستثمارات من الخارج. في الخلاصة، برامج صندوق النقد تثبت أن الدولة عاجزة عن أي إصلاحات ذاتية".
 
يقول الاقتصادي الأميركي جوزف ستيغلز، إنّ "الإصلاحات الاقتصادية التي يطلبها صندوق النقد كشروط ليُقدّم القروض، تسبّبت في كثير من الأحيان بنتائج عكسية للاقتصادات ومُدمّرة للسكان".
 
نجحت برامج الصندوق في عدد من البلدان ولا سيما حيث عملية الإصلاح غير معقّدة. وفي غضون ذلك، قد ينجح برنامجه في بلد ما لفترة عام أو عامين، وبعدها يفشل. هذا مرتبط بالدولة التي تطبّقه.

على سبيل المثال، نجح الصندوق في أميركا الوسطى وفشل في الأرجنتين. كما نجح في عدد من الدول الأفريقية مثل مالي، تشاد، كينيا وفشل في أخرى.
نجح في الأردن لفترة معينّة ثم أخفق، وكذلك ما شاهدناه في مصر.
 
يبدو أن أي اتفاق للبنان مع صندوق النقد الدولي صعب جداً، إلا إذا تخلى الأخير عن فكرة شطب الودائع. ومن المعلوم أنه ليس هناك مهلة زمنية يحدّدها الصندوق لأيّ بلد لتوقيع الاتفاق معه قبل انسحابه، حيث إن وفداً من خبرائه يقوم بزيارة كل بلد مرة واحدة في السنة بغضّ النظر عمّا إن كان مرتبطاً معه ببرنامج أم لا. إلا أنه قد يلجأ الى قرار وقف المحادثات مع هذا البلد إذا لمس عدم جدّية الدولة أو السلطة فيه، رغم الإبقاء على زياراته السنوية.