المصدر: نداء الوطن
الكاتب: نوال نصر
الخميس 9 كانون الثاني 2025 06:40:42
إنهم يحسبون المباني التي سقطت، ويغفلون الأرواح التي تساقطت فيها. إنهم يحسبون نسبة الدمار الهائلة التي حصدتها حرب "مساندة غزّة" ويهملون أرقام العناصر التي تساقطت، مثل ورق الشجر، في حروبٍ متسرعة، ارتجالية، لم تُحسب فواتيرها الكاملة بعد. هي ليست المرّة الأولى - على أمل أن تكون الأخيرة - التي تندلع فيها حروب من نوع "لو كنت أعلم" وتتوقف وقد يتصافح القادة وتبقى تلك العجوز تنتظر ولدها الشهيد وتلك الفتاة تنتظر زوجها الحبيب، وأولئك الأطفال ينتظرون والدهم الغائب... لهذا، دعونا نسأل: ماذا عن فاتورة حرب "حزب الله" البشرية؟ ماذا عن عناصر "حزب الله" الذين عادوا ملتحفين بيافطات صفراء تحت مسمى: شهيد؟ فلنفتح فاتورة الحرب التي لا تزال تفوح "روائحها" في أرجاء الشريط الحدودي من جثث تكاد تكون منسية. تعالوا نلقِ الضوء على بيوت باتت مظلمة تنتظر جثة أو أثر جثة في وقتٍ يطلّ ما بقي مِمن يُصنفون أنفسهم قادة قائلين، مرددين، كما الببغاء: انتصرنا.
هم يستكثرون على الآخرين تسمية أبطالهم بالشهداء، لكن، لسنا كذلك، سنسمي الشباب اللبناني- واللبناني فقط - بالشهداء وسنسأل عنهم. ماذا عن تعدادهم الذي توقف بعد أن باتوا يتساقطون كما العصافير. منذ بدايات الحرب في سوريا، منذ العام 2012، باتت العتمة تظلّل البيوت في لبنان. "حزب الله" دخل في الحرب مثبّتاً (موقتاً) نظام بشار الأسد. خسر "الحزب" الأصفر بين أيلول 2012 ونيسان 2017 ما لا يقل عن 1048 مقاتلاً وفق الإحصاءات. ويومها تمّ التعاملل مع هذا العدد كحدّ أدنى لأن قيادة "الحزب" كانت لديها أسباب في تقليل الخسائر. كرجت الحرب. صمد النظام. وبقيت الأرواح اللبنانية تزهق في حلب ودمشق وريف دمشق وحماه وحمص وإدلب والقنيطرة والقصير... وظلت البيانات تتوالى إلى حين عن "شهيد" يقام له مجلس عزاء. كان الشباب يموتون فداء لبشار.
ماذا عن الأرقام الجديدة؟
البارحة، وقبل البارحة، واليوم، نتابع الأرقام من خلال الدفاع المدني اللبناني: انتشال جثامين ثلاثة شهداء في الخيام (7 كانون الثاني الجاري). انتشال سبعة جثامين من تحت الأنقاض في الخيام (6 كانون الثاني الجاري). انتشال ثلاثة جثامين من حيّ الحومة (4 كانون الثاني الجاري). انتشال ثلاثة جثامين من حيّ الساحة والحيّ الشرقي (3 كانون الثاني الجاري)... الأرقام تتوالى. فهل هناك إحصاء ولو مبدئي عن عدد الضحايا من قيادة "منتصرة"؟ "حزب الله" الذي كان يعلن قبل الخامس عشر من أيلول عام 2024 عن ضحاياه وقّف بعد هذا التاريخ "العدّ". هو عدّ منذ بداية الحرب الأخيرة، مساندة لحرب "طوفان الأقصى" (حتى 15 أيلول) 510 شهداء، أما بعد هذا التاريخ، بحسب الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، فالأرقام تدخل في إطار التقديرات "والتقديرات تقول سقط بين 2000 و2500 عنصر، لكن حتى الآن هناك جثث وبقايا جثث وهناك ضحايا لا أثر لهم بعد. في كل حال يتم التعرف على بقايا الجثث من الـ "دي أن إي".
بين تموز 2006 وأيلول 2024
ثمة ضحايا بالمئات سقطوا في المواجهات على الحدود. في حين أن العدد الرسمي توقف عند رقم 510 من عناصر "حزب الله". في حرب تموز 2006 أعلن رسمياً عن مقتل 65 عنصراً في حين أن الرقم ارتفع لاحقاً إلى 110 ثم وصل إلى 300.
لكن، ثمة سؤال: علامَ يرتكز الباحثون في تحديد رقم الضحايا بألفين أو ألفين وخمسمئة ضحية ما دامت الجثث لا تزال "على الأرض"؟ يجيب شمس الدين "أعتقد أن الرقم هذا هو الأقرب إلى الدقة، يمكن أن يكون أكثر قليلاً أو أقل قليلاً". أكثرية هؤلاء في أعمار صغيرة فهل سيكون لهذا أثر ديموغرافي؟ لا يمكن التحدث عن تأثير لهؤلاء طالما الأرقام لم تزد، بحسب شمس الدين، عن 3000 "فالتأثير يكون إذا زادوا عن عشرة آلاف. لذلك تأثير موت 2000 شخص يبقى عند الطائفة محدوداً وليس دراماتيكياً. وسيعالج، على الأرجح، من خلال الزواجات المبكرة".
نعم، بعد حرب تموز 2006 لجأ "حزب الله" إلى تزويج بناته وبنيه في أعمار مبكرة وكان عدد ضحاياه أقل بكثير. اليوم، الأعداد "الأولية" كبيرة. تُضاف إليها إصابة نحو 6000 عنصر من خلال "البيجرز" لدى 4000 منهم إعاقات دائمة. لكن، ماذا يعني الزواج المبكر عند "حزب الله"؟
كثيرون لم ينسوا إطلالة السيد حسن نصرالله في العام 2018 قائلاً "مطلوب ترويج ثقافة الزواج المبكر وأيضاً تسهيل الزواج. هناك من يُنظّر أنه خطأ ولديه سلبيات فهل يعرف هؤلاء أكثر من الله الذي خلق الناس؟ الذين يروجون ثقافة مواجهة للزواج المبكر هم يخدمون الشياطين وإبليس والعدو".
قالها السيد حسن "فالزواج المبكر خيار إلهي". "حزب الله" يُدخل الدين في كلِّ التفاصيل. هو قاتل في سوريا بصفته حامي المراقد الدينية وترشح إلى الإنتخابات مستعيناً بتكليف شرعي ويُطالب بالزواج المبكر بحجة أنه خيار إلهي. وهو وقف في المرصاد، في المجلس النيابي، قبالة من نادوا من النواب وعلى رأسهم إيلي كيروز وجورج عقيص وأنطوان حبشي بـ "حماية الأطفال من الزواج المبكر". "حزب الله" يعوّض عن خسارته البشرية بزواجات مبكرة سيشهد البلد قريباً على كثير منها.
القتلى كثيرون والمدافن أيضاً: "روضة الحوراء زينب"، "روضة الشهداء"، مدفن "شهداء حزب الله"، "ميدان شهداء المقاومة"... القبور باتت تزيد عن البيوت. الاستشهاد أمر كبير عظيم لكن من أجل الوطن. ومن حقّ البشر أن يعيشوا ويفكروا بالحياة لا في الموت.
"الشهداء السعداء"
نتحدث عن موت عناصر "حزب الله". ثمة آلاف القتلى ماتوا لسبب لم يختاروه. 3500 مواطن قتلوا. نساء وأطفال لامس عددهم الألف. لا أرقام واضحة نهائية رسمية. وهناك من يبحثون من خلال تعداد الجنازات. هناك من يعودون إلى أرشيف شاشة "حزب الله - المنار" التي تحسب شهرياً عدد قتلى "الحزب" من دون ذكر سبب ومكان وزمان موتهم. وهناك من يقلبون في الصحف ويحسبون. ثمة موت كثير. هذه هي الثابتة الوحيدة. يُقال إن من بين 865 مقاتلاً قضوا في سوريا هناك 682 واحداً من النبطية والبقاع والجنوب. إنه الموت من حربٍ إلى حربٍ إلى حرب في ظلِّ إنكار من الإعتراف بالخطأ والخطيئة. ما يحصل - يقال - كمن فقد ساقه في الحرب ويعتقد أنه قادر على حكِّ ظفر قدمه. البارحة، في آخر يوم من العام 2024، شيّع "حزب الله" أحمد خضر فخر الدين في منطقة النبعة. أهالي النبعة وسن الفيل سمعوا أصوات رصاص. وقبله شيّع الحزب "ثلة" من ضحاياه في بلدة معركة ورثاهم نائب الحزب الأصفر حسين جشي مردداً: "هذا انتصار للمقاومة، لأن الانتصار في الحروب يُحدد من خلال تحقيق الأهداف التي رسمت". كلام يتكرر وسط عتمة بيوت فقدت أغلى ما تملك. القتلى في قاموس هؤلاء لهم تسمية "الشهداء السعداء". فهل لا سعادة عند الشيعة إلا بالموت؟