هل يقتدي حكّامنا بالأجهزة في سهرها على الاستقرار والاستقلال؟

في ظل الشغور الرئاسي الذي يتهدد بإغراق البلاد في مزيدٍ من الفوضى الاجتماعية والاقتصادية والامنية، لا السياسية فقط، وهو ما حذّرت منه بوضوح العواصم الكبرى وأبرزها واشنطن على لسان مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف... أكدت الاجهزة الامنية والعسكرية كافة، من خلال مواقف قياداتها في مناسبة الاستقلال، انها جاهزة لرفع تحدي صون الاستقرار، الا انها طالبت في المقابل السلطاتِ السياسية بالتحرّك ايضا. فبحسب ما تقول مصادر سياسية مطّلعة لـ"المركزية"، الامنُ ليس فقط ثمرة سهر الاجهزة وجهودها، بل هو يتأثر ايضا وبقوة، بالاوضاع السياسية.

ففي بلدٍ منهار على الصعيد الاقتصادي والمالي في شكل شبه تام، لا يمكن ان يقود الفراغ الرئاسي - الذي يحول دون عملٍ "مؤسساتي" سليم ودون عملٍ فعليّ للحكومة ومجلس النواب لاقرار الاصلاحات - إلا الى مزيدٍ من التقهقر المعيشي الذي سيدفع الناس إما الى الشارع، او الى اقتحام المصارف او الى السرقة... هذا من دون ان نذكر ان الخطاب الطائفي والمذهبي من شأنه أيضا خلق توترات وشغب على الأرض..

من هنا، تتابع المصادر، فإن قائد الجيش العماد جوزيف عون والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم مثلا، طالبا امس السلطاتِ السياسية بتحمّل مسؤولياتها. فقال عون "يطِلُّ علينا عيدُ الاستقلالِ التاسعِ والسبعينَ فيما وطنُنا يمرُّ بظروفٍ استثنائيةٍ تتطلّبُ من الجميع، مسؤولينَ ومواطنين، الوعي والحكمةَ والتحلّي بالمسؤوليةِ والتعاونَ من أجلِ المصلحةِ الوطنيةِ العليا، في انتظارِ استقامةِ الوضعِ السياسيّ واستعادةِ انتظامِ المؤسّسات. فالاستقلالُ هو ثمرةُ النضالِ المشرّفِ الذي خاضَهُ اللبنانيون، كما أنّه ثمرةُ التحدّياتِ المصيريةِ التي واجهوها وتغلّبوا عليها بوحدتِهم وعزيمتِهم وصولًا إلى بناءِ وطنٍ على أسسٍ متينةٍ، لذا يجب علينا أن نحافظَ عليهِ ونَحْميَهُ"...

من جانبه، قال إبراهيم "(...) بعدما كان لبنان مُصدّراً للحرف وللحضارة الإنسانية التي ترتكز على الحرية والتعدد الثقافي والديني، صار مرتعاً للطائفية والمذهبية والمناطقية، وساحة للاستزلام الغريزي اللذين ضربا مفاصل الدولة بكل مؤسساتها. وطالما ان هناك مسؤولين يدعون انهم ضمانة الدولة، فلن يكون لنا وطن، لأن الدول لا تقوم على ضمانات أشخاص، بل المؤسسات الدستورية والالتزام بتطبيق القوانين هما وحدهما اللذان يبنيان الدول ويحميان مستقبل الأجيال".

بحسب المصادر، الاجهزة الامنية والعسكرية تبدو اليوم وحدها على الساحة المحلية، تضطلع بواجباتها ومهامها في صون الاستقرار و"الاستقلال"، رغم ظروفها الصعبة. فهل ستقتدي الطبقة الحاكمة بها وتكفّ عن مناكفاتها فتنتخبَ رئيسا وتطلق عجلةَ العمل المؤسساتي الانقاذي؟ وهل ستنصت الى مناشدات القادة الامنيين الأشبه بتحذيرات، قبل فوات الاوان، ام ستبقى تتناحر إلى ان تُسقط هياكلَ البلاد والمؤسسات والدساتير والاستقرار و"الاستقلالَ" والكيان، نهائيا، فوق رؤوس الجميع؟