المصدر: الجمهورية
الجمعة 12 كانون الثاني 2024 07:22:45
ما دار في الخلوات كان غير ما بُحث في الاجتماعات، ولذلك جاء المعلن في زيارة الموفد الرئاسي الاميركي آموس هوكشتاين غير المضمر، لأنّ مهمّته كانت مزدوجة، ظاهرها حدودي وباطنها سياسي يتعلق بمستقبل الأزمة السياسية اللبنانية وما يمكن القيام به من خطوات داخلياً واقليمياً ودولياً، لإنتاج حلٍ لهذه الأزمة، يشكّل إنجاز الاستحقاق الرئاسي المعبر الإلزامي اليه.
بدا واضحاً انّ عرّاب الترسيم البحري اموس هوكشتاين بدأ مهمّة ترسيم مرحلة إنهاء الحرب. فقد كرّر في لقاءاته المحدّدة في بيروت، انّه يتحرك مولجاً من ادارته الملف اللبناني، لتحضير بيئة مؤاتية للحل السياسي، وهذا ما اكّدته مصادر مطلعة على لقاءات هوكشتاين لـ«الجمهورية»، كاشفة انّ موفد الرئيس الاميركي حمل أفضلية الحل الديبلوماسي الذي يسعى اليه جدّياً، مع قوة دفع زوّده ايّاها الجانب الاسرائيلي الذي أبلغ اليه انّه يفضّل هذا الحل.
واضافت هذه المصادر، «انّ مهمّة هوكشتاين هي بداية مرحلة إنهاء الحرب على غزة، وقد تبلّغ رسالة واضحة وموحّدة من المسؤولين اللبنانيين مفادها أنّ مطلب لبنان هو تطبيق كامل لمندرجات القرار الدولي 1701 بما فيها الانسحاب الكامل من الاراضي اللبنانية المحتلة». وفي اشارة في غاية من الدلالة قالت المصادر: «يبدو انّ اموس هوكشتاين بات المتابع والمكلّف الملف اللبناني».
تكتّم
وفي اي حال، فقد تكتّم الذين التقوا هوكشتاين على ما دار في الخلوات التي عُقدت بينه وبينهم، قبل انتقالهم الى الاجتماعات الموسّعة التي ضمّت اليهم المستشارين والمعاونين. ولم يشأ احد من المسؤولين الذين اختلوا بالموفد الاميركي الكشف لـ»الجمهورية» عمّا دار في هذه الخلوات، وكذلك لم يكشف عمّن طلب هذه الخلوات، أهو هوكشتاين نفسه أم المسؤولون أنفسهم.
إلّا أنّ التكتم على طبيعة هذه الخلوات، وتأكيد بعض المعنيين بها أن ليس في إمكانهم كشف ما أُثير خلالها، يدلّان إلى جدّية القضايا التي طُرحت فيها وحساسيتها، وكذلك يدلان إلى حرص المعنيين على نجاح مهمّة الموفد الاميركي التي جاءت من طبيعة مزدوجة عسكرية ـ حدودية، تتعلق بالوضع المتفجّر على الحدود الجنوبية، وسياسية ـ رئاسية تتعلق بما يمكن الولايات المتحدة الاميركية القيام به للمساعدة في تحقيق حلّ سياسي للأزمة اللبنانية، بدءاً بإقامة سلطة جديدة برئاسىة رئيس جمهورية جديد.
وكان هوكشتاين زار لبنان أمس لساعات، ناقلاً اقتراحاً بإيجاد حل مؤقت لتهدئة الجبهة الجنوبية إن لم يكن في الإمكان التوصل الى اتفاق مع اسرائيل على حل مستدام، وقد غادر بيروت عصراً عائداً الى واشنطن، إن لم يكن قد انتقل الى تل ابيب.
وفي معلومات لـ»الجمهورية» من مصادر موثوقة اطلعت على اجواء محادثاته، انّ هوكشتاين نقل الى لبنان رسالة اسرائيلية مفادها «انّها ليست هي من بدأ الحرب في الشمال بل «حزب الله» وعلى عاتقه يقع الحل، وعلى الحكومة اللبنانية إيجاد الحل مع حزب الله».
وأوضحت هذه المصادر، انّ هوكشتاين لم يتبنَ الكلام الاسرائيلي بل كان ناقلاً لما سمعه في تل ابيب، لذلك طرح التوصل الى الحل المؤقت او المرحلي، تبدأ المرحلة الاولى منه بتبريد جبهة الجنوب، داعياً الى ايجاد مقاربات جديدة طالما يتعذّر التوافق الآن مع اسرائيل الى حين انتهاء الحرب على غزة، ويبدو انّها طويلة ولن تنتهي قريباً.
ونبّه هوكشتاين الى «ضرورة ايجاد الحل حتى لا تتوسع الحرب ويحصل دمار كبير في لبنان»، داعياً الى «عدم ربط الحل بوضع غزة».
وعلمت «الجمهورية» ايضاً، انّ الموقف اللبناني كان واضحاً لجهة عدم جدوى الحل المؤقت، بل انّ الحل المستدام هو المطلوب، وذلك عبر تنفيذ اسرائيل كل الاتفاقات والقوانين الدولية، بدءاً من اتفاق الهدنة لعام 1949، وتثبيت الحدود اللبنانية البرية مع فلسطين المحتلة المرسّمة منذ العام 1926، وصولاً الى تطبيق القرار 1701 وما قبله.
وعلى هذا ستُجري الحكومة تقييماً لما حمله هوكشتاين ومن ثم ستجري مشاروات مع المعنيين، ولا سيما منهم رئيس مجلس النواب نبيه بري و»حزب الله»، لتحديد الخيارات التي يمكن اعتمادها. في حين سيبقى هوكشتاين على خط التواصل المباشر مع لبنان والكيان الاسرائيلي.
وباشر هوكشتاين لقاءاته من السرايا الحكومي، حيث عُقِدت خلوة بينه وبين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أعقبها اجتماع موسّع شارك فيه وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب، ومستشارو رئيس الحكومة الوزير السابق نقولا نحاس، السفير بطرس عساكر وزياد ميقاتي، والمستشاران العسكريان العميدان رياض شيا وأمين فرحات، والقائمة بأعمال السفارة الاميركية في لبنان أماندا بيلز والوفد الاميركي المرافق لهوكشتاين.
وفي خلال الاجتماع شدّد هوكشتاين على «ضرورة العمل على تهدئة الوضع في جنوب لبنان، ولو لم يكن ممكناً التوصل الى اتفاق حل نهائي في الوقت الراهن». ودعا الى «العمل على حل وسط مؤقتاً لعدم تطور الامور نحو الأسوأ».
بدوره رئيس الحكومة شدّد «على أنّ الأولوية يجب أن تكون لوقف اطلاق النار في غزة، ووقف الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان والخروقات المتكرّرة للسيادة اللبنانية». وكرّر القول «إننا نريد السلم والإستقرار عبر الالتزام بالقرارات الدولية».
ومن السرايا انتقل هوكشتاين والوفد المرافق الى عين التينة، حيث استقبله رئيس مجلس النواب نبيه بري في حضور مستشاره الاعلامي علي حمدان.
وقال هوكشتاين بعد اللقاء: «نحن في مرحلة ووقت صعبين يتطلّبان العمل بسرعة. وأنا مسرور لأنني تمكنت من لقاء الحكومة اللبنانية وقائد الجيش للبحث في سبل الوصول الى حل ديبلوماسي للأزمة على الحدود بين لبنان وإسرائيل». وأضاف: «لقد كنت هناك (في اسرائيل) الاسبوع الماضي. وكما رأيتم رئيسنا ووزير الخارجية وانا شخصياً قلنا إننا نفضّل الحلول الديبلوماسية للأزمة الحالية، وأجرينا هذه المحادثات اليوم، وانا أؤمن بقوة أنّ الشعب اللبناني لا يريد ان يرى التصعيد في الأزمة الحالية لأزمة أبعد من ذلك، لذا نحن في حاجة للوصول الى حل ديبلوماسي يسمح لأبناء الشعب اللبناني بالعودة الى منازلهم في جنوب لبنان والعودة الى حياتهم الطبيعية، كما ينبغي ان يتمكن سكان الشمال في إسرائيل من العودة الى منازلهم والعيش في أمان. هذا هو هدفنا».
وتابع هوكشتاين: «لقد أجريت محادثات جيدة، وانا اشعر بالأمل في أننا سنتمكن من العمل والمضي قدماً في هذه الجهود للوصول معاً الى حل يسمح للشعب اللبناني من الجهة اللبنانية ومن الجهة الأخرى العيش في أمان والتركيز على مستقبل أفضل».
ورداً على سؤال عمّا اذا كان يشعر انّ هناك إرادة من الجهتين للوصول الى حل؟ أجاب هوكشتاين: «لقد سمعتم ما قالته الحكومة الاسرائيلية من أنّ هناك نافذة ضيّقة وانّها تفضّل حلاً ديبلوماسياً، وأعتقد انّ هذا هو الواقع. نحن نعيش الآن في أزمة ونود ان نرى حلاً ديبلوماسياً، وأعتقد انّ الجهتين تفضّلان الحل الديبلوماسي ومهمتنا ان نصل الى حل ديبلوماسي».
والتقى هوكشتاين أيضاً قائد الجيش العماد جوزف عون، وتركّز البحث على وضع الجنوب ووضع المؤسسة العسكرية.
وبعد ظهر أمس ذكر الإعلام الاسرائيلي «انّ قصف «حزب الله» لكريات شمونة تمّ بينما كان المبعوث الأميركي هوكشتاين في بيروت من أجل الحل السياسي، لكن الحزب ردّ بطريقته الخاصة».