وأخيراً المقاومة تحتمي بالدولة؟

أثار خبر عن نواب "حزب الله" بأنهم ينامون في المجلس النيابي، العديد من التعليقات الناقدة التي غلب عليها طابع سلبي: بعضها تساءل عن جدية عدم تمكنهم في الفترة السابقة من الوصول إلى ساحة النجمة، وبعضها شدد على قدرتهم على المشاركة في جلسة انتخاب رئيس للدولة وتأمين النصاب لانتفاء الذرائع التي تحول دون ذلك، وبعضها استغرب تحوّل مجلس النواب وغرفه إلى فندق بخمس نجوم لنواب الحزب وداراً لمنامة عائلاتهم التي يُحسن وفادتها وضيافتها مع وجبات فاخرة... أمّا البعض الرابع والأخير فاعتبر ألّا صحة لهذا الخبر في الأساس، بالرغم من تعمّد نواب الحزب الظهور في أروقة المجلس في لقاءات واجتماعات وتصاريح لوسائل الإعلام، وذلك في تحدٍّ واضح للخطر الخارجي، تحت قبّة البرلمان، المتمثّل بالتهديدات الإسرائيلية. نذكر من النواب علي المقداد، علي فياض، حسن فضل الله وسائر نواب الحزب... 

لن ندخل في كلّ هذه التعليقات المثارة لأنّه يبقى أنّ التعليق الأرقى والأشمل والأهم هو الآتي: المقاومة أخيراً تلجأ إلى الدولة لحمايتها! لا مكان لها أفضل من العودة إلى الدولة، فلا رأس النبع، ولا كسروان، ولا أيطو، ولا الحدث، ولا الضاحية، ولا بعلبك... ولا حتى إيران، ولا أيّ ملجئ، ولا أيّ طوق أمني أو نفق، ولا مربعات أمنية، ولا مكعّبات من الإسمنت قادرة عل توفير الأمن والأمان للمقاومة بدون الدولة!

الدولة وحدها الحامية، والجيش وحده الضامن للسيادة والاستقلال. وما قام به جهاز أمن مطار رفيق الحريري الدولي بتفتيش الوفود الأجنبية القادمة من الخارج، أيّاً تكن، هو قرار نموذجي حكيم يصبّ في مصلحة الدولة. كلّ الأمل بأن يصبح منهجية لبنانية دائمة ومتجدّدة لاستعادة الدولة سلطتها على المطار وسائر المرافق العامة.

هل يفهم الأيديولوجيون أخيراً أنّ الدولة هي برّ الأمان؟ وهل يستمرّ الاستشهاديون والشهداء والمنظّرون والمثقفون بلا خبرة... في سجالات بالرغم من كلّ الوقائع المناقضة؟

الدولة وحدها الملاذ الآمن

الدولة تبقى الملاذ الآمن لكلّ اللبنانيين، من قصر بعبدا، إلى مقرّ المجلس النيابي، مروراً بالسراي الحكومي الكبير، وصولاً إلى وزارة الدفاع الوطني-قيادة الجيش... لو استهدفها العدو الإسرائيلي لكان عدوانه على لبنان اتّخذ معنى مختلفاً، فاعتداءاتها لا تستهدف إلغاء الدولة اللبنانية، وإلّا لكان كلّ مسار الحرب اختلف، وكذلك مواقف المجتمع الدولي من الاعتداءات الإسرائيلية. بالتأكيد لن يتمكّن العدو من استهدافها. لذلك شعر النواب بالاطمئنان في كنف مقار الدولة، وهذا ما يضفي عليها معنىً ومغزىً عميقين كرمز لشرعية الدولة وقوّتها في شرعيتها. كلّ تخريب وتدمير لها وتهميش لدورها هو من باب ضرب وجود الدولة وتغييب دورها ونهاية الكيان اللبناني. ولا مصلحة لأحد بإلغاء الدولة وتعطيلها، لا من الأشقّاء ولا من الأعداء، لأنّ ثمن انعدام الدولة هو باهظ الكلفة لكلّ القوى في الداخل والخارج.

كلّ كتب التاريخ اللبناني، للأسف، أهملت الدولة، ولم تساهم في بناء ثقافة الدولة التي تفتقر إليها كتابات مؤلفين ومفكّرين حيث تغيب الدولة تالياً عن الإدراك الجماعي في لبنان. يراجع كتاب أنطوان مسرّة: "الدولة والعيش معاً في لبنان: ثقافة، ذاكرة وتربية"، الصادر عن كرسي اليونسكو لدراسة الأديان المقارنة والوساطة والحوار في جامعة القديس يوسف وجمعية "تصالح"، بدعم من مؤسسة غزال للتربية والبحث العلمي والسلم في لبنان، بيروت 2023، 160 ص بالعربية و224 ص بالفرنسية.

ما معنى دولة؟ تعلّم قانونيون، وليس حقوقيين، في كليات قانون ليست بالضرورة كليات حقوق، أنّ للدولة ثلاثة مكوّنات هي: أرض وشعب ومؤسسات. لكنّ تعليم القانون الدستوري أهمل الوظائف الأربع الأساسية الملكية للدولة (rex, regis, roi) وهي: احتكار القوة المنظمة، احتكار العلاقات الديبلوماسية، فرض الضرائب وجبايتها، إدارة السياسات العامة. يعني ذلك وجود جيش واحد في الدولة لا جيشين، وديبلوماسية واحدة لا ديبلوماسيتين وانسجاماً مع المقدمة (ب) من الدستور: "لبنان عربي الهوية والانتماء". إنّ اتفاق القاهرة سنة 1969 مع تنظيم فلسطيني مسلح واتفاق قاهرة مستعاد في تحالف مار مخايل في 6/2/2006 بين جبهة سياسية وجيش-حزب مرتبط بتمويله وسلاحه بالجمهورية الإسلامية الإيرانية مناقضان للدولة.

شرعية الدولة هي أقوى من أيّ مقاومة فئوية. هل فهم ويفهم اللبنانيون ذلك بعد الكارثة الحالية؟