واشنطن مع التفاوض لكنها لا تمنع الحرب: تغيير لبنان هو الهدف

ينتظر لبنان جواباً إسرائيلياً يتبلغه عبر الولايات المتحدة الأميركية بشأن خيار التفاوض وتجنّب التصعيد. في إسرائيل، كل التسريبات تتركز على الاتجاه نحو تنفيذ عملية عسكرية غير معروفة التوقيت، المدى والأهداف. حتى الآن لم ترد أي معلومات من واشنطن حول التواصل مع المسؤولين الإسرائيليين وإمكان تحديد موعد للمفاوضات، بينما تجري محاولات أميركية لإقناع إسرائيل بتجنب خيار التصعيد والسعي إلى تحقيق ما تريده من خلال الضغط السياسي والمفاوضات. أما حزب الله فقد قدّم جوابه، عندما أعلن بصراحة ووضوح رفضه للمفاوضات واصفاً إياها بالمنزلق والفخ، وأبدى استعداده للمقاومة دفاعاً عن لبنان وليس من منطق الإمساك بقرار الحرب والسلم. موقف حزب الله يشبه إلى حد بعيد موقفه إلى جانب حركة أمل في العامة 2020 عندما رفضا تشكيل وفد تقني عسكري يضم مدنيين للتفاوض حول ترسيم الحدود البحرية، ولكن بعدها حصلت المفاوضات وتم الوصول إلى اتفاق.

 

مفاوضات مباشرة وثلاثية

الجديد اليوم أن الحزب شمل رئيس مجلس النواب نبيه بري في الرسالة الرافضة للمفاوضات والتي وجهها إلى الرؤساء الثلاثة. ولكن من يعرف طبيعة العلاقة بين الحزب وبري يعلم بأن التنسيق كان قائماً قبل إصدار الحزب للبيان، ويراد منه أن يصب في دعم وجهة نظر بري وطرحه حيال المفاوضات، خصوصاً أن رئيس المجلس يتمسك بالتفاوض عبر لجنة الميكانيزم مع الاستعداد لتطعيم الوفد بمدنيين وتقنيين. وهو ما لا تريده إسرائيل التي ترغب في مفاوضات مباشرة، وسط معلومات عن سعيها إلى جعل المفاوضات ثلاثية، أي بينها وبين لبنان والولايات المتحدة الأميركية. فتل أبيب لا تريد التفاوض عبر الميكانيزم، ولا أن تكون فرنسا أو الأمم المتحدة من الشركاء فيها. 

 

عودة أسلوب الإنذارات.. بالتوقيت المدروس 

في السياق، اختار الجيش الإسرائيلي توقيتاً حساساً للعودة إلى أسلوب توجيه الإنذارات لسكان جنوب لبنان، بهدف إخلاء مبانٍ والتهديد بقصفها. إذ جاء التوقيت بالتزامن مع انعقاد جلسة مجلس الوزراء التي بحث فيها التقرير الشهري الثاني للجيش اللبناني حول خطته لحصر السلاح بيد الدولة. فكان فحوى الرسالة الإسرائيلية أنها لا توافق على المسار المعتمد في لبنان، خصوصاً في ظل تسريبات إسرائيل التي تشير إلى أن استعادة الحزب بناء قوته تفوق سرعةً عمل الجيش لسحب السلاح. كما أن الانذارات جاءت بعد بيان حزب الله الذي رفض فيه التفاوض المباشر مع إسرائيل، معتبراً أنه فخ يتم استدراج لبنان إليه، ومشدداً على فكرة التمسك بالمقاومة.

 

تل أبيب تستعجل الضربة... وواشنطن مع التفاوض  

كل ذلك يحصل في ظل نقاش أميركي إسرائيلي حول كيفية التعامل مع الملف اللبناني، وسط معلومات تفيد بأن إسرائيل تصر على تنفيذ ضربة عسكرية كبيرة هدفها تغيير الوقائع العسكرية على الأرض وتدفع في اتجاه مسار سياسي جديد لا يمكن لحزب الله عرقلته، فيما لا تزال الولايات المتحدة الأميركية تصر على مواصلة الضغط السياسي لتحقيق النتائج المطلوبة، وتطالب الإسرائيليين بإعطاء مهلة وفرصة للمفاوضات.

 

المجلس المقبل واستحقاق المصادقة 

لكن واشنطن وتل أبيب تلتقيان على هدف وحيد بغض النظر عن مدى الاختلاف على الطريقة والآلية، إذ كلتاهما تريدان تغيير كل الوقائع والتوازنات في لبنان والمنطقة، ودفع لبنان إلى تحولات سياسية تصل إلى حدود توقيع اتفاق مع إسرائيل، سواء كان اتفاقاً أمنياً أم اتفاق سلام. ويسعى الإسرائيليون إلى إقناع الأميركيين بأن الضربة العسكرية القوية ستلحق خسارة عسكرية وسياسية بحزب الله، وتتمكن من تدمير كل قدراته ومخازنه، وهو ما سيفرض وقائع اجتماعية وسياسية جديدة تلاقيها نتائج جديدة للانتخابات النيابية وما تفرزه، لا سيما أن التركيز هو على المجلس النيابي المقبل، الذي ستكون أمامه المصادقة على أي اتفاقية جديدة. وهو ما يُراد له أن ينعكس تغيراً جوهرياً في الواقع اللبناني وفي الوجهة السياسية، الاقتصادية، والمالية.