المصدر: المدن
الكاتب: لوسي بارسخيان
الأربعاء 26 شباط 2025 15:47:31
ضاب شديد أدرج الإلتزام بالإصلاحات المطلوبة في قطاع الاتصالات ضمن الصياغة النهائية للبيان الوزاري الذي على أساسه يتم التصويت اليوم لمنح الحكومة الثقة. لا بل جاء أكثر اختزالا مما يدلي به وزير الاتصالات الآتي من عالم خدمات الإنترنت، سواء مباشرة أو عن طريق مصادره، على رغم الإشكاليات الكثيرة المحيطة بهذا الملف الذي شاب تأجيل استحقاقاته الملحة شبهات عديدة في عهد الحكومة السابقة، وخصوصا على صعيد إعادة تلزيم قطاع البريد، واسترداد حقوق الدولة المهدورة من تأجير سعات الإنترنت.
حاولت "المدن" الدخول في تفاصيل الملفين مع وزير الاتصالات شارل الحاج، إلا أن الجواب أتي بالتريّث في الوقت الحالي وتأجيل الحديث بالملفات لما بعد نيل الحكومة الثقة ريثما يكون الوزير قد اطلع وتعمّق بمختلف الملفات. واكتفى مصدر مقرّب بما ورد في خطاب التسليم والتسلم لجهة التزام الوزير بتطبيق القوانين المرعية، وبالتالي تفعيل الهيئة الناظمة وإنشاء شركة ليبان تيليكوم.
دأبت السلطات المتعاقبة منذ عام 2002 على إدراج العناوين نفسها في ملف الاتصالات ضمن برامج عملها، من دون أن يتم الإلتزام بتطبيق العدد الأكبر من العناوين خصوصاً العنوانين المذكورين أعلاه. وقد زادت الأمور تعقيداً مع الانهيار المالي في لبنان، وتداعياته الكبيرة، فيما العالم يسير بخطوات سريعة نحو ابتكارات متجددة في عالم الاتصالات، كما يقول مصدر خبير يفضل عدم ذكر اسمه، "تجعل حتى قانون تنظيم الاتصالات في لبنان بائداً ما لم يتم تحديثه مع متطلبات الخدمات الذكية التي اجتاحت عالمه".
الهيئة الناظمة
رغم مرور 23 سنة على صدور قانون تنظيم الاتصالات الرقم 431، فهو لم يدخل حيز التنفيذ الا لجهة انشاء الهيئة الناظمة للإتصالات. فيما الهيئة معطّلة منذ انتهاء ولاية مجلس إدارتها عام 2012 أو معطلة "لغاية في نفس الوزراء"، ولكنها لا تزال تكبد الخزينة العامة رواتب الموظفين والمساهمات المالية المخصّصة لها.
ويطرح الحديث المتكرر عن إنشاء شركة "ليبان تيليكوم" الذي يأتي من ضمن مندرجات القانون، تساؤلات كثيرة عما إذا كنا بحاجة فعلاً لشركة اتصالات لاسلكية ثالثة مملوكة من الدولة. فبعد أن استعادت الدولة ملكية شركتي "ألفا" و"تاتش" وأصبحت إدارتهما متشابهة، ويطرح السؤال وفقاً للخبير ما إذا كان من المجدي فعلاً إضافة شبكة ثالثة، أم أننا نحتاج الى تنافس يخلق ديناميكية تدفع بالشركات الى تحسين خدماتها المتشابهة، خصوصاً أنها تفتقد حالياً للإبداع، والتنافس، لا بل إن منتجها يقدم بالسعر نفسه، ولا تتقدم الأولى على الثانية سوى في موعد طرح خدماتها، والألوان التي تختارها لتسويقها.
في المقابل ثمة قرارات صدرت عن الحكومة السابقة، ومراسيم نوقشت ووافق عليها مجلس الوزراء، وتوصيات وقرارات أصدرتها الهيئات الرقابية أيضاً، يمكن أن تشكل منطلقاً لإنجازات سريعة، تستطيع الحكومة "قصيرة العمر" أن تثبت من خلالها جديتها في اتخاذ إجراءات إصلاحية سريعة، من شأنها أن تدر أموالا طائلة على الخزينة العامة، مع تحسين نوعية الخدمة المقدمة للمواطنين، بما يعيد الثقة بأداء وزارة الاتصالات.
قطاع البريد
وإذا كان الحكم استمرارية فعلاً، أمام وزارة الاتصالات استحقاق بارز يتمثل بإنهاء "مصادرة" قطاع البريد من شركة "ليبان بوست". فقد انقضّت هذه الشركة على خيرات القطاع منذ أكثر من 25 عاماً، وفقاً لما أكدته تقارير ديوان المحاسبة كهيئة رقابية، لتحوله من قطاع مُربح للخزينة العامة الى "بقرة حلوب" تجني الأرباح للقطاع الخاص على حساب مصلحة المواطنين والخزينة والمال العام.
قرار الحكومة السابقة الصادر منذ شهر تشرين تشرين الثاني من العام 2023 واضح جداً، فالمطلوب إعادة تلزيم القطاع في مزايدة رابعة، بعد أن أبطل ديوان المحاسبة وهيئة الشراء العام نتائج محاولتي تلزيم تبين أنهما فصلا على قياس تمرير مصالح خاصة.
أداء الوزارة الجديدة بهذا الملف تحديداً، من شأنه أن يكشف النيات الفعلية في إنهاء تأثير النفوذ السياسي الذي يحاول ترسيخ ليبان بوست في قطاع البريد. علماً أن الوزارة قادرة على الإنطلاق فوراً بخطوات إصلاحية في هذا القطاع، عبر التحرر فوراً من عقدها "المجحف" مع المتعهد الحالي، وفقاً لآلية يحددها العقد الموقع معه وتحديدا المادة 47 منه، الذي يلزم المشغل على تسليم الخدمات البريدية جاهزة للاستعمال كلياً، متى انتهت صلاحية العقد الملزم له.
قطاع الإنترنت
وإذا كانت الوزارة الجديدة تحت مسؤولية الوزير الحاج ستقيّم في أدائها بقدرتها على مجابهة "ديوك النفوذ المالي والسياسي" المتحكمين بقطاع البريد، فهي على موعد أيضاً مع إنهاء الحالة الشاذة في إدارة قطاع الإنترنت، وما تسببت به من تفش لظاهرة "ديوك الأحياء".
قد يسهم تفعيل الهيئة الناظمة وفقاً لما وعد به وزير الاتصالات في تنفيذ بعض توصيات ديوان المحاسبة الصادرة في تقرير خاص منذ العام 2021 أعدّته القاضية زينب حمود.
وقد كشف التقرير عن عملية هدر كبيرة في سعات الانترنت المؤجرة، ومهّد لخارطة طريق من أجل استعادة الدولة لحقوقها من الأموال المهدورة. وهو بالتالي طالب بتكامل عمل المديريات المعنية لدى وزارة الاتصالات وهيئة أوجيرو، في مراقبة أداء القطاع بما يسمح بالتنافس العادل بين مقدمي خدمات الانترنت المرخص لهم أصولاً.
من هنا وعملاً بمبدأ استمرارية الحكم أيضاً، لا بد من تذكير الوزير الجديد بالمرسوم رقم 9458 الصادر عن الحكومة بتاريخ 30 حزيران 2022، بما يتضمنه من خارطة طريق لضبط ملكية الشبكات المؤجلة وإحالة الشبكات المخالفة الى القضاء.
وكان قد توجه وزير الاتصالات السابق الى تخطي خطة طريق المرسوم الذي وضعه بنفسه، نحو تعاقد مباشر مع موزعي الأحياء لتكليفهم بعملية صيانة الشبكات غير الشرعية، وذلك قبل ضبط جميع هذه الشبكات وإحالة ملفاتها الى القضاء، فرفض الأمر ديوان المحاسبة في قرار صادر عن غرفته الثانية برئاسة القاضي عبد الرضى ناصر وقرر "أن لا عقد صيانة جائز من دون ضبط المخالفات" تداركا لمحاولة "تأبيد المخالفة واستمراريتها" و"للتطبيع مع اللادولة واللاشرعية ومع الخارجين عن القانون".
هذا في وقت تقدم فيه استشارة صدرت عن هيئة التشريع والاستشارات في شهر تشرين الأول من العام الماضي حلاً أكثر مرونة في ضبط هذه المخالفات، من خلال تأكيدها على تطبيق المرسوم رقم 956 الصادر منذ العام 2017 والذي ينص على غرامات مالية تفرض على أي مخالفة في تأجير السعات الدولية، وتلزم مزود الخدمة بتوزيع خدماته عبر شبكة مرخصة قانوناً.
بالمحصّلة يمكن أن تنتقل وزارة الاتصالات الى مرحلة الإنجاز المباشر، متى توفرت النيات. والإختبار الأول لها يكمن في الملفين المذكورين، وإن كانت مهمتها ليست سهلة في ظل نماذج الإستقواء التي تقدمها المحميات السياسية الساعية دوماً للهيمنة على موارد الدولة.
من هنا تبدو الحصانة الفردية للوزير، وخلفيته الإصلاحية، أساسية في الإنطلاق بخطوات عملية، بصرف النظر عن إمكانية محاربته بقراراته أو ابتزازه بمصالحه. الامر الذي قد يواجهه الحاج تحديداً، لكونه واحداً من أصحاب شركات الانترنت القابضة على مشاريع كبرى، وهذا ما سيطلب منه تطبيقاً جدياً لمبدأ فصل أعماله الخاصة عن العمل العام، بما يمنح الوزير الحيادية التامة في أي قرار يتخذه لاحقاً، ويمنحه المصداقية.