وزير "لا... لا... لاند"

متفائل وزير السياحة اللبناني وليد نصار عندما يتحدث في هذه المرحلة السوداء عن تسويق السياحة لخطة 20/30، خاصة بلبنان، ومن الرياض التي سيزورها أواخر الشهر المقبل، ويستطرد ويوسّع مروحة التفاؤل عن تعاون مرتقب.

يعيش معاليه في «لا.. لا.. لاند»، وليس في لبنان بالتأكيد. يتجاهل ويستخف بوضع مطار بيروت الدولي، الذي قد يكتفي بالدوام النهاري ليقفل أبوابه ليلاً مع إعلان المراقبين الجويين أنهم سيعملون بجداول مناوبة يؤمنون فيها العمل من الساعة السابعة صباحاً حتى الساعة الثامنة مساءً فقط. والسبب كما هو معلوم أنّ رأس مرجعيته السياسية، الرئيس السابق ميشال عون رفض توقيع مرسوم تعيين مراقبين يلبّون حاجة المطار ويؤمّنون سلامته، حفاظاً على حقوق المسيحيين ومنعاً لاختلال التوازن الطائفي، تماماً كما رفض تعيين حراس أحراج للسبب ذاته، وتفرّج على الحرائق المتنقلة وأعطى توجيهاته.

يكتفي بأمجاده الطالعة من إقناعه «حزب الله» بإزالة الصور والرموز الإيرانية التي تستقبل الوافدين إلى لبنان، وينسى أنّ «الحزب»، بصور أو من دونها، يصادر كل لبنان ويستخدمه للنيل من الدول الخليجية غب الطلب الممانع.

لم يُعلِّق معاليه على الاعتداء الوحشي والمتخلف لجماعة «جنود الرب» على مواطنين عُزَّلٍ في مقهى بيروتي، مهددين، متوعدين، متسلحين بشعارات دينية، تماماً كما لم يتوقف عند حظر وزير التربية لعبة «الأفعى والسلم» لاحتوائها على ألوان قوس قزح، واعتبارها بالتالي تروّج للمثلية الجنسية، أو عند إصرار وزير الثقافة الذي يقود حملة أعتى وأعنف، بدأها بفيلم «باربي»، وتابعها لمنع تعديل قوانين تتعلق باحترام الانسان وعدم انتهاك حقوقه، مصلتاً سيف الدين أيضاً وأيضاً.

لم يتوقف معاليه عند الأحداث الأمنية من هنا وهناك، والتي لم يعد ممكناً لجمها عندما تقع لهشاشة الأمن أينما كان. وأغفل خطر تداعيات ملف الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة، وردود فعل المتورطين بها حتى لا ينكشفوا، بما يهدد بزلزلة البقايا الضئيلة لشبه الاستقرار الذي لا نزال نشهده.

ومع ذلك، معاليه سيذهب أواخر الشهر المقبل إلى الرياض وسيعرض خطته الرؤيوية والواعدة لبلد ليس موجوداً على أرض الواقع، وقد ينظر إليه سامعوه بذهول، فهم كما غيرهم، يتابعون الملف اللبناني، ويقرفون من الاستمرار في الفساد، ومن الصراع المستمر على النفوذ، والذي كان معاليه جزءاً منه ضد زميله وزير الاقتصاد، لأنّ هذا الصراع له الأولوية على مصلحة المواطنين. وسيتأكدون قطعاً أنه لا يعيش في لبنان، حيث لا كهرباء ولا ماء ولا إدارات رسمية فاعلة، ولا مستشفيات أو مدارس أو جامعات، إلا لمن يستطيع إلى ذلك سبيلاً وبالعملة الخضراء، ولا قيمة للعملة الوطنية، ولا رئيس للجمهورية ولا أمن ولا قدرة للجيش على تأمين وقود الآليات.

قد يهمس أحدهم في أذنه بألّا يبالغ في تفاؤله وثقته بنفسه وبخطته، قد يخبره وبالتفصيل الممل بكل هذه المعلومات وأكثر، ويطلب منه ألّا يتذاكى على الطريقة الباسيلية، أو أن يعتبر أنه قام بفروضه ويستحق «Bon point» ونجمة ذهبية، وأن يغرق في حال من النكران المرضي، وكأنّه قادر على إلغاء مفعول الأعوام التي تسلم خلالها تياره السلطة بتسهيل من الحاكم بأمره، وقضى على مقدّرات تمّ نهبها أو أسيئت إدارتها، فأفلس البلد.

قد يذكِّره مشارك آخر بأنّ بلده مشرف على الانهيار، وبأنّه جنة المجرمين والخارجين عن القانون وليس السائحين، وليس فقط على الصعيد السياسي والأمني، وانما على الصعيدين الاجتماعي والأخلاقي.

ومع هذا، قد يعود معاليه ويتغنى بإنجازاته، كما يفعل «باسيله»، ويغرق أكثر فأكثر في نعيم «لا.. لا.. لاند».