وساطة السعودية بين لبنان وسوريا لترسيخ التنسيق الأمني وترسيم الحدود

تعوّل واشنطن والدول الغربية على الوساطة التي تقوم بها السعودية بين دمشق وبيروت في العديد من الملفات الأمنية، ومنها ترسيم الحدود بين البلدين وتقييد تحركات "حزب الله" وضبط الحدود اللبنانية مع إسرائيل بعد تحديدها.

وشكل الاتفاق الذي وقع في 28 آذار الماضي بين وزيري الدفاع اللبناني والسوري في شأن ترسيم الحدود وتعزيز التنسيق الأمني بين لبنان وسوريا، الخطوة الأولى نحو حل المشاكل الخلافية الحدودية المقلقة. وتشكل زيارة رئيس الوزراء نواف سلام لدمشق فرصة أخرى لتعزيز هذا التنسيق الأمني.

فالحدود غير مرسمة منذ الانتداب الفرنسي، والمساعي الديبلوماسية لترسيمها ليست جديدة، بل تعود إلى سنوات طويلة من التجاهل المتعمد من نظام بشار الأسد والحكومات اللبنانية التي كانت موالية للنظام السوري، منذ حرب 2006.

كانت هذه الحدود المفتوحة تخدم مصالح المهربين و"حزب الله"، وقد وفّرت لهم ممرا سهلا لتهريب السلاح والمخدرات والأموال والبضائع بعد سقوط نظام الأسد وإقفال الحدود الشرعية السورية أمام حلفاء إيران. وحوّل الحزب نشاطاته إلى المعابر غير الشرعية (130 معبرا) وهو ما ساهم أخيرا في اندلاع اشتباكات على جانبي الحدود. ومع تفاقم أزمة الحزب المالية، وسّع الحزب عمليات التهريب واستخدام المعابر غير الشرعية.

لذلك قامت السعودية بهذه الوساطة لتفادي الاشتباكات على الحدود بين بيروت ودمشق وللحد من تهريب المخدرات التي تغزو السوق السعودية، ومنع الحزب من إعادة بناء شبكاته المالية والعسكرية وتعزيز الوضع الأمني في سوريا، لأن ترسيم الحدود يساهم في كبح حركة بقايا النظام السوري من الداخل اللبناني وإليه.

 

والحال أن السبب الذي يعقد الترسيم بين البلدين يتصل بالتداخل الجغرافي والديموغرافي في العديد من المناطق الحدودية. لكن الظروف الإقليمية تفرض على الجانبين ضرورة القيام بهذا الترسيم لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة، وعلى رأسها تهديدات الحزب والمجموعات الموالية لإيران التي تطمح إلى زعزعة الوضع في سوريا. لذلك أدى تقدم الخطوات وجهود المملكة العربية السعودية إلى بعد سياسي مهم، فعزز فرص التنسيق بين البلدين وضيّق هامش المناورات أمام أي طرف يسعى إلى عرقلة هذا الترسيم.

ولا تزال مزارع شبعا العقبة الرئيسية أمام استكمال الترسيم، نظرا إلى التعقيدات حول وضعها القانوني والسياسي. فإسرائيل تحتلها منذ عام 1967، ولم يحدد النظام السوري هويتها، إذ يدّعي أنها لبنانية لكنه يمتنع عن تقديم أي أدلة رسمية للأمم المتحدة.

هذا الغموض شكل ذريعة للحزب للاستمرار في سردية المقاومة بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000، فاعتبر أنها أرض لبنانية محتلة، وهو ما منحه مبررا للاستمرار في التسلح بدلا من سحب سلاحه كبقية الميليشيات، وتحرك خارج نطاق الدولة. والواقع أن تسوية قضية شبعا وتلال كفرشوبا ستوجه ضربة كبيرة إلى شرعية خطاب المقاومة وتقلص قدرته على تبرير نشاطاته العابرة للحدود، وذلك يتطلب بالطبع من السلطات السورية موقفا واضحا يبلغ إلى الأمم المتحدة.

هذا ما تسعى إليه الرياض لضمان تنفيذ الاتفاقات والقرارات الدولية. ومن أخطر تداعيات انفلات الحدود بين البلدين تسرب العنف الطائفي من الداخل السوري إلى لبنان. وقد يؤدي احتدام المواجهة في مناطق الساحل العلوي إلى تدفق آلاف العلويين السوريين إلى لبنان. ووفق آخر الإحصاءات، فقد دخل أكثر من 21 ألف لاجئ لبنان خلال الشهر الماضي واستقر معظمهم في الشمال.

وقد استفاد الحزب من هذا الواقع لإعادة تموضعه داخل بيئته. ففتحت له نافذة لتحويل الخوف داخل حاضنته دعما لمواجهة الخصوم، وهذا ما يؤدي مجددا إلى تهميش مفهوم الدولة ومؤسساتها الأمنية، وتعزيز منطق الميليشيات. لذلك على الجيش فرض سلطة الدولة بأسرع ما يمكن في هذه المناطق.

وتحتاج الدولتان اللبنانية والسورية في هذا السياق إلى موارد كبيرة ودعم ديبلوماسي وعسكري مكثف لإتمام هذا الاتفاق وتطبيقه على جانبي الحدود وفرض سيطرة الدولة.

ويعوّل على دور المملكة للتعجيل في هذه العملية التي انطلقت، وسيكثف الضغط خلال زيارة رئيس مجلس الوزراء اللبناني لسوريا لحل القضايا العالقة، خصوصا في المناطق السكنية المتداخلة.

ويعود إلى السلطات اللبنانية تطبيق الاتفاقات الدولية وحصر السلاح بيد الشرعية. فلبنان في حاجة إلى دعم دولي لقواته المسلحة ليتمكن من أداء مهمته وفرض السيادة الكاملة على أراضيه، حتى لو تطلب ذلك مواجهة مع الأطراف المعارضة لهذا الانتشار.

وسيعزز ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا فرص نجاح المفاوضات المرتقبة حول ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، والتي أشارت إليها المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس. ولا يمكن تأمين حدود لبنان مع إسرائيل بشكل كامل قبل أن تتمكن بيروت من بسط سيطرتها على حدودها مع سوريا.