المصدر: نداء الوطن
الكاتب: غادة حلاوي
الثلاثاء 20 شباط 2024 06:34:00
تدرك مرجعية نيابية أنّ غياب رئيس الجمهورية مشكلة كبرى، فيما تعيش المنطقة مخاضاً عسيراً وحراكاً إقليمياً ودولياً وتقارباً وتفاهمات. يقف لبنان بعيداً بلا رئيس يواكب هذا الحراك أو على تماس مع الخارج للوقوف على حقيقة ما يجري. حتى ترسيم الحدود البرية، وإن كان ينظر إليه على أنه تثبيت للحدود، فإنجازه لن يحصل في ظل غياب رئيس الجمهورية. ديبلوماسيون في حراكهم اليومي يتلمّسون وجود مشكلة بنيوية في ظل غياب رأس الجمهورية من الناحية الدستورية.
صار ملف الرئاسة أسير التطورات من غزة إلى جنوب لبنان، رغم تأكيد الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله على عدم وجود علاقة تربط بين الحدثين، لكن الوقائع تشير إلى خلاف ذلك. في سلم الأولويات يحتل الوضع في غزة والجنوب صدارة الاهتمام الديبلوماسي، ولأجله تغيب مبادرات المعنيين. حراك «الخماسية» مشكوك بنجاحه، لأنّ القيمين عليه شعروا بصعوبة الدور على وقع طبول الحرب. الخلافات لا تزال تعتري دورهم. كل سفير يحاول لعب دور مختلف عن زميله. انقسمت «الخماسية» إلى فريقين: سعودي- فرنسي مقابل قطري- أميركي حسبما تلمس جهات على تواصل مع عدد من أعضائها. المشكلة في غياب القرار الذي يضفي على حراكهم أهمية.
طوال فترة وجود الرئيس سعد الحريري في لبنان، توارى السفير السعودي وليد البخاري عن الأنظار تجنباً لزيارة «بيت الوسط». وينقل عنه قوله إنّ الأسماء المتداولة لرئاسة الجمهورية كلها خارج الخيارات. لرئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية رأي آخر، حسب المقربين، إذ يقول إنّ حظوظه لم تنفد بعد، وليس في وارد سحب ترشيحه، ولا مشكلة لديه منذ أعلن ترشيحه، أن يُنتخب بأصوات النواب من خارج كتلتي «القوات» و»التيار الوطني الحر»، على عكس الثنائي الذي يعتبر تصويت إحدى الكتلتين المسيحيتين ممراً إلزامياً.
مقابل الحراك الأوروبي «التهويلي» تجاه لبنان، يتعامل الطرف الأميركي بواقعية أكبر. وصار على قناعة أنه لا نقاش حول أي ملف في لبنان قبل نهاية الحرب في غزة. وينقل زوار العاصمة الأميركية أنّ الهم الأول هو الوضع في الجنوب وترسيم الحدود ضمن سلة كاملة متكاملة قد تشمل انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا مقابل الإبقاء على المناطق المحررة تحت سيطرة قوات «اليونيفيل». في الاستحقاق الرئاسي لم تتداول الأسماء بقدر التركيز على المواصفات والإصرار على رئيس من خارج الطبقة السياسية أو الأمنية المتعارف عليها. وتلمّس الزائرون وجود رغبة أميركية لإنجاز الإستحقاق في أقرب فرصة، مقدّمة لإتمام الترسيم ضماناً لأمن الحدود الشمالية لإسرائيل.
في هذا الوقت يقوم وفد من لجنة الخارجية والأمن الأميركية بزيارة بيروت اليوم تستمر لساعات، يجول خلالها على رئيسيْ مجلس النواب والحكومة نبيه بري ونجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب وقائد الجيش العماد جوزاف عون، بهدف البحث في المساعدات المقدمة للجيش ودوره في ضوء المطلب بتنفيذ القرار 1701. المعلوم أنّ عدداً من نواب الكونغرس سبق وشنّ حملة على المساعدات التي تقدم إلى الجيش اللبناني، مشككاً في دوره في حماية الحدود في الجنوب اللبناني.
وخلال الساعات الماضية حلّ عدد من نواب «التغيير» ضيوفاً على مأدبة عشاء اقيمت على شرفهم في السفارة الأميركية تطرق خلالها المجتمعون إلى الاستحقاق الرئاسي ودور النواب والقرار 1701 والحرب في جنوب لبنان، وقد سمع النواب انتقاداً و»خيبة أمل» من دورهم. وكان لافتاً البيان الذي تلاه أمس النائب ملحم خلف في حضور النواب أسامة سعد، بولا يعقوبيان، عبد الرحمن البزري، نجاة عون، إبراهيم منيمنة، شربل مسعد، فراس حمدان، الياس جرادي وملحم خلف، دعوا فيه النواب إلى تحمل مسؤولياتهم والامتثال لأحكام الدستور وانتخاب رئيس.
أجواء الاستياء من تأخير انتخاب رئيس شملت بكركي التي نقل زوارها امتعاض البطريرك بشارة الراعي على خلفية التخلف عن فتح أبواب مجلس النواب لإنتخاب رئيس للجمهورية، محملاً رئيس المجلس المسؤولية عن ذلك، وأنه في صدد التصعيد في الأيام القليلة المقبلة. الاستياء ذاته، بحسب الزوار، ينسحب على الفاتيكان التي زار سفيرها في لبنان المطران باولو بورجيا رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس. في الموازاة ينتظر أن يصدر موقف عالي السقف عن رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل اليوم على خلفية بعض القضايا التي تتصل بموضوع الشراكة والحقوق والرئاسة.
تحركات ومواقف لا تلغي حقيقة أنّ التطور الوحيد في ملف الرئاسة هو تعاقب الأيام على فراغ لا يشي بجديد. طرف أساسي معني بانتخابات رئاسة الجمهورية، أي «حزب الله»، تفكيره في مكان آخر مختلف. تحتل الحرب التي يقودها ضد اسرائيل على الجبهة الجنوبية أولى اهتماماته. في الوقت الضائع، يقول إنّه مع أي مبادرة داخلية، وأنه يعيد التشجيع على حوار داخلي، لكن ليس في وارد إعادة النظر في مسألة تبنّي ترشيح حليفه سليمان فرنجية. الظروف لا تسمح لـ»حزب الله» بأن يعدّل خياراته، وكيف له أن يفعل في ظل الغليان الذي تشهده المنطقة، والحرب التي تشتد، وقد تبلغ حدّ أنّ اسرائيل لن تتوانى عن استهداف أي مكان تريده في لبنان ولو خارج الجنوب والمنطقة الحدودية؟