وقائع جلسة "حصرية السلاح: حدة النقاش لم تبلغ المواجهة

في مشهدٍ يعيد إلى الأذهان جلسة مجلس الوزراء الشهيرة في الخامس من أيار 2008، التي مهَّدت لانفجار السابع من أيار، التأمَ مجلس الوزراء في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، وناقش طوال خمس ساعاتٍ ونصف الساعة ملفًّا بالغ الحساسيّة: حصر السلاح بيد الدولة ونزع سلاح جميع الجماعات المسلَّحة، وفي مقدِّمها حزب الله.

رغم حدّة النقاش في بعض المداخلات، ومن دون أن ترقى الأمور إلى مواجهةٍ بين هذا الفريق أو ذاك، لم يجْرِ مجلس الوزراء تصويتًا، لكنّه خرج بقرارٍ غير مكتملٍ بالغ الدلالة: تكليف الجيش اللبناني وضعَ خطّةٍ تنفيذيّة لحصر السلاح، على أن تعرَض هذه الخطّة على الحكومة قبل 31 آب الجاري، تمهيدًا لإنجازها قبل نهاية العام الحالي.

هذا القرار، الذي تلاه رئيس الحكومة في ختام الجلسة، لم يقِرّ ورقةَ الموفَد الأميركي توم باراك كاملةً، ولا خطّةَ الدولة اللبنانيّة التي اختصرها رئيس الجمهوريّة في خطاب عيد الجيش، بل قرّر المجلس استكمال البحث فيها يومَ الخميس المقبل. وقد استند القرار، بحسب ما أعلن رئيس الحكومة، إلى وثيقة الوفاق الوطني ("الطائف")، والبيان الوزاري، وخطاب القسم، إضافةً إلى الترتيبات المنصوص عليها في قرارات وقف الأعمال العدائية.

 

انسحاب الثنائي

النقاش الصعب، وإن مرّ بهدوءٍ من دون أن يفجِّر مجلس الوزراء في جلسة الثلاثاء، عكسَ للمرّة الأولى منذ تشكيل الحكومة تصدّعًا لا يعرَف بعد ما إذا كان سيتطوّر الخميس المقبل؛ إذ انسحبَ وزيرا البيئة والصحّة، المحسوبان على ثنائي حركة أمل – حزب الله، قبل دقائقَ من انتهاء الجلسة احتجاجًا على القرار.

كشفت مصادر حكوميّة لـ"المدن" أنّ الوزيرَين برّرا انسحابهما بعدم موافقتهما على تكليف الجيش وضعَ خطّةٍ لحصر السلاح ضمن مهلةٍ تنفَّذ حتى آخر العام الحالي. غير أنّ الانسحاب لا يعني مقاطعةَ الحكومة؛ فقد أكّدت وزيرة البيئة تمارا الزين لـ"المدن" مشاركتَها في جلسة الخميس، التي ستستكمل النقاش في بند حصر السلاح.

في تفاصيلَ أوفى، روت مصادر وزاريّة لـ"المدن" أنّ وزيري الثنائي، عند لحظة اتخاذ القرار، رفضا حسم الموضوع في جلسةٍ واحدة، وطلبا إرجاءَه لإتاحة مزيدٍ من الوقت لدراسة ورقة توم باراك التي وصلت إلى الوزراء مع بدء الجلسة، معتبرَين أنّ الخطّة التنفيذيّة المطلوبة من الجيش تحتاج إلى بحثٍ مفصَّل يشمل جميع الأطراف، أسوةً بملفّ التعيينات الذي استغرق جلستين كاملتين لحسمه.

 

شدّ الحبال وتمرير القرار

على الضفّة الأخرى، أصرّ معظم الوزراء على ضرورة اتخاذ قرارٍ – ولو جزئي – لأنّ ما يجري يعدّ كسرًا لأحد المحرَّمات السياسيّة. وأبدت الأكثريّة الحكوميّة تأييدها الصريح لمبدأ تكليف الجيش، مع تحفّظٍ وحيد أبداه وزير التنمية الإداريّة فادي مكّي، الذي دعا إلى ترك مسألةِ المهلة الزمنيّة للجيش ليحدّدها عند وضع خطّته، وعدم تقييده مسبقًا بمواعيد محدَّدة.

موقف الوزير الشيعي الخامس في الحكومة، غيرِ المحسوب على الثنائي، فسّره البعض بأنّ مكّي وجد نفسه محرَجًا سياسيًّا في ظلّ رفض الأكثريّة الشيعيّة للقرار، والأجواء الرافضة في بيئته.

طال النقاش حول توقيت إعلان القرار وجدولِه الزمني؛ إذ شدّد بعض الوزراء على ضرورة تحديد مهلٍ واضحةٍ للجيش وإنهاء البحث في كلّ النقاط للوصول إلى قرارٍ نهائيّ وشامل، بدلًا من قرارٍ جزئي، أي استكمال البحث في ورقة باراك التي تتضمّن أحد عشر بندًا، أشار رئيس الجمهوريّة إلى سبعٍ منها في خطاب عيد الجيش.

أقرّ معظم الوزراء بأنّ المهل التي تحدّثت عنها ورقة باراك – بين صفر وخمسة عشر يومًا، ثم بين خمسة عشر يومًا وشهر – غير واقعيّة. وأكّد رئيس الجمهوريّة، استنادًا إلى خبرته السابقة في قيادة الجيش، استحالة تحقيقها عمليًّا. لذلك وافقت الغالبيّة على تكليف الجيش وضعَ خطّةٍ يقدّم معها جدولًا زمنيًّا أكثر قابليّةً للتنفيذ حتى نهاية العام الحالي. كما كشف أحد الوزراء لـ"المدن" أنّ رئيس الجمهوريّة أبدى انفتاحًا على إمكانيّة تمديد المهلة إذا لزم الأمر، معتبرًا أنّ حتى مهلة نهاية العام "خياليّة".

 

انطباعٌ أوّلي والقرار الحاسم

أكّدت مصادر حكوميّة أنّ الأجواء – على صعوبتها – كانت إيجابيّة، وأنّ الوزراء عبّروا بحرّيّة عن آرائهم، وبدأوا مقاربة الملفّ من زواياه الاقتصاديّة والاجتماعيّة؛ إذ أشار وزير الاقتصاد إلى أنّ "الاستثمارات مجمَّدة، والإيرادات انهارت؛ فاقتصادنا كان حجمه 12 مليار دولار وأصبح 4.5 مليارات، ونحن ندير الدولة بثلث الإيرادات".

ونوّه وزراء الزراعة والصناعة والشؤون الاجتماعيّة، وسواهم، إلى "الحصار" الذي يعانيه لبنان على المستويات الزراعيّة والصناعيّة والمساعدات الدوليّة، في ظلّ غياب الحماسة لأي دعمٍ مباشر أو عبر مؤتمرات استثمار، كالتي يحضَّر لها في الخارج لدعم لبنان في الخريف المقبل.

لذلك، ينتظَر أن تشهد جلسة الخميس نقاشًا أشمل في ضوء ما صدر عن الوزراء من ملاحظات، علمًا بأنّ الجميع أجمع على أنّ مهل باراك غير منطقيّة، وأنّ الخطّة التنفيذيّة يجب أن تخرج من رحم المؤسّسة العسكريّة. ويرى بعض الوزراء أنّ القرار المتَّخَذ – ولو كان ناقصًا – فتح الباب أمام معالجة جدّيّة لملفّ طالما شكّل مادّة انقسام وتهديدًا لاستقرار البلاد.

وهكذا، تتّجه الحكومة إلى اختبارٍ جديد يوم الخميس: إمّا استكمال القرار، وإمّا تأجيله… بانتظار التوافق أو الحسم، من دون أن يغيب عن بال أحد حجم الأخطار المحدقة بالبلد إذا تحوَّل رفض حزب الله تسليمَ السلاح – من بروفا شهدتها بعض الشوارع تحت عنوان دعم الاحتفاظ بالسلاح – إلى ما هو أخطر على مستوى المواجهة، في حال لم تحسم الدولة أمرَها تجاه متطلّبات وشروط المجتمعين الإقليمي والدولي وتنضمّ إلى قطار التغيير العابِر لكلّ دول المنطقة.