المصدر: المدن
الكاتب: غادة حلاوي
الثلاثاء 18 تشرين الثاني 2025 11:03:33
في زيارة مقرَرة منذ فترة، وصل الموفد السعودي يزيد بن فرحان إلى لبنان على رأس وفد كبير. وتنقسم الزيارة بين جانب اقتصادي يرتبط بالوفد المرافق الذي سيشارك في المؤتمر الاقتصادي المنعقد اليوم، وبين جانب سياسي لا يقل أهمية ويعني بن فرحان بصورة خاصة.
لقاءات متعددة بدأت مسارها من بعبدا حيث عقد اجتماع مطول بعيداً عن الإعلام. قضايا كثيرة طرحت للنقاش، بعضها داخلي يتصل بالأوضاع في لبنان، وبعضها الآخر مرتبط بملفات إقليمية لها انعكاس مباشر على الساحة اللبنانية. وحتى لحظة وصول الموفد السعودي، لم يكن لبنان على بيّنة كاملة بما يحمله معه، غير أنّ الملفات المطروحة للبحث معروفة في السياق السياسي، وأبرزها: سلاح حزب الله، الانتخابات النيابية، مؤتمرا دعم الجيش وإعادة الإعمار.
وتأتي زيارة بن فرحان قبل ساعات من اللقاء المرتقب بين ولي العهد محمد بن سلمان والرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهو لقاء يتوقع أن يحضر فيه لبنان ضيفاً على طاولة البحث ضمن ملفات المنطقة الممتدة من سوريا إلى لبنان وصولاً إلى غزة. وتولي المملكة اهتماماً خاصاً بالوضع في سوريا وارتباطه الوثيق بالوضع اللبناني، كما يهمها إعادة تثبيت حضورها ودورها في ظل تزاحم الموفدين الدوليين إلى لبنان، وما يتلقاه البلد من عروض لم تكن السعودية بعيدة عنها، ونعني هنا مباحثات الموفد الأميركي توم باراك ومورغان أوتاغوس.
السعودية حاضرة ولم تغب
وفي الشأن الداخلي، لم تكن السعودية بعيدة عن الخطوات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية في ما يتعلق بسلاح حزب الله، كما أنها تتابع عن قرب النقاش الدائر بشأن قانون الانتخاب. فالمملكة لطالما كانت حاضرة، وقد تراجع دورها عن قصد خلال الفترة الماضية من دون أن تغيب بالكامل، وها هي اليوم تعود من جديد من دون أن يُفهم ذلك على أنه تراجع عن شروطها المتعلقة بسحب سلاح حزب الله، وتقليص دوره العسكري، وضبط دوره السياسي. فشروط المملكة لم تتغير، فيما يؤكد لبنان أنّ الحوار مع حزب الله انطلق، وأنّ الجيش ماضٍ في تنفيذ خطته جنوب الليطاني. وليس من قبيل المصادفة رئيس الجمهورية مرسوم إحالة "مشروع قانونٍ معجّلٍ" إلى مجلس النوّاب لتعديل وتعليق موادّ من قانون الانتخابات النّيابيّة.
المراد قوله هنا هو أنّ لا تغيير في السياسة السعودية تجاه لبنان. فالشروط نفسها لا تزال مطلوبة للحصول على الدعم في مؤتمري الجيش وإعادة الإعمار، وحتى المشاركة السعودية في المؤتمر الاقتصادي لن تتحوّل إلى خطوات عملية ملموسة قبل أن يبادر لبنان إلى تنفيذ المطلوب منه في ما يخصّ السلاح والإصلاحات.
ورغم المؤشرات الإيجابية المتواضعة، لا يزال لبنان تائهاً في تحديد موقعه داخل المنطقة وفي ما يجري حوله. فهو يعوّل على لقاء بن سلمان ــ ترامب، وينتظر قرار مجلس الأمن بشأن غزة، ويراقب ما ستستقر عليه الأوضاع في سوريا، فيما تبقى عينه على التوسّع الإسرائيلي في نقاط الاحتلال جنوباً وعلى الجدار العازل الذي اقتطعت فيه إسرائيل أراضيَ لبنانية تحت مرأى ومسمع الدول المشاركة في الميكانيزم.
وسيخوض بن فرحان، عبر سلسلة لقاءات لبنانية، في عرض تصوّر المملكة للوضع الإقليمي وموقع لبنان فيه، وما يترتب عليه فعله للحفاظ على دوره في ظل المتغيرات المتسارعة.
معاون بري في طهران: موقع لبنان من الحوار مع المملكة
على المقلب الآخر، كان المعاون السياسي في طهران علي حسن خليل يتابع مسار الحوار الإيراني ــ السعودي. وللزيارة خلفية تعود إلى يوم زار رئيس المجلس القومي علي لاريجاني لبنان، إذ فاتحه رئيس مجلس النواب نبيه بري بإدراج لبنان ضمن التفاهمات الإيرانية ــ السعودية، وقد أعطى لاريجاني يومها إشارة إيجابية لتفعيل الموضوع. غاب لاريجاني، وبقي الوضع على حاله: ضربات إسرائيلية متتالية، لا إعمار ولا مساعدات، فيما يواصل حزب الله تمسّكه برفض مبدأ التفاوض على السلاح، وقد جاء بيانه الأخير الرافض للمفاوضات بمثابة تطويق لمساعي برّي المنفتح على المبادرات المتعلقة بالمفاوضات غير المباشرة.
اللقاءات التي يجريها المعاون السياسي لبرّي في طهران شملت لاريجاني ورئيس مجلس الشوري محمد باقر قاليباف ووزير الخارجية عباس عراقجي، ومسؤولين أمنيين رفيعي المستوى. وهو يسعى إلى استكشاف آفاق الحوار الإيراني ــ السعودي وموقع لبنان ضمنه، وما يتلقاه لبنان من عروض لمفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل، وموقف حزب الله منها. ومن خلال مباحثات برّي وبيان حزب الله، يظهر بوضوح التباين في مقاربة موضوع المفاوضات.
عام كامل انقضى على نهاية الحرب، والواقع في الجنوب يزداد سوءاً: استهدافات يومية، شهداء، غياب للإعمار والدعم، وتضييق مالي على حزب الله يصعّب عليه الإيفاء بالتزاماته تجاه بيئته، في حين تبدو الدولة عاجزة. وفي الوقت نفسه دخلت إيران في مفاوضات مع الأميركيين وتحاورت مع السعودية. وأن تستقبل إيران موفداً من برّي يعني أنه زائر يحمل رسالة وسيعود منها برسائل.
ومن الزيارة إلى ما سبقها من حراك للموفدين إلى لبنان، ومن بينهم بن فرحان، تتضح محاولات سباق مع المهلة التي حدّدها وفد الخزانة الأميركية بستين يوماً، والتي ستحدّد وضعية لبنان سواءً في ما يتعلق بالمفاوضات مع إسرائيل أو احتمال عدوان موسّع. أما الزيارات البروتوكولية للسفير الأميركي الجديد، فلم تحمل أي مؤشرات، إذ التزم الصمت في جولاته على المسؤولين، فيما الجميع ينتظر ما سيحمله من جديد يستكمل فيه مسار باراك وأوتاغوس.
أفكار لتسوية لم تنضج
وهذا المسار لم يكن السعودي بعيداً عنه، ولن يكون بعيداً عمّا سيتفق عليه اللبنانيون بشأن الانتخابات النيابية التي دخلت في صلب الحوار المباشر بين عون وحزب الله، إلى جانب ملف السلاح وخطة الجيش. وتعمل بعبدا على الوصول إلى صيغة أو اتفاق أو تسوية ترعاها واشنطن، ويكون فيها السعودي شريكاً مباشراً، محورها موقع لبنان في التسوية الإقليمية الشاملة والمفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، وهي المفاوضات التي طُرح موضوعها على لبنان من دون التوصل إلى موقف موحّد بشأنها حتى الآن. وربما يكون هذا بالضبط ما حمله موفد برّي إلى طهران لاستطلاع موقف إيران، وما يبحثه الموفد السعودي، وما جاء للاستفسار عنه الموفد الفرنسي، وما يحاول المصري أن يكون شريكاً فيه. كلّها أفكار مطروحة لا تزال بلا أسس واضحة، لأن شرطها الأساسي لم يتحقق بعد: مفاوضات مباشرة وموقف علني من حزب الله بشأن سلاحه.