"يوم العودة" إلى جنوب لبنان أغرقته تل أبيب بالدماء ... فهل ينهار وقف النار؟

سؤالان لا ثالِث لهما أطلّا من خلف مشهد التوتّر الأعلى في جنوب لبنان الذي اهتزّ استقرارُه الهشّ أمس مع مجزرةٍ إسرائيلية على طريق العودة إلى قرى قررتْ تل أبيب في شكلٍ أحادي الجانب إبقاءها «وراء قضبان» الاحتلال، فسقط من أبنائها ما لا يقلّ عن 22 ضحية (بينهم 9 أطفال ومسعف) و124 جريحاً أمام بيوتاتٍ صارت مجدداً ركاماً من... دم ودمار.

... هل انهار اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل في اليوم الستين الذي كان يُفترض أن يشهد اكتمالاً لم يحصل للمرحلة الانتقالية، بسحْب تل أبيب جيشها إلى ما وراء الخط الأزرق، وإشراف بيروت عبر الجيش اللبناني على انسحاب «حزب الله» إلى شمال الليطاني وتفكيك بنيته العسكرية كاملة في جنوبه؟
أم أن غضبةَ أهالي نحو 63 بلدة، كرّستْ إسرائيل حظْرَ الدخول إليها بعدما مدّدتْ احتلالَها لها ومن دون تحديد «صلاحية انتهاءٍ»، ستكون أقرب إلى «عاصفة وتمرّ» رغم الدماء التي سالتْ، بحال تمّ التوصل سريعاً إلى تَفاهُم على وهج بعض التراجعات الإسرائيلية من عدد من القرى على «قوْننةِ» فترةٍ جديدة من بقاء الجيش الإسرائيلي في مناطق محددة من ضمن ملحقٍ لاتفاق 27 نوفمبر تتولى ترتيبَ إمراره إدارةُ الرئيس دونالد ترمب ويجد لبنان نفسه مضطراً لتجرُّعه تَفادياً لحربٍ تتجدّد وهذه المرة على مسرحٍ جيو – سياسي عصفت به تحوّلاتٌ كبرى وُضع المحور الإيراني و«حزب الله» في مهبّها؟

ويرتكز السؤالان اللذان يؤشران إلى عودة جبهة الجنوب إلى دائرة «خطر الاشتعال» العالي على خلفيتيْن للمشهدية البالغة الحساسية التي ارتسمت أمس وراوحت بين حدين:

* الأول هو الخلفية «الظاهرة» المتمثّلة في استحقاق انقضاء مهلة الستين يوماً من دون أن يكون رعاة اتفاق 27 نوفمبر، ولجنة الإشراف الخماسية على تنفيذه (تترأسها الولايات المتحدة عبر جنرال أميركي وتضم ضباطاً من فرنسا واليونيفيل إلى جانب لبنان وإسرائيل) وفّروا «بوليصة تأمين» لتغطية خرق إسرائيل مضامين الاتفاق في الشق المتعلق بفترة الشهرين للانسحاب، ما جَعَلَ الأهالي التواقين للعودة إلى شريط من القرى الحدودية التي غادروا القسم الأكبر منها منذ بدايات «طوفان الأقصى»، يصرّون على دخولها ما أن دقّت «ساعة الـ 60» وأياً تكن النتائج بهدف استعادة الأرض وتفقُّد المنازل وحتى ضمان انتشال جثامين مازالت تحت الأنقاض لمفقودين.

حركة الأهالي «مدفوعة»!

- والحدُّ الثاني هو أن حركةَ الأهالي «مدفوعة» من الخلف من «حزب الله» على قاعدة «نحن هنا» لمحاولة «إصابة أكثر من حجر» بينها:

- الضغط لتحقيقِ الانسحابِ من دون أي تمديدٍ وذلك لقطْع الطريق على أي أهداف لتل أبيب من نوع إقامة منطقة عازلة على امتداد الحدود الجنوبية للبنان (من القطاع الغربي في الناقورة حتى الشرقي في كفرشوبا مروراً بالقطاع الأوسط) سواء تحت عنوان ضمان أمن شمال إسرائيل أو ربما لاستخدام ذلك ورقة لمزيدٍ من الدفع نحو تطبيقِ كل اتفاق وقف النار بروحيته وبنوده ذات الصلة بتفكيك البنية العسكرية لحزب الله حتى في شمال الليطاني.

- محاولة بعْث الحياة من جديد في سردية «الجيش والشعب والمقاومة» والدفع في اتجاه إحراج العهد الجديد الذي كان حاسماً في تحديد «خيار الدولة والجيش»، وهو العهد الذي ورث اتفاقاً أساء الثنائي الشيعي، حزب الله والرئيس نبيه بري، التفاوض عليه كما أساء إدارة الحرب التي زج لبنان بها.

توظيف مشهدية الأحد

وثمة من يعتقد أن الثنائي سيسعى إلى توظيف مشهدية الأحد وتسييلها في غمرة مساعي الرئيس المكلف نواف سلام المستمرة لتشكيل حكومةٍ بمواصفات المرحلة الجديدة التي عبّر عنها انتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية في 9 يناير الجاري، وسط إصرار الغالبية الصريحة من القوى السياسية على رفْض أي استعادةٍ في بيانها الوزاري لمعادلاتٍ تغطي دور «حزب الله» العسكري تحت عنوان «المقاومة»، وحتى على أن تكون التركيبة الحكومية بتوازناتها وطبيعتها ورفض الامتثال لإصرار بري والحزب، وبخلفية «التوقيع الميثاقي» في السلطة التنفيذية على أن تبقى حقيبة المال من حصتهما.

وبمعزل عن هاتين الخلفيتين المتشابكتين، فإنّ آفاق اليوم التالي للأحد الدموي بدت محكومةً بكيفية تَعاطي إسرائيل مع المعطى المفاجئ الذي فاجأ قواتها في جنوب لبنان، وسط اعتقادٍ بأن مروحة خياراتها ستتبلور في ضوء أمرين:

- الأوّل انتظار هل ستكون الاندفاعة الشعبية التي حصلتْ أمس «هبّة عابرة» وتنتهي بعد أن يكون الأهالي تفقّدوا قرى لا مقوّمات حياة فيها من أي نوع فيعودون للانكفاء عنها ويتمدّد الاحتلال، أم سيبقون على أطلال بلداتهم وتتوالى الوفود ومن مناطق بعيدة حتى، بما يُبْقي فتيل التوتر الدائم واليومي، وهو ما سيدفع تل أبيب إما إلى انسحابٍ مستبعد تحت الضغط الأهلي وإما إلى هروب إلى الأمام والتلويح بالحرب مجدداً على وقع مزيد من إراقة دم المدنيين.

- والثاني حصيلة الاتصالات الدولية المكثفة التي لم تهدأ أمس، خصوصاً مع واشنطن التي غطّت تمديد تل أبيب بقاءها في جنوب لبنان والتي لم ينقطع التواصل بينها وبين إسرائيل التي أشاعت السبت أن «الوقتَ الإضافي» لاحتلالها - الذي برّرته بأن الجانب اللبناني لم ينفّذ التزاماته من اتفاق وقف النار بنشر الجيش في كامل جنوب الليطاني وضمان سحب «حزب الله» إلى شمال الليطاني – هو 30 يوماً تسعى إلى إقناع إدارة ترامب بها، وسط تقارير إسرائيلية تحدثت عن حاجة للبقاء لأسابيع تتجاوز الشهر.