يوم بشّر الملاك جبرائيل العذراء... هل تجمع "مريم" اللبنانيين؟

اليوم عيد البشارة. هو يوم عطلة. يوم ربيعي في لبنان وعطلة رسمية و "راحة"، في زمن لا راحة فيه من النقّ والقلق والانتظار عند قارعة الأحداث اللامتناهية. المسيحيون يحتفلون والمسلمون أيضاً. لنا بشارتنا في ترتيب أول الأعياد عند المسيحيين وحلول يسوع في أحشاء العذراء. هو رأس الأعياد. وهو يوم خاص للمسلمين أيضاً. للعذراء، والدة يسوع، موقعها في الإسلام. جميلٌ هذا العيد خصوصاً في بلدٍ مثل لبنان ينقسم فيه أهله على أمور كثيرة. فهل من جبرائيل اليوم يبشّرنا بالأمان والنجاة من كلّ الشرور؟ وهل صحيح أن لبنان واحد موحّد أم أننا نكذب على بعضنا بعضاً؟

في عيد البشارة ننتظر إشارة. ننتظر التقاء. لكن، هل من صيغة في الأزمنة الرديئة قادرة على أن تجمع بالفعل في لبنان بين طوائف تتكابر؟ في كل مرة يعجز فيها السياسيون عن الحوار ويُصبح عبثياً نتمسّك بالحوار السماوي. لكن، ألا يحتاج هذا أيضاً إلى كلمة سرّ من زعماء أرضيين؟ هل الدعوة إلى الالتقاء بين الطوائف مجرّد قرقعة؟ في كل مرة نقول فلنحاول هذه المرّة بعد وإذا لم ننجح نكون قد حاولنا. المحاولة هي حبّة مسكّن لأزمتنا في لبنان منذ كان لبنان الذي قيل عنه رسالة.

اليوم، يُقال فرصة جديدة. هو عيد البشارة العيد الوطني الثاني، بعد عيد الاستقلال، الذي يجمع المسلمين والمسيحيين في بلادنا. فما حكاية هذا العيد؟ ناجي خوري، هو أمين عام اللقاء الإسلامي المسيحي معاً نحو سيّدتنا مريم. نعم، مريم العذراء ترعى اليوم التقاء من جمعهم التاريخ والجغرافيا من طوائف على هذه الأرض. هو يعرف أن عيد البشارة فرصة جديدة للبنان واحد. ويقول "بدأت الاحتفالات بعيد البشارة عام 2007. وكان الاحتفال بهذا العيد يتمّ سنوياً، طوال عشر سنوات، بين 2007 و2017، في سيدة الجمهور. في العام 2018 احتفى اللبنانيون بالعيد في القصر الجمهوري. وفي العام 2019 في السراي الحكومي. بعدما أصدر مجلس الوزراء في 18 شباط عام 2010 مذكرة أصبح فيها العيد رسمياً عيداً وطنياً".

37 مرة ذكرت مريم في القرآن

هكذا أصبح لنا يوم عيد وعطلة. ماذا بعد؟ هل نكتفي بيوم راحة أم نسأل بالفعل عن معنى العيد؟ لا يوافق ناجي خوري أن اليوم يوم عطلة ونقطة على السطر "مشاريع كهذه تحتاج إلى عشرات السنين لتتبلور معانيها بين الناس وليفهموا أبعادها. فالعذراء مريم لها أهمية كبيرة عند المسيحيين كونها أمّ الله. واكتشفنا، مع الأيام، مكانتها عند المسلمين أيضاً، كونها أُولى نساء العالمين. هي الأنثى الوحيدة التي ذكرت في كتاب المسلمين المقدس 37 مرة. وعندها سورة مريم وسورة مريم بنت عمران، كون عائلتها من آل عمران".

"هناك من يسألنا وما للمسلمين بمريم العذراء؟ وهل مريم عند المسيحيين هي ذاتها عند المسلمين؟" يقول أمين عام اللقاء الإسلامي المسيحي معاً نحو سيدتنا مريم ذلك مضيفاً "غالبية العارفين في الموضوع من رجال دين يؤكدون هذا. هي نفسها. أما المشككون فنقول لهم: فلنفترض أنها ليست نفسها، لكن مريم المقصودة هي القيم نفسها التي ننشرها عند المسيحيين والمسلمين ونقصد بها: التضحية والتفاني والمحبة. نحن نشتغل على القيم التي تقرّب العالم وعلى الجوامع المشتركة. مريم هي الجامع".

السيدة العذراء، مريم العذراء، هي القيمة والجامع والتفاني والحبّ. وكثيرون سيتكلّمون اليوم وغداً على جدوى التلاقي الإسلامي المسيحي. وكم هذا، في بلدٍ واقف طائفياً على "صوص ونقطة"، جميل. لكن، السؤال من الآخر: هل الكلام على تلاقٍ وتعايش مجرّد وهم؟ هل نتكاذب في كلامٍ معسول؟ هل نحن بالفعل، مسلمين ومسيحيين، نتلاقى بلا ضغينة ولا عداوة ولا كراهية؟ هل عيد بشارة العذراء قادر على أن يجمعنا؟

بين التكاذب والتلاقي

أستاذ التاريخ المعاصر والباحث الدكتور أمين الياس، الذي كتب عن "لبنان الكبير- من سحر الخطأ التاريخي إلى الدور الحضاري المرتجى" لديه جواب عن سؤال: هل نكذب نحن اللبنانيين على بعضنا البعض؟ وهل مريم العذراء قادرة على أن تجمعنا؟ يبتسم الأستاذ والباحث لهذا السؤال مؤيّداً "يعيش اللبنانيون شكلاً من أشكال الانفصام". نعم، اللبنانيون يتصرّفون أحياناً بانفصامٍ عن الواقع ويقول "أظنّ أننا نواجه في لبنان، في أحيان كثيرة، كثيراً من التكاذب والمجاملات وعدم تطابق الواقع مع الظاهر. وهذا ينعكس على التعايش الجدّي الأدنى الذي لم يصل إلى حدّ التفاهم الكلي ولم يؤد إلى تطوّر المجتمع وازدهاره ولا إلى تمكين الدولة".

هذا إذاً واقع من الوقائع اللبنانية. قبالته، بحسب الدكتور الياس "هناك حدّ أدنى من الالتقاء الجميل الذي يمنح لبنان لمعانه. صحيح أن هذا لا يظهر دائماً بشكلٍ جليّ لكنه موجود بين الأشخاص العاديين والزملاء والأصدقاء من مختلف الطوائف".

أمين الياس واحد من هؤلاء الذين يعيشون الالتقاء المسيحي الإسلامي، في التطبيق لا في مجرد المسائل النظرية ويقول "معظم الأشخاص الذين يحيطون بي من طوائف أخرى، من غير المسيحيين. وأنا متزوج من امرأة من غير طائفتي ونحن سعيدان جداً. هذه حقيقة أعيشها، ومثلي كثر، لكن، في المقابل، لا ولن أنفي وجود كثير من التكاذب والمجاملات التي يفترض بنا عدم الانجرار إليها".

نعيش التناقض في لبنان "لدينا التوق إلى اللقاء والتوق إلى التكاذب والخداع في آن واحد". هذه معضلة لبنان.

اليوم، عيد البشارة. الملاك جبرائيل بشرّ العذراء مريم بحلول يسوع في أحشائها. والعذراء التي لها في لبنان 1300 كنيسة و300 مذبح، لها مكانتها عند المسلمين كما لها كل الحبّ عند المسيحيين. إذاً، العيد اليوم وطني. فلنحيَه، كما يريده المحبّون، ولننسَ المخادعين، أقلّه اليوم. فلنحاول أن نعود، في التاريخ، إلى ما قبل العام 1975 حيث كانت، بحسب أمين الياس "تجربة جميلة مشتركة. كانت تجربة حقيقية. نجح فيها اللبنانيون، مسيحيين ومسلمين، في تحقيق الإنجازات على مستوى الفن والأكاديميا والمسرح والدولة. نعم كانت الدولة مكاناً للالتقاء بين أشخاص قادرين على تحقيق الإنجازات الحضارية والصناعية والتجارية. كان التداخل السكاني في راس بيروت وراس النبع والحمراء والضواحي المتداخلة. كم كان لبنان جميلاً".

نترك الباحث أمين الياس وأمين اللقاء المسيحي الإسلامي ناجي خوري يتابعان التحضيرات والاحتفالات في عيد البشارة.

ماذا بعد؟

هل تعرفون أن لعيد البشارة حلوى يتشارك في إعدادها المسلمون والمسيحيون أيضاً؟ نعم، اتفق، من خلال مسابقة شاركت فيها نساء من كل الطوائف على اختيار حلوى سيدة البشارة، إسوة بكلاج رمضان والمغلي في عيد الميلاد والمعمول في عيدي الفصح والأضحى والزلابية والعوامات في البربارة. فما هي مكوّنات كعكة البشارة؟ طحينة وسمسم ومشمش وزبيب وجوز الهند ومجموعة أخرى من المكوّنات المتنوعة، دلالة على أهمية أن نكون متنوّعين لكن متماسكين. وهناك قالب، كما قالب المعمول، عليه طابع صورة العذراء. والعجين، عجين العيد، ليست فيه خميرة كرمز لحلول الروح القدس في أحشاء مريم من دون زرع بشريّ. هي تقاليد ومعتقدات ووسائل يعبّر بها، أو يفترض أن يعبّر بها، كل اللبنانيين.