"يوم غضب" المتقاعدين.. وشكوى جماعية أمام شورى الدولة

منذ ساعات الصباح الأولى، شهد محيط السرايّ الحكوميّ توافد أعداد من المتظاهرين، الذين حاصروا مداخله ومخارجه. وجاء ذلك استجابةً لدعوات روابط المتقاعدين من الأسلاك العسكريّة، للاحتشاد وفرض ضغط شعبّي على الحكومة المستقيلة، والمطالبة بحلول فعّالة لأزمتهم المعيشية.. وبمشاركة موظفي القطاع العام  في الاستنكار العام والإضراب، على ما اعتبروه اجحافًا منهجيًّا تمثل بالحوافز الماليّة الاستنسابيّة التّي منحها وزير المال لمجموعة محدّدة من الموظفين في عدّة دوائر حكوميّة، ومن بينها وزارته. ونجحت التظاهرة، المتسمة بطابعٍ سلميّ على خلاف التظاهرات السّابقة، في إرجاء موعد جلسة مجلس الوزراء، حين أبلغ رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي بأن هذا الإرجاء كان لتفادي أي تصادم مع المتقاعدين العسكريين.

"غضب المتقاعدين"
وشملت لائحة المطالب التّي حملها  المشاركون بالتّظاهرة، ما يلي: "وقف الحكومة العطاءات الاستنسابيّة على مختلف مسمياتها والتّي لا تهدف إلا لحرمان المتقاعد من الاستفادة منها؛ تحديد الحدّ الأدنى الانسانيّ للأجور للرتب والفئات الدنيا التّي لا يزيد راتبها اليوم عن 120 دولاراً أميركيّاً، وبالتّالي تحديد تكلفته الإجماليّة من الاعتمادات المرصودة؛ الاقتطاع من الاعتمادات المرصودة في الموزانة قيمة تكلفة الحدّ الأدنى المتوافق عليه وتوزيع الباقي بعد الاحتساب بالتساوي على الجميع، ومهما بلغت قيمته، حرصًا على الاستقرار النقديّ وسعر الصرف؛ إقرار الحكومة اليوم خطة مرحليّة لتصحيح الأجور وفقاً لتنامي مداخيل الدولة وبما يحفظ الاستقرار النقدي؛ وجوب إدماج جزء من الزيادة في أساس الراتب حفظًا لحق الموظف بتعويض تقاعدي عادل؛ ووضع خطة مع مفعول رجعي لتصحيح قيمة التعويضات التقاعديّة وفقًا لسعر صرف عادل للدولار الأميركي".

وإذ باتت تتكرّر وبصورةٍ شبه دوريّة الدعوات لـ"يوم غضب" المتقاعدين من الأسلاك العسكريّة، للدفع نحو انتزاع هذه الحقوق المسلوبة منهم، لم تعد الدعوات، قادرة على حشد جموعٍ ضخمة تحت مطلبٍ أو خطاب واحد. فتظاهرة اليوم والتّي حضرتها أعداد ضئيلة نسبيًا يشابه الأعداد التّي حضرت أمس وفي الأسابيع القليلة السّابقة، لا تلاقي تطلعات الروابط الداعيّة إلى تصعيدٍ شعبيّ في ساحات التظاهر الدائمة، كما كان هو الحال منذ أشهرٍ خلت.

اليأس والأمل أيضًا
والحال، أن واقع التظاهرات المطلبيّة، المنحدر تدريجيًّا، يتماشى والروحيّة التّي بات يعتنقها غالبية المتقاعدين، والمتذبذبة بين قطبين متعاكسين، وهي اليأس المتفرع عن التصريحات الرسميّة التّي اقنعت هؤلاء بأنهم فئات غير منتجة، وأن مطالبهم لا تُحقق سوى على حساب المواطنين أي عن طريق فرض ضرائب إضافيّة أو حتّى الاقتطاع من ميزانيّة محددة لسدّ فجوة النقص الذي طال معيشتهم. أو الأمل الزائف والوعود غير الواقعيّة التّي تنبثق عن تصريحات رسميّة أخرى، مقنعةً هذه الفئات أن مطالبهم محفوظة، وستُحقق في القريب العاجل، كما وعد وزير الداخليّة المؤهلين والمؤهلين أولين بالمحروقات منذ شهور (ولم يتمّ صرفها حتّى اللحظة)، أو تأتي على شكل مقترح قانون، كالذي تقدم به مجموعة من النواب، نهار أمس الخميس 22 شباط الجاري.

المقترح القانوني الرامي إلى "تسويّة معاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة في القطاع العام"، لم يحظ بشعبيّة واسعة في صفوف المتقاعدين، وكذلك عدد لا بأس به من الحقوقيين، الذين اعتبروا أنه لم يراعِ بشكلٍ جديّ وحصريّ أوضاع المتقاعدين، وذلك لا لشائبةٍ في نيّة النواب المتقدمين بالمقترح، بل لغياب دراسة فعليّة لدور مثل هذا المقترح في تحسين فعليّ لأوضاع المتقاعدين، مع مراعاة الفروقات بينهم، أكان في المسمى الوظيفيّ، وموعد التقاعد (قبل الانهيار وبعده ولاحقًا)، وغيرها. وأشار عدد من المراقبين القانونيين لـ"المدن" أن توقيت المقترح ليس مناسبًا، وخصوصًا في ذروة غضب القطاع العام، وكأنه تسجيل موقف وحسب، وبثّ آمال غير واقعية للمتقاعدين لامتصاص غضبهم.

سُبل مطلبيّة جديدة
وفي حديثه إلى "المدن" أشار المحامي علي عباس، أنّه توكل قانونيًّا عن تحرك جديد للمتقاعدين من الأسلاك العسكريّة المختلفة. وقال إن هذا التحرك يختلف جذريًّا عن باقي الروابط والتجمعات، إذ يستعد أعضاء هذا التّحرك لتقديم شكوى جماعيّة (تترواح الأعداد بين 700 وألف تقريبًا) أمام مجلس شورى الدولة، ترمي للاستحصال على تعويضات نهاية الخدمة، بقيمتها الحقيقية، التّي تآكلت واندثرت مع تقدم سنوات الانهيار الماليّ، وأكدّ عباس "هذه الشكوى تنطوي على حقيقة أساسيّة وهي التجليّ المطلق لمبدأ العدالة والمساواة، وتُعد سابقة في وقتنا الحاليّ، لأن آخر شكوى مماثلة كانت تقدمت بها شرطة بلديّة بيروت في ثمانينيات القرن الماضي". مع الإشارة لكون مثل هذا القرار وإن صدر، فقد يكون له مفعول رجعيّ نسبيّ (أي لا يطال كافة المتقاعدين)، أو يشمل الجميع حين يعمد كل صاحب حقّ إلى تقديم طلبه لدى المراجع المختصة.

وأضاف المحامي، لدى سؤاله عن مدى أهمية مثل هذه الخطوة، اليوم، وهل هي قابلة فعليًّا للتحقق بالقول: "قد تتذرع السّلطة بأن لا أموال كافيّة لتحقيق قرار مجلس شورى الدولة (في حال صدر لصالح المتقاعدين)، لكن هنا تقع أهميّة هذه السّابقة وجدواها الحقيقي المتعدد الصعد، حيث يُرغم القرار السّلطة على دفع ديونها لهؤلاء الذين راكموا تعويضاتهم من رواتبهم طيلة سنوات خدمتهم، من دون أي منّة أو شفقة، ولا يُتيح لها المجال للادعاء أن المخرج هو برفع الضرائب على المواطنين وأن حقوق المتقاعدين تأتي على حساب المواطنين، بل على العكس، تظهر حقيقة أن الأموال المستحقة لا تُجمع سوى من مزاريب الهدر والفساد، واليوم أعين المتقاعدين في هذا الحراك، منصبة على الهدر المزمن في ملفات عالقة، كالأملاك البحريّة والتهرب الجمركيّ".