المصدر: نداء الوطن
الكاتب: طوني عطية
الثلاثاء 12 آب 2025 07:16:17
إذا كانت السياسة فنّ الممكن، فالأيديولوجيا هي أسر الممكن بالمطلقات. معها يصبح المنطق والعقل عبثًا والاختلاف والرفض خيانة. لذا، عندما يقول "حزب اللّه" على لسان مسؤوليه أو عبر إعلامه والدائرين في سجنه العقائدي، إنّ غالبية الشعب تناصره وترفض قرار الحكومة بسحب سلاحه، فهذا يعني، أنّ الأيديولوجيا تتكلّم حتى لو كساها ومَنطَقها بالعلم والدراسات والإحصاءات.
يُجيد "الحزب" فنّ التعظيم والتسويق لنفسه. أنشأ لهذه المهمة جيشًا مطيعًا من أكاديميين وباحثين وإعلاميين وخبراء عسكريين، عطّلوا الاستدلال واليقين واعتمدوا مخيّلة خاوية من العقلانية. ساهمت تلك "الماكينات المستوردة من الحقبة السوفياتية"، أو من خرّيجي معاهد "البعث"، في رسم صورة "الحزب" الذي لا يُقهر، الذي يتمتع بتخطيط ورؤى استراتيجية وإدراكات عميقة محجوبة عن باقي اللبنانيين، وقدرات عسكرية تُرعب الأعداء. لكن حين دقّت ساعة الامتحان الحقيقي كانت النتيجة حروبًا وتهجيرًا وخرابًا وهزيمة.
أما آخر الإبداعات المستوحاة من "ديمقراطيات الأسد" في إظهار تأييد الشعب السوري له وغرامه به، فهو استطلاع للرأي اخترعه "الحزب" عبر إحدى وسائله الإعلامية، يؤكّد أنّ أكثر من نصف اللبنانيين يرفضون "سحب سلاح المقاومة". هذه النسبة (60 %) لم تُرضِ نائب رئيس المجلس السياسي لـ "حزب اللّه"، الوزير السابق محمود قماطي. فأعلن في تصريح بعد لقائه الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني، حنا غريب، أنّ الشعب اللبناني كلّه (ليس نصفه أو ثلثيه، بل كلّه) "سيتصدّى للحكومة إن حاولت تنفيذ قرارها".
إزاء هذه الثقة العالية الجازمة والحاسمة لقماطي من جهة، والنسب "العلمية" للاستطلاع المزعوم من جهة أخرى، اعتبر المدير العام لمؤسسة Global Vision للإحصاء والدراسات، والخبير في الشؤون الانتخابية، طانيوس شهوان في منشور له، أنّ "الرصانة العلمية تقتضي تبيان ما يلي:
أوّلًا، إنّ الجهة المنظمة للاستفتاء تنتمي بالمعنى السياسي والأيديولوجي لخط "المقاومة" وهي المؤسسة البحثية التابعة لهذا الخط السياسي الذي يديرها ويموّلها. وهذا سبب رئيسي للشكّ بنتيجة هذا الاستطلاع وعلميّته وموضوعيّته.
ثانيًا، على مستوى الأسئلة: هل سئل المستطلعون مثلًا إذا كان "حزب اللّه" لا يزال يمثل قوّة ردع لإسرائيل بعد تشرين الأول 2024؟
لماذا ربط موضوع سحب السلاح بوجود استراتيجية دفاعية؟ أليس هذا توجيهًا لإجابات المستجوبين؟
ما هو سياق الأسئلة بحسب ترتيبها وتبويبها؟
ثالثًا، على مستوى المنهجية: كيف تمّ اختيار العيّنة المستجوبة؟ ما هي الطريقة ووفق أية منهجية؟ كيف تألّفت العيّنة المستجوبة؟
ما هي نسب المستجوبين من كلّ الطوائف؟ ما هي التقنية المعتمدة لتنفيذ استطلاع الرأي؟ ما هي هوامش الخطأ على إجابات المستجوبين؟ هل نفذت ميدانيًا أم بطرق أخرى؟ إذا نعم ما هي؟ كيف توزّعت العيّنة على المستوى الجغرافي؟".
في الخلاصة، بات واضحًا، أنه بعد أن اتّخذت الحكومة قرار نزع سلاح "حزب اللّه"، سارع الأخير إلى استغلال جمهوره، محرّكًا مشاعر الخوف، ومحوّلًا إيّاها إلى أداة ضغط بوجه الدولة، تحت شعارات زائفة للمقاومة، بينما الهدف الحقيقي هو حماية نفوذه وسلاحه غير الشرعي. يعرف "الحزب" جيّدًا "سيكولوجية الشعوب" وكيف يتحكّم ببيئته، فهو يعلم أنه حين تغيب البصيرة وتستفحل التعبئة الأيديولوجية والعقائدية، تُقدَّس الأوهام، وتُصوّر الهزائم انتصارات.