إيران تستشرس وتجهد بقوّة لاستمرار إمساكها بلبنان

في مؤتمر صحافي عقده المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي قال إن إيران ستشارك في مراسم تشييع السيد نصر الله في حضور رسمي رفيع، مشيراً "إلى أن هذا يأتي في إطار دعم إيران المتواصل للمقاومة في لبنان". هذا الكلام الذي يضيف إلى خطابات تكررت للمرشد الإيراني علي خامنئي عن الاستمرار في دعم الحزب ، يؤشر إلى عدم تغيير إيران ومقاربتها وسعيها المستمر إلى التعدي على سيادة لبنان فيما أن مفهوم السيادة واحد ولا يقتصر على التصدي للمواقف الأميركية بل التصدي أيضا للتدخل الإيراني في الشأن اللبناني . لم يكن ما حصل على طريق المطار من جانب "حزب الله" دليل قوة بل على العكس من ذلك ولكنه يترجم في الوقت نفسه أن الورقة الوحيدة الباقية لدى طهران هي لبنان.

إذ إن موضوع الجنوب ولا سيما جنوب الليطاني يطبق بقوة على الحزب ويضيق عليه لأنه يفقد تماسه مع الحدود كلياً وتالياً تفقد إيران ورقة توظيفها ضد إسرائيل عبر الجنوب كذلك وحصر الحزب شمال الليطاني له تأثيرات سلبية كثيرة عليه لا سيما أن ما تقوم به السلطات السورية الجديدة على الحدود مع لبنان تساهم في إقامة حزام خانق على الحزب.

وحتى في ظل راديكالية في المنطقة يمكن أن تدفع بها مواقف الإدارة الإميركية حول غزة ، فإن لا دور لإيران والحزب في تفعيل رد فعل على غير ما سعى إليه الأمين العام للحزب نعيم قاسم بوضع الحزب جنباً إلى جنب الدول العربية في مسعاها للرد على الاقتراح الأميركي. لذلك تستشرس إيران لمواصلة الاستمرار في الإمساك بالورقة اللبنانية وعدم التخلي عنها لاعتبارين أساسيين على الأقل: أحدهما عدم رغبتها في فقدان نفوذها على البحر المتوسط خصوصاً أن خسارة سوريا شكل نكسة كبيرة بالنسبة إليها لا سيما أن الحوثيين في اليمن لا يشكلون الثقل الذي شكله ولا يزال " حزب الله" بالنسبة إليها . والاعتبار الثاني متصل بمحاولة توظيف نفوذها الباقي في لبنان من أجل ملاعبة الجانب الأميركي إذا كان ثمة تفاوض محتمل بينهما حول الملف النووي.

وعلى غير ما يعتقد كثر بأن إضعاف الحزب نتيجة الحرب الإسرائيلية يمكن أن يدفع بها إلى مراجعة حساباتها والتأقلم مع المعطيات الجديدة والحد من الخسائر التي أصيب بها الحزب، بأنها تعتمد أسلوباً آخر تعتقد مصادر ديبلوماسية أنه وراء التصعيد في المواقف التي ساهمت فيه إيران في موضوع منع لبنان الطائرات الإيرانية من المجيء إلى لبنان . فما حصل هو سعي الحزب ومن ورائه إيران إلى امتحان قدرتهما على تحدي الدولة ومؤسساتها من جهة وهامشها في دفع الأمور إلى أقصى الحدود الممكنة، فضلاً عن إحراجها والسعي إلى الاستفادة من عدم القطيعة المطلقة مع المقاربة تجاه الحزب عبر المفاوضات التي جرت مع الثنائي الشيعي حول تأليف الحكومة ومراعاته في إعادة تسميته وزير المال مجدداً كما في الحكومات السابقة، والتي يعتقد أنها أحدثت لدى الحزب آمالاً بأنه يمكن أن يعيد إحياء المقاربات السابقة التي كان يعتمدها في تحدي الدولة وسلطاتها. ومع أن هذه السلطات أظهرت عزماً ورغبة في منع تحديها مجدداً ووجهت رسائل قوية في هذا الإطار، ولا سيما أنها تحت أنظار الخارج الذي يمتحنها بدوره، وعبرت دول عدة عن دعمها للجيش والسلطة السياسية الداعمة له، فإن التحدي الأبرز هو ما إذا كانت السلطات الجديدة تستطيع أن تمارس سيادتها وقدراتها في مربعات الضاحية الجنوبية على الصعيد الأمني كذلك وليس الإعمار وفق ما طالب الشيخ نعيم قاسم . ونقطة أخرى مهمة إن إعادة الإعمار في الجنوب قد لا تتوقف على إقفال الجبهة في الجنوب فحسب، بل على استعادة الدولة اللبنانية سيادتها وأن تكون دولة واحدة بسلطاتها وحدها.

في ظل واقع لبنان راهناً تحت المجهر الخارجي عبر الجنوب والداخل على حد سواء، أثار إرجاء هبوط الطائرات الإيرانية في مطار بيروت إلى ما بعد 18 شباط تساؤلات عما إذا كان سيتاح لها ذلك بعد هذا التاريخ بحيث تنجح إيران في دفع لبنان إلى انتهاك وقف إطلاق النار بينه وبين إسرائيل لا سيما إذا قدمت إسرائيل ذريعة بعدم انسحابها من خمس نقاط استراتيجية في الجنوب اللبناني. هذا الأمر يشكل تحدياً في حد ذاته لا يقل أهمية عن التحدي بطلب مواجهة الجيش اللبناني الحركات الاعتراضية على طريق المطار بحيث إن إيران تضغط بقوة مع الحزب في اتجاه إتاحة لبنان لطائراتها بالهبوط في مطار بيروت. وهو ما يشكل امتحاناً كبيراً لرئيس الجمهورية والحكومة على نحو مبكر جداً حتى قبل نيل الحكومة الثقة من مجلس النواب في ظل السعي إلى لَي ذراعها قبل هذا الموعد كذلك لا سيما في ظل التحضير الواسع لتشييع السيد نصرالله على نحو يريد الحزب وإيران توجيه رسالة من خلاله إلى لبنان والخارج الإقليمي والدولي كذلك في الوقت نفسه.