المصدر: النهار
الاثنين 18 تشرين الثاني 2024 06:43:26
بات في حكم المؤكد أن الاسبوع الطالع سيشكل أسبوعاً مفصلياً حاسماً لرسم الاتجاه الذي ستسلكه الحرب في لبنان والتي حوّلتها إسرائيل في الأيام الأخيرة إلى كابوس رعب معمّم بعدما رفعت وتيرة التصعيد على الجبهة البرية الحدودية وعبر الغارات الجوية على الأعماق في الداخل اللبناني إلى ذروة غير مسبوقة في العنف والشراسة.
وفيما يقترب العد العكسي من موعد تبلّغ الجانب الأميركي الوسيط، الرد اللبناني على الاقتراح الذي تبلّغه رئيس مجلس النواب نبيه بري من السفيرة الأميركية ليزا جونسون قبل أيام لتسوية تُطلق اجراءات تنفيذ القرار 1701 كأساس لوقف النار، جاء الاندفاع الإسرائيلي نحو إلهاب تصعيد دائري في كل الاتجاهات ليرسم ظلالاً من القتامة المتزايدة على حظوظ مرور الوساطة الأميركية من خروم التصعيد العسكري، علماً أن جانباً غامضاً آخر يواكب هذا التصعيد ويتمثل في عدم معرفة جواب “حزب الله” بعد على الاقتراح الذي يُفترض أن يشكل اساساً للرد الذي سيبلغه بري إلى الموفد الأميركي آموس هوكشتاين على الارجح غداً الثلاثاء لدى زيارة الأخير لبيروت قبل أن ينتقل منها الاربعاء إلى تل ابيب.
معالم التصعيد المخيف الذي أطلقته اسرائيل في اليومين الأخيرين بدت على ارتباط وثيق بالضغوط لحمل الجانب اللبناني المفاوض على القبول بالنقاط الشائكة الواردة في الورقة الأميركية. وكان اغتيالها لمسؤول العلاقات الاعلامية في “حزب الله” محمد عفيف أبرز مؤشرات هذا التصعيد النوعي، إذ شكّل اغتياله في قلب منطقة رأس النبع نقلة خطيرة من استهداف إسرائيل للقادة الأمنيين والعسكريين إلى المسؤولين الإعلاميين والسياسيين. كما اقترن ذلك مع تطور لافت تمثّلَ في توغل الاستهدافات الجوية المدمرة إلى مناطق مسيحية على اختلاط مع المناطق الشيعية مثل الحدث والشياح وعين الرمانة.
وتتجه الأنظار في الساعات المقبلة الى مصير التحرك الدبلوماسي مع الوصول المرتقب غداً لهوكشتاين إلى بيروت ما لم يطرأ أي طارئ. وفي هذا السياق أفادت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين أن اكثر من مسؤول فرنسي أكد لـ”النهار” أن التنسيق وتبادل التقييم بين فرنسا والولايات المتحدة يجري بشكل مستمر منذ اللقاء الأخير الذي تم بين الرئيسين جو بايدن وإيمانويل ماكرون في قمة باريس في الصيف الماضي. وتوقعت مصادر فرنسية رفيعة أن يزور هوكشتاين العاصمة الفرنسية بعد جولته في لبنان وإسرائيل. وقالت إن الورقة الأميركية ليست بعيدة عن الطرح الفرنسي لوقف النار الذي تم تقديمه قبل شنّ إسرائيل الحرب الواسعة على لبنان.
تجدر الإشارة إلى أن الجانب الأميركي أكد للفرنسيين أن هوكشتاين نال من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الضوء الأخضر لمسعاه في لبنان. وكشفت مصادر فرنسية مطلعة لـ”النهار” أن ما يجري حالياً هو البحث في تقليص التصعيد ووقف النار بين إسرائيل و”حزب الله”، والموضوع الأساسي الآن هو معرفة حقيقة ما يدور في ذهن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بالنسبة إلى حربه في لبنان واحتمال انسحابه. فالاقتراح الأميركي يسعى لوقف النار حالياً وبعد ذلك التفاوض لتنفيذ القرار 1701، وينبغي أولاً معالجة وقف الحرب وإقناع إسرائيل بالانسحاب والاتفاق على من يضمن سحب “حزب الله” سلاحه من جنوب الليطاني. وزيارة هوكشتاين إلى بيروت المتوقعة الثلاثاء ستتركز على النقاط التي أراد توضيحها رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري حول الورقة الأميركية التي بحسب مصادر فرنسية وأميركية لم يرفضها بري لكنه طلب تعديل بعض النقاط منها حول الجنسيات التي ستُمثل في آلية مراقبة وقف النار وكيفية عمل هذه الآلية. فهناك نقاط عدة مطلوب توضيحها.
إلى ذلك، تقول مصادر دبلوماسية غربية انه تم تدمير قدرات “حزب الله” بشكل كبير إضافة إلى البنية التحتية المدنية والاقتصادية والاجتماعية ومخابئ أمواله لكن ما زال للحزب قدرات عسكرية وصواريخ وهو مستمر في استخدامها وأن تهريب الأسلحة من سوريا إلى لبنان أصبح غير ممكن بسبب مراقبة إسرائيل المعابر وقصفها المستمر لها.
اغتيال محمد عفيف
في غضون ذلك، شهد التصعيد الاسرائيلي تطوراً خطيراً تمثّل في اغتيال الناطق باسم “حزب الله” محمد عفيف في غارة شنها الطيران الحربي الإسرائيلي على مبنى مقر حزب البعث العربي الاشتراكي في منطقة رأس النبع في بيروت، وقد أدت الغارة إلى دمار كبير وتضرر عدد من السيارات بالإضافة إلى حالة ذعر بين سكان الشارع المستهدف. كما قتل محمود الشرقاوي احد معاوني عفيف. ويعتبر عفيف من أبرز الوجوه الاعلامية والمدنية في الحزب إذ تبوّأ المركز الاستشاري الإعلامي الاول في الحزب وهو مسؤول العلاقات الاعلامية منذ العام 2014 ويُعدّ من جيل المؤسسين في “حزب الله” وبدأ عمله منذ انطلاقتهم وواكب كل المراحل التاريخية والمفصلية. ويعرف بأنه كان صديقاً للأمين العام السابق للحزب عباس الموسوي ومن ثم لخلفه السيد حسن نصرالله. وتميّز بعد اغتيال السيد نصرالله باصراره على اقامة الجولات المتعاقبة للصحافيين في الضاحية الجنوبية واطلاق المواقف المناهضة للهجمة الإسرائيلية.
التصعيد الإسرائيلي طاول أيضاً الجيش اللبناني، إذ أعلنت قيادة الجيش استشهاد عسكريين وإصابة اثنين آخرين باعتداء إسرائيلي على مركز للجيش بشكل مباشر في بلدة الماري- حاصبيا.
وبلغت جولات استهداف الاعماق اللبنانية ذروة قياسية تجاوزت ما تسرّب عن قرار اسرائيلي بشن غارات على لبنان كل ساعتين، إذ إن الطيران الحربي والمسيّر لم يتوقف لحظة واحدة عن شنّ الغارات المدمرة بعدما تلاحقت الانذارات التي اطلقها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي إلى جميع السكان في منطقة الضاحية الجنوبية، كما شنّ غارة عنيفة على محيط كنيسة سيدة النجاة قبالة مستشفى السان جورج في الحدث، وأغار لاحقاً على منطقة الشياح وأطراف عين الرمانة بالقرب من مستشفى الحياة مستهدفاً مبنى سكنياً من 12 طبقة بالقرب من كنيسة مار مخايل في الشياح، وقد دمره بالكامل. وأفادت المعلومات أنّ المنزل المستهدف في منطقة الحدت تعود ملكيته إلى الفنان وديع الشيخ.