الحاكم يعاني من "الإكتئاب"

يُلاحق حاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة، بملفين أساسيين أمام القضاء اللبنانيّ، وبموجبهما صدرت مذكرات التوقيف الوجاهية بحقه. الملف الأول هو الذي تسبّب بتوقيفه لدى النيابة العامة التمييزية منذ أشهر، وهو ملف حساب الاستشارات لدى المصرف المركزي، أما الملف الثاني فهو الإثراء غير المشروع. وسيضاف إليهما ملف "فوري" خلال الفترة المقبلة، الذي سيتابعه قاضي التحقيق الأول في بيروت، بلال حلاوي بعدما تراجعت هيئة القضايا في وزارة العدل عن دعوى المخاصمة. 

ثمة الكثير من التساؤلات حول مصير الملفات القضائية الكبرى التي يُلاحق بها سلامة، وأهمها ملفا "فوري" و"أوبتيموم إنفست". الملفان يتضمنان فضائح بالجملة، تطاول مجموعة كبيرة من الأسماء لشخصيات متورطة. الوقائع التي سُربت سابقًا تؤكد قيام المصرف المركزي بالكثير من العمليات المشبوهة عبر شراء سندات الخزينة. الملفان يرتبطان ببعضهما البعض، فشركة فوري الوهمية، المسجلة باسم شقيق الحاكم، رجا سلامة، الملاحق لدى القضاء الأوروبي أيضًا، حققت أرباحًا خيالية من المصرف المركزي، وتخطت نسبة العمولات الـ300 مليون دولار أميركي، لقاء خدمات وهمية لم تكن موجودة أصلًا، وبدأت عملها في العام 2001 حتى 2015 واختفت، أما شركة "أوبتيموم" فظهرت فجأة بعد توقف عمل "فوري" من العام نفسه.

والأهم، أن ملفي فوري وأوبتيموم، غاصت بهما الوفود الأوروبية التي راجعت القضاء اللبناني مرات عديدة بشأن استجواب الكثير من الشخصيات المصرفية والسياسية قبل أن تصدر مذكرات توقيف دولية بحق الحاكم، ويتم تعميمها عبر الإنتربول، ومن بعدها استكملت فرنسا تحقيقاتها، وادعت على عائلة سلامة بتكوين عصابة الأشرار. وضمن هذه التحقيقات سُرب الكثير من الأسماء السياسية التي كانت شريكة لسلامة، بطرق مختلفة، في ملفات الفساد المالي.

عودة التحقيقات
قضائيًا، بعد الإدعاء اللبناني على سلامة، الذي أتى نتيجة ضغوط دولية كبيرة بسبب توسع الوفود الأوروبيّة بالتحقيقات في ملفات الحاكم والمصرف المركزي، فُتح ملف "فوري" وبدأ قاضي التحقيق الأول، شربل أبو سمرا التحقيق في هذه القضية.  أداء أبو سمرا طرح الكثير من الأسئلة، لناحية المحاباة بينه وبين الحاكم، الأمر الذي امتعضت منه أيضًا الوفود الأوروبية، إلا أن رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل، القاضية هيلانا اسكندر قررت إبعاده عن الملف، اعتراضًا على أدائه، وتقدمت بدعوى مخاصمة، فتوقف الملف بشكل نهائيً لأشهر طويلة، وبعد تقاعد أبو سمرا وتسلّم القاضي بلال حلاوي، لم يتمكن من العودة إلى متابعة التحقيقات بسبب دعوى المخاصمة.

وعليه، تشير مصادر قضائية لـ"المدن" إلى أن رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل، القاضي كلود غانم قرر التراجع عن دعوى المخاصمة التي رفعتها اسكندر، وستسحب الدعوى ليتمكن حلاوي من استكمال التحقيقات مع سلامة، ومساعدته ماريان الحويك، وشقيقه رجا سلامة.

في المقابل، فإن التحقيقات في ملف "أوبتيموم إنفست" متوقفة بالكامل، نتيجة قرار المدعي العام التمييزي الحالي، جمال الحجار تقييد القاضية غادة عون وسحب الملفات المصرفية التي هي قيد المتابعة من قبلها، ومنع الأجهزة الأمنية من تنفيذ أي إجراء متخذ بشأنها، وأشيع آنذاك أن الحجار سيتولى تحقيقات أوبتيموم بنفسه، إلا أنه وحتى الساعة لم نشهد أي تطورات قضائية في هذا الملف ولم تحدد مواعيد لجلسات استجواب.  

وثمة بعض المؤشرات التي توحي بأن القضاء اللبنانيّ يصوّب اهتمامه على ملفين فقط، ويحاول صرف النظر عن باقي الملفات، علمًا أن ملف حساب الاستشارات، وملف الإثراء غير المشروع المتعلق بقضية ايجار شقة لمصرف المركزي في فرنسا والتي بموجبها أصدر القاضي نقولا منصور مذكرة توقيف وجاهية بحق سلامة. والملفان يتعلقان بملفات فساد أقل أهمية من ملفي فوري وأوبتيموم، فالمبالغ المالية المتهم بسرقتها سلامة في الملفين الملاحق بهما حاليًا، لا تتخطى الـ90 مليون دولار، أما المبالغ المتهم بسرقتها في ملف فوري تتخطى الـ330 مليون دولار، وفي ملف أوبتيموم ما لا يقل عن 400 مليون دولار أميركي.

عمليّا، كان من المفترض وبعد توقيفه وجاهيًا فتح جميع الملفات الملاحق بها، خصوصًا أنه تهرب مرارًا من التحقيقات المحلية والأوروبية، إلا أن هذا الأمر لم يتحقق لأسباب مجهولة. بينما بقيت الملفات على حالها، ولم تشهد تطوراً.

وتصف بعض المصادر المتابعة لملفات سلامة أن ملفي فوري وأوبتيموم يتضمنان القضايا "الدسمة"، التي بامكانها أن تطاول الكثير من الشخصيات السياسية، خصوصًا أن سلامة مرّر بعض الرسائل على وسائل الاعلام بأنه لن يقبل أن يكون الضحية وحده، مصوبًا اتهاماته على الطبقة السياسية آنذاك، وبالتالي في حال إصدار مذكرات توقيف وجاهية بحقه في هذين الملفين فإن توقيفه قد يطول لفترة إضافية، أما ملاحقته في ملفي حساب الاستشارات والإثراء غير المشروع فتتركز حول ملفات فساد فرديّة اقترفها سلامة، وجنى بموجبها مبالغ مالية غير مرتفعة مقارنةً مع باقي المبالغ.

اقتراب موعد إخلاء السبيل؟
يرتبط هذا الأمر بمسألتين فقط. أن يحدد القاضي حلاوي كفالة مالية مرتفعة بالدولار في نيسان المقبل، ولا تُمدّد فترة احتجازه لمدة 6 أشهر جديدة، استنادًا للمادة 108 من أصول المحاكمات الجزائية، والمسألة الثانية هي أن يقرر القاضي نقولا منصور تركه بكفالة مالية ومنعه من السفر لمدة شهرين.

لكن فترة الاحتجاز قد تُمدد، إن بدأ حلاوي بمتابعة ملف فوري خلال الأسابيع المقبلة، وقرر (خلافًا لما قام به ابو سمرا سابقًا والذي اكتفى بالاستماع إلى سلامة من دون إصدار أي مذكرة توقيف وجاهية)، أن يصدر مذكرة توقيف وجاهية ثالثة بحقه.  

تلاعب في ضغط الدم واكتئاب
وقالت مصادر قضائية لـ"المدن" إن سلامة نقل مرة أخرى لمستشفى بحنّس منذ حوالي اليومين، بعد تدهور حالته الصحية داخل مديرية قوى الأمن الداخلي. وتؤكد المصادر أن سلامة يعاني من تلاعب في ضغط الدم، وهو بحالة نفسية سيئة جدًا، وفقًا لأقوالهم، ويعاني من الاكتئاب ومن صداع متواصل، بسبب احتجازه داخل غرفة. وأظهرت بعض الفحوص الطبية إصابته بتصلب الشرايين، ما قد يستلزم خضوعه، خلال الفترة المقبلة، إلى عملية جراحية.