المصدر: النهار
الكاتب: ميشال حلاق
الجمعة 24 كانون الثاني 2025 12:07:54
شهدت منطقة عكار موسم حرائق صعباً للغاية عام 2024، مع استمرار معاناة الغابات والأراضي الزراعية تحت وطأة الحرائق المتزايدة التي امتدت أكثر من خمسة أشهر. تتنوع أسباب هذه الحرائق، بين العوامل البشرية جراء إطلاق الرصاص الحارق وإحراق النفايات، والعوامل الطبيعية التي لعبت دوراً محدوداً، ما تسبب بخسائر بيئية واقتصادية كبيرة.
ووفقاً للتقرير السنوي الصادر عن جمعية "درب عكار" البيئية، بلغت مساحة الأراضي المتضررة من الحرائق في محافظة عكار السنة الماضية حوالى 573 هكتاراً، مقارنة بـ278 هكتاراً عام 2023 و84 هكتاراً عام 2022، ولكنها تبقى أقل بكثير من موسم 2021 الذي سجل وحده حوالى 2645 هكتاراً. وتوزعت الخسائر على الشكل الآتي: 42% للغابات، 40% للأعشاب، و18% للأراضي الزراعية، إضافة الى الخسائر الجسيمة في الغطاء النباتي.
كذلك تأثرت الأنظمة البيئية بشكل كبير، بحيث دُمّرت مواطن الحياة البرية وتدهورت التربة وتأثرت مناطق حساسة بيئياً مثل وادي جهنم وغابات اللزاب. هذا التدهور يتطلب عقوداً من العمل لاستعادة التنوع البيولوجي.
وأشارت الجمعية الى أن الحرائق لم تقتصر على الغابات، إذ طاولت الأراضي الزراعية، مخلّفة خسائر اقتصادية فادحة للمزارعين الذين لم يتلقوا تعويضات تُذكر.
ويُعزى تفاقم هذه الخسائر إلى الإهمال في إدارة الأراضي الزراعية، وغياب التدخلات الوقائية مثل حراثة الأراضي وتنظيم الرعي.
خاض فريق "درب عكار لمكافحة حرائق الغابات" 33 مهمة في خلال الموسم، مستخدماً تكتيكات مبتكرة مثل الطائرات المسيّرة، والخراطيم الطويلة ذات الضغط العالي. غير أنه عانى من نقص التمويل وتعطّل المعدات، ما أثر على فاعلية استجابته.
إلى جانب مكافحة الحرائق، إضطلع الفريق بدور إغاثي خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان، وقدم الدعم الى النازحين في المناطق المتضررة.
ورغم هذه التحديات، نجح الفريق في تنظيم "المخيم التدريبي الثاني لفرق الاستجابة الأولية"، بمشاركة 70 متطوعاً من مختلف المناطق اللبنانية، وشارك في عدد من اللقاءات الإعلامية مع الصحافة المحلية والأجنبية.
وأثنى التقرير على تكاتف الجهود لمكافحة حرائق الغابات في عكار، بين أدوار الجهات الرسمية والمجتمع المحلي.
رؤية واستجابة مستمرة
أولى وزير البيئة الدكتور ناصر ياسين أهمية كبرى لمكافحة حرائق الغابات، وعمل على تعزيز التنسيق مع مختلف الجهات المعنية للحد من مخاطرها. وحرص على متابعة مستجدات الحرائق بشكل يومي، وخصوصاً في موسم الحرائق، من خلال مجموعات الرصد والإنذار المبكر. في الأزمات الكبرى، ينسق مع الجيش اللبناني، الدفاع المدني، المحافظين، والبلديات لضمان سرعة السيطرة وتقليل الخسائر.
وزارة الزراعة متابعة الحرائق وما بعدها من خلال مصلحة زراعة عكار ودائرة التنمية الريفية والثروات الطبيعية ومراكز الاحراج.
محافظة عكار: عقد المحافظ عماد اللبكي، اجتماعات تنسيقية ضمت فرق الاستجابة الأولى، الصليب الأحمر اللبناني، الدفاع المدني، وممثلين عن المجتمع المحلي. تمحورت النقاشات حول تبادل الخبرات، وتعزيز التعاون، وتأمين الدعم اللازم لمكافحة الحرائق.
البلديات واتحاداتها: رغم التحديات والأزمات المالية، لعبت البلديات دوراً محورياً، إذ قام بعضها بتأسيس فرق استجابة أولية، وتأمين صهاريج مياه ودعم لوجيستي لفرق الإطفاء.
الدفاع المدني: يُعد الدفاع المدني العمود الفقري لجهود إخماد الحرائق، مدعوماً بفرق الاستجابة المحلية. ورغم تحديات نقص المعدات، تواصل مراكزه المنتشرة في عكار أداء مهماتها بإصرار.
الجيش اللبناني: ساهم الجيش بشكل فعّال عبر طوافات القوات الجوية وأفراد مدربين في تأمين المياه، حماية الفرق، وتنفيذ المهمات اللوجيستية. كذلك عمل على ملاحقة المتسببين بالحرائق، ولاسيما منها الناتجة من الإهمال أو إطلاق النار العشوائي.
المجلس الوطني للبحوث العلمية: من خلال بيانات الأقمار الصناعية ومنصة الإنذار المبكر، وفّر معلومات قيّمة عن سلوك الحرائق، مما ساعد في تطوير خطط مكافحة أكثر كفاءة. كذلك أطلق تطبيق "Leb Alerts" الذي يتيح متابعة شدة خطر الحرائق بشكل يومي، إلى جانب تسجيل بيانات الحرائق وتحليلها منذ عام 2016.
الصليب الأحمر اللبناني وفرق الإسعاف: قدمت فرق الإسعاف الرعاية الى أكثر من 50 مصاباً في خلال موسم 2024، معظمهم جرى علاجهم ميدانيا.ً ودعم فرق الإطفاء من خلال إدارة الكوارث والإغاثة.
المنظمات الدولية والجمعيات: تجلى دور المنظمات الدولية والجمعيات المحلية في تقديم الهبات والمعدات اللازمة للإطفاء والتعافي. من أبرز المبادرات، مشروع "تحييد تدهور الأراضي" الممول من مرفق البيئة العالمي، الذي ساهم في تقديم معدات متطورة، منها آليات مخصصة لجهود الإخماد.
المجتمع المحلي والمتطوعون: لعب المجتمع المحلي دوراً حاسماً في إخماد الحرائق، إذ يهب عشرات من الأهالي عند اندلاع أي حريق، لتقديم الدعم اللوجيستي، توفير المياه، والمشاركة المباشرة في عمليات الإطفاء.
هذا التكاتف بين الجهات الرسمية والمجتمع المحلي، يجعل من عكار نموذجاً يحتذى به في العمل الجماعي لمواجهة الكوارث البيئية.
التوصيات والمستقبل
ودعا التقرير إلى "توفير تمويل مستدام لفرق الإطفاء، وتحسين البنية التحتية مثل إنشاء مراكز تزود المياه قرب مالغابات المعرضة للحرائق"، مشدداً على "أهمية الوعي المجتمعي وتعزيز العقوبات الرادعة في حق مفتعلي الحرائق".
وحض على "استباق موسم حرائق 2025 بمزيد من الجهوزية، خصوصاً مع التغيرات المناخية التي تزيد من احتمال اندلاع حرائق كارثية"، مؤكداً "أن الحفاظ على التنوع البيولوجي الثري لعكار ليس رفاهية، بل هو ضرورة لحماية إرث طبيعي فريد للأجيال القادمة".