المصدر: وكالة الأنباء المركزية
الكاتب: شربل مخلوف
الثلاثاء 14 كانون الثاني 2025 13:33:39
بعد دعوة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون الكتل النيابية للمشاركة في الاستشارات النيابية بشأن تسمية رئيس للحكومة، أعلن حزب الله على لسان رئيس كتلته النائب محمد رعد أن "لقاءنا مع رئيس الجمهورية كان من أجل الإعراب عن أسفنا لمن يريد أن يخدش إطلالة العهد التوافقية".
وأضاف: "مرة جديدة يكمل البعض من أجل التفكيك والتقسيم والإلغاء والإقصاء تعمدًا وكيديةً".
وأكد ان "من حقنا أن نطالب بحكومة ميثاقية وأي حكومة تناقض العيش المشترك لا شرعية لها".
هذه اللغة التهديدية ألِفها اللبنانيون. فقبل 27 تشرين الثاني، أي قبل توقيعه وقف إطلاق النار مع إسرائيل وتجريده من كل حقوقه في التسلح والتمويل عبر الحدود مع سوريا أو عبر مطار بيروت، كان حزب الله يهمين على قرار الدولة وقوى دويلته على حسابها. كانت له الكلمة والنفوذ، يتدخل بتشكيل الحكومات ويفرض على حلفائه قبل خصومه اسم رئيس الحكومة للسيطرة على الوزارات التي يريدها وحلفائه وتحديدا حركة أمل التي لطالما سيطرت على وزارة المالية طوال سنوات مما أدى الى تدهور السياسات المالية والاقتصادية بسبب الفساد والتوظيف بشكل عشوائي، أما الحزب فسيطر على وزارات اخرى وفرض نفوذه فيها وعبرها.
ولم تقتصر الهيمنة على الحكومة بل فرض سطوته على القضاء وهدد القضاة، قمع معارضيه ومن لم يمتثل نال نصيبه من التصفية. وليس أدّل الى ذلك من اغتيال قادة 14 آذار والرئيس رفيق الحريري وقادة الرأي ، ناهيك عن افتعال اشكالات داخل المناطق اللبنانية كافة عبر مناصريه في الشارع على غرار أحداث 7 أيار حينما مارس الحزب بلطجته، بعد قرار إتخذه وزير الاتصالات مروان حمادة آنذاك بشأن شبكة الاتصالات .
ولا ينسى اللبنانيون تحديدا ما جرى في ملف تفجير مرفأ بيروت حينما هدد رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا القاضي طارق البيطار علناً، ما ادى الى عرقلة التحقيقات حتى اللحظة، . ولم يقتصر الامر على التهديد بل قام بافتعال أحداث الطيونة وصولا الى إستدعاء رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع للتحقيق.
القمع والبطش استخدمهما "الثنائي" بأقظع شكل حينما اندلعت ثورة 17 تشرين حيث قام مناصروه باحراق خيم الثوار والاعتداء على الثوار، بسبب مطالبتهم بحصر السلاح بيد الدولة ونزع سلاح الميليشيات وبناء دولة تكون جامعة كل اللبنانيين.
مجمل هذا المشهد، يدل على أن اللبنانيين عاشوا طوال هذه السنوات في الذل والقهر لأن سطوة السلاح كانت أقوى من اصواتهم التي حينما ارتفعت كانت تُسَكِتها الاغتيالات أو تلفيق تهم باطلة لزج من يتجرأ في السجون.
المشهد السوداوي هذا انقلب رأساً على عقب منذ توقيع اتفاق وقف اطلاق النار في 27 تشرين الثاني،وتقديم تنازلات من جانب الحزب لم يكن اي من اللبنانيين يحلم بتقديمها وبنود الاتفاق غنية عن الذكر. قبل ذلكوإبان الحرب المدمّرة، نزح مناصرو الحزب وابناء البيئة الحاضنة في اتجاه المناطق التي كان الحزب يخوّن بيئتها مع كل اشراقة شمس، فعوملوا أحسن معاملة، ما اضطر قيادة الحزب او من تبقى منها الى توجيه الشكر لهؤلاء لا سيما في المناطق المسيحية التي فتحت منازلها للنازحين وتقاسمت واياهم الرغيف، على رغم العداء السياسي بينهم.
لكنّ الإيجابية والشكر لم يدوما طويلاً، فسرعان ما عاد الحزب الى ممارسة الفوقية والغطرسة، محاولا اعادة فرض نفوذه في الملف الرئاسي بداية مع التأكيد على المضي بمرشحه سليمان فرنجية حتى لحظة اعلان الاخير انسحابه من السباق الرئاسي، وتوافر مناخ داخلي وخارجي توافقي جامع على انتخاب العماد جوزاف عون ،فاستلحق نفسه في اللحظات الاخيرة وانضم الى نادي مؤيدي الرئيس عون على امل ان يكون له ما يريد في رئاسة الحكومة، لكن الصاعقة ضربته مجددا امس بتسمية نواف سلام لتشكيل الحكومة فخرج عن طوره وقال ما قاله رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد عقب لقاء الرئيس عون في الاستشارات امس.
الاية انقلبت، وما كان ساريا قبل التغيير الكبير في لبنان والمنطقة لم يعد كذلك، نفوذ ايران تبخر وعاد لبنان الى الحضن العربي.
بعد اليوم لا انتصارات حقيقية ولا وهمية يروجها الحزب لجمهوره، ولا بدّ من عودته الى لبنانيته وقبوله المساواة مع كل اللبنانيين بحسب الدستور الذي يبدو سيطبق بحذافيره وستعود الدولة القوية القادرة التي تحدث عنها ووعد بها الرئيس عون في خطاب القسم.والا وخلاف ذلك،وان قرر المضي بسياسة الانكار والمكابرة التي انتهجها فإنه سيبقى خارج الحكم والحكومة. اما الميثاقية فيمكن ان يوفرها اي مكون من الطائفة الاسلامية لأنها نصت على المناصفة الطائفية لا المذهبية .