فجأة رياض سلامة وراء القضبان..كيف برّر القاضي الحجار قراره وما هي دوافع التوقيف؟

أن يغدو رياض سلامة موقوفاً خلف قضبان التوقيف والاحتجاز وربما المحاكمة، في مطالع عملية قانونية وقضائية أولية، فهذا ليس حدثاً عابراً طارئاً أو عادياً في لبنان بعد عواصف داخلية وأوروبية وغربية أثارها خلال الهزيع الأخير من ولايته، بل من “عصره”، الأطول في تاريخ ولايات حكام المصارف المركزية في لبنان والعالم.

رياض سلامة حاكم مصرف لبنان سابقاً لمدة ثلاثين عاماً ما بين1993 و2023، والذي حاز مرات عديدة على أعلى الجوائز والأوسمة العالمية، وجد نفسه بعد ظهر أمس في مكان توقيف احتياطي في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي اقتيد اليه فجأة، بما لم يفجر مفاجأة له وحده على الأرجح بل لمجمل اللبنانيين والأوساط المعنية داخلياً وخارجياً بكل ما اشتق واتصل بكارثة الانهيار المالي في لبنان منذ عام 2019.

“الحاكم التاريخي” كما كان يوصف في عز حقبات ولاياته الممددة والمجددة كرجل استثنائي لا يستغنى عنه لحماية الليرة والاستقرار المالي والنقدي سحابة عقود ثلاثة إلا بضع سنوات، صدر قرار مباغت مفاجئ بتوقيفه فيما لم يكن مثوله أمام التحقيق أمس خبراً معروفاً أو معلناً، كما فيما لم يكن سلامة نفسه قد تحسّب لهذا الاحتمال اطلاقاً كما تبيّن من خلال حضوره إلى قصر العدل في بيروت من دون اصطحاب وكيله معه.

هذه المفاجأة المدوية التي فجّرها مدعي عام االتمييز القاضي جمال الحجار بإصدار قرار توقيف سلامة، أطلقت العنان لسيل التساؤلات الكبيرة، وأبرزها لماذا أوقف سلامة الآن؟ وهل ثمة من خلفيات وأسرار وراء توقيت التوقيف، وربما لدوافع خارجية وليس محلية فقط؟ وهل تشكّل خطوة التوقيف اختراقاً لكل مناخات التأزم الحربي في الجنوب والأزمات السياسية في الداخل بحيث يتقدم في توقيت غير محسوب اطلاقاً ملف الإصلاحات المالية والاقتصادية والسياسية على كل شيء؟ والسؤال “الأخطر”، هل ثمة معطيات ومعلومات أملت اتخاذ هذا القرار، الذي أوقف سلامة بعد سنة وشهر من نهاية ولايته، استناداً الى دوافع غربية أوروبية أو أميركية؟ وماذا لو اتسع التحقيق بعد أربعة أيام؟ وماذا لو لم يتسع التحقيق وأطلق سلامة؟

في كل الأحوال، انتقلت دفة الأحداث فجأة من الداخل السياسي والجنوب الحربي الى قصر العدل حيث أصدر مدّعي عام التمييز القاضي جمال حجار، قراراً بتوقيف سلامة في قضية “أوبتيموم” على ذمّة التحقيق، بشُبهة اختلاس أموال المصرف المركزي.

دوافع التوقيف

وأكدت مصادر متابعة لـ”النهار” أن التحقيق مع سلامة، ربط بين ملف شركة “أوبتيموم” ونتائج تقرير “ألفاريز آند مارسال” الذي أشار إلى وجود عمولات غير مشروعة دفعها مصرف لبنان من حساب الإستشارات عبر سبعة مصارف، منها ستة مصارف لبنانية ومصرف سويسري، في فترة ما بين 2015- 2020 بقيمة 111.3 مليون دولار لأطراف لم تتمكن “ألفاريز” من تحديدها، وهي النقطة المحورية التي يدور حولها التحقيق.

وكانت القاضية غادة عون قد تابعت التحقيق في هذا الملف منذ أكثر من عام، ولم تتوصل إلى الإحاطة بالحقائق والتفاصيل التي خلص إليها القاضي حجار، بناء على ما أجراه من تحقيق وقراءة معمقة للوثائق والمستندات التي زوده بها مصرف لبنان بناء على طلبه. ووفق المصادر نفسها “فإن توقيف سلامة هو إجراء تقني بحت، وبعيدٌ عن أي إستهداف أو إستغلال سياسي. وكذلك لا دخل لتوقيفه بملف عمولات “أوبتيموم” التي قيل أنها بلغت 8 مليارات دولار، التي لم يصل التحقيق فيه إلى نتيجة، ويتركز التحقيق حالياً حول عمولات الإستشارات حصراً.

وعلّل حجار قراره بأن “الخطوة القضائية التي اتخذت بحق الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة هي إحتجاز إحترازي ومفاعيلها لمدة أربعة أيام على أن يحال في ما بعد من قبل استئنافية بيروت إلى قاضي التحقيق الذي يستجوبه ويتخذ القرار القضائي المناسب بحقه ومن ضمن هذه الإجراءات قد تكون مذكرة توقيف وجاهي”. وأوضح أن سلامة نقل الى نظارة المديرية العامة لقوى الأمن “نظراً إلى وضعه أمنياً وصحيا”. ورفض الحجار الافصاح عن أسباب التوقيف واكتفى بالقول إن توقيفه تم بملف له علاقة بعمله في المركزي.

وقالت الرئيسة التنفيذية لشركة “أوبتيموم إنفست” اللبنانية رين عبود إن الشركة لم تستدع إلى جلسة أمس في ما يتعلق بتعاملاتها مع حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة الذي جرى توقيفه لجرائم مالية مرتبطة بالشركة. وأضافت عبود لـ”رويترز” أن الشركة سمعت بتوقيف سلامة من وسائل الإعلام وإنها أجرت تدقيقاً مالياً في وقت سابق هذا العام لتعاملاتها مع مصرف لبنان المركزي ولم تجد أي دليل على ارتكاب الشركة أي مخالفات.

وكان سلامة قد مثل أمام الحجّار في قصر العدل من دون أيّ مرافقة، وشوهد عشرات العناصر من قوى الأمن الداخلي وهم يتولَّون مهمّة نقله من قصر العدل إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي.

وقال مصدر قضائي لوكالة فرانس برس: “أوقف النائب العام التمييزي سلامة بعد استجوابه على مدى ثلاث ساعات حول شبهات اختلاس من مصرف لبنان تفوق أربعين مليون دولارعلماً أنها أول مرة يمثل فيها سلامة أمام القضاء منذ انتهاء ولايته في 31 تموز (يوليو) 2023″.

ويواجه سلامة اتهامات في لبنان بارتكاب جرائم مالية تشمل غسل الأموال والاختلاس والإثراء غير المشروع، وهي جميعها اتهامات ينفيها. ويشكل سلامة منذ ثلاثة أعوام محور تحقيقات محلية وأوروبية تشتبه بأنه راكم أصولاً عقارية ومصرفية بشكل غير قانوني، وأساء استخدام أموال عامة على نطاق واسع خلال توليه حاكمية مصرف لبنان، عدا عن تحويله الأموال الى حسابات في الخارج و”الإثراء غير المشروع”. وبناء على التحقيقات، أصدرت قاضية فرنسية في باريس والمدعية العامة في ميونيخ العام الماضي مذكرتي توقيف بحقه جرى تعميمهما عبر الأنتربول.

وقرّر القضاء اللبناني بناء عليهما منعه من السفر وصادر جوازي سفره اللبناني والفرنسي. إلا أن النيابة العامة في ميونيخ ألغت في حزيران (يونيو) الماضي مذكّرة التوقيف بحق سلامة، لأنه “لم يعد يشغل منصب حاكم مصرف لبنان المركزي وبالتالي لم يعد هناك أي خطر بإتلاف أدلة”. لكن القرار لا يعني أن التحقيق انتهى.

ورغم أن مذكرة التوقيف الصادرة من فرنسا التي يحمل سلامة جنسيتها لا تزال سارية، لكنها من دون طائل إذ لا يسلّم لبنان مواطنيه لمحاكمتهم في دولة أجنبية.

وفرضت الولايات المتحدة إلى جانب كندا والمملكة المتحدة، عقوبات اقتصادية على سلامة وعلى أفراد عائلته لشبهات فساد، بما في ذلك تجميد أصولهم في البلدان الثلاثة. ولطالما نفى سلامة التهم الموجهة إليه، متحدثا عن “بيانات مزورة” وخلفيات “سياسية”.

وقف قرار وزير الدفاع

الى ذلك وفي تطور قضائي – عسكري بارز آخر أصدرت أمس هيئة القضايا في مجلس شورى الدولة قرارها بوقف تنفيذ قرار وزير الدفاع موريس سليم القاضي بالتمديد للواءين بيار صعب ومحمد المصطفى الذي ارتكز على القانون الصادر عن مجلس النواب بالتمديد لمن هم برتبة عماد ولواء من قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية. وكان المجلس أصدر قراره بوقف تنفيذ التمديد للواء صعب، بناءً على مراجعة تقدّم بها العميد إدغار لوندوس أمام المجلس. وقبل مجلس شورى الدولة طلب التدخل الذي تقدّم به اللواء صعب، كونه صاحب صفة بالملف.