المصدر: النهار
السبت 6 أيلول 2025 10:56:56
كتبت المحامية ميرنا الحلبي
منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية وإقرار اتفاق الطائف، بقي موضوع السلاح خارج إطار الدولة أحد أبرز الإشكاليات التي تهدد مبدأ السيادة واحتكار الدولة للعنف المشروع. فبينما يصرّ "حزب الله" على اعتبار سلاحه "مقدّساً" لارتباطه بالمقاومة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، يؤكّد الدستور اللبناني أنّ السيادة الوطنية وعلوّ المصلحة العامة هما "المقدّس الأسمى" الذي لا تعلو عليه قداسة أخرى. نص الدستور اللبناني في مقدمته على أنّ "لبنان دولة واحدة موحّدة ذات سيادة كاملة"، وهذا النصّ يكرّس مبدأ سيادة الدولة، ويُلزم بحصرية السلاح بيد الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الشرعية. كما أنّ اتفاق الطائف أقرّ حلّ جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها، مع الإبقاء مؤقتاً على سلاح المقاومة في الجنوب تحت ذريعة مواجهة الاحتلال.
لكن المؤقت تحوّل إلى دائم، والاستثناء صار قاعدة، ما فتح الباب أمام ازدواجية السلاح والسلطة. رفض الحزب الدخول في أي نقاش عملي لجدول زمني لسحب السلاح ، وصولاً إلى انسحاب وزرائه من جلسة حكومية عند طرح قائد الجيش خطة انتشار الجيش يعكس ولاءً يتقدّم فيه الانتماء للمقاومة على الانتماء للدولة رغم انه قد قبل التنازل عنه لصالح الدولة عند توقيع اتفاق إنهاء الأعمال العدائية في تشرين الثاني ٢٠٢٤. وهذا الواقع يعمّق أزمة الثقة الداخلية، ويضع الدولة في موقع العاجز أمام المجتمع الدولي الذي يربط أي مساعدة أو استثمار باستقرار سيادي وأمني حقيقي. المؤسسات المالية الدولية والدول المانحة، من البنك الدولي وصندوق النقد إلى العواصم المؤثرة، تؤكد أن أي دعم للبنان مشروط بحصرية السلاح بيد الدولة. فالقطاع المصرفي، عصب الاقتصاد اللبناني، فقد ثقة المستثمرين والمودعين، ولا يمكن استعادتها من دون استقرار سيادي كامل. وكذلك الحدود، التي تشكّل منفذاً للتهريب والسلاح، تبقى في صلب شروط المجتمع الدولي لإعادة فتح قنوات الدعم والاستثمار. وهنا تبرز أهمية دعم المجتمع الدولي، وفي مقدمته الولايات المتحدة والدول الصديقة، للجيش اللبناني.
فالمؤسسة العسكرية، التي تُعتبر الضامن الوحيد لوحدة لبنان واستقراره، تحتاج إلى تجهيزات وعتاد حديث يمكّنها من ضبط الحدود ومكافحة التهريب وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها. إن توفير هذا الدعم يعزّز ثقة اللبنانيين بأن الجيش قادر على حماية السيادة، كما يمنح المجتمع الدولي مؤشراً واضحاً إلى أن الدولة اللبنانية تمتلك الأداة الشرعية الوحيدة لفرض الاستقرار. بين "قدسية السلاح" و"قدسية الوطن" تطرح معادلة لا تحتمل الالتباس: لا قدسية لسلاح يتجاوز الدولة، لأن الوطن في جوهره هو القانون والمؤسسات. الشرعية الدستورية لا تستوعب ازدواجية في السلاح ولا في السلطة. وإذا كان حزب الله يعتبر سلاحه خطاً أحمر، فإن لبنان كوطن جامع هو الخط الأحمر الأسمى. ما يُعمل عليه اليوم ليس نزعاً فورياً للسلاح بما يهدّد الاستقرار الداخلي، بل خطة وطنية جامعة تحدّد بوضوح جدولاً زمنياً محدداً تحت إشراف الدولة والجيش اللبناني يعيد السيادة الكاملة، ويستعيد ثقة الداخل والخارج. وفي هذا السياق، لا عودة إلى الوراء في موضوع حصر السلاح بيد الدولة، إذ إنّ أي حلّ سياسي واقتصادي للبنان يمرّ حكماً عبر استعادة هذا المبدأ. إنّ إنقاذ لبنان لا يتحقق فقط عبر الجهود الدولية والإقليمية، بل يبدأ أولاً بجهود الدولة اللبنانية ومؤسساتها الشرعية التي تتحمّل المسؤولية الكاملة في إعادة فرض سلطتها وبسط سيادتها على أراضيها. فبين قدسية السلاح وقدسية الوطن، تبقى الكلمة الفصل للدستور: الوطن أولاً، والدولة فوق الجميع.