المصدر: العربية
الأحد 23 حزيران 2024 15:34:05
مع انطلاق عملية بربروسا (Barbarossa) يوم 22 حزيران/يونيو 1941، واجه الاتحاد السوفيتي مصاعب جمة في وقف تقدم القوات الألمانية. فخلال الأسابيع الأولى من الحرب، تمكن الألمان من التقدم بعمق الأراضي السوفيتية واقتربوا من العاصمة موسكو.
وبالتزامن مع ذلك، تكبد الاتحاد السوفيتي خسائر هائلة بالأرواح والمعدات العسكرية واضطرت قواته للتراجع لتشكيل خطوط دفاعية أخرى. إلى ذلك، شهدت الجبهة الشرقية خلال السنوات التالية انقلابا سريعا. فعقب نجاحهم في صد الألمان قرب موسكو، نجح السوفييت في إجبار الألمان على اتخاذ موقف دفاعي عقب معركتي ستالينغراد وكورسك. إلى ذلك، يعود الفضل في قلب موازين الحرب لجاسوس سوفيتي يدعى ريتشارد سورغه (Richard Sorge). فبفضل المعلومات الحساسة التي قدمها، مكّن الأخير السوفييت من التركيز على المعركة ضد الألمان.
عقب أدائه لخدمته العسكرية بصفوف القوات الألمانية خلال الحرب العالمية الأولى، حصل ريتشارد سورغه، المولود سنة 1895 بمدينة باكو بالإمبراطورية الروسية، على درجة الدكتوراه بمجال العلوم السياسية من جامعة هامبورغ الألمانية. وسنة 1919، التحق سورغه بالحزب الشيوعي الألماني قبل أن يتوجه بحلول العام 1924 للاتحاد السوفيتي ليستقر بموسكو. سنة 1929، أرسلت منظمة الكومنترن (Comintern) الشيوعية ريتشارد سورغه للصين بهدف خلق دائرة جواسيس بها. وأثناء تواجده بالصين، كسب سورغه شعبية كبيرة وتقمص هنالك دور صحفي وفي لألمانيا.
سنة 1933، التحق سورغه بالحرب النازي. وبنفس الفترة، أرسلت الكومنترن هذا الجاسوس بمهمة جديدة لليابان التي تميزت حينها ببداية تقاربها مع ألمانيا. وباليابان، كسب سورغه شعبية كبيرة وتحول لمستشار سياسي لدى السفير الألماني باليابان الجنرال يوجين أوت (Eugen Ott).
وعن طريق المعلومات الحساسة التي نقلها لموسكو، لعب ريتشارد سورغه دورا حاسما في تغيير مجرى الحرب العالمية الثانية. فيوم 18 أيار/مايو 1941، نقل سورغه معلومات حول استعداد 170 كتيبة ألمانية لدخول الأراضي السوفيتية يوم 20 حزيران/يونيو من العام نفسه. وفي الأثناء، تأخر الهجوم يومين وانطلق يوم 22 حزيران/يونيو 1941.
وخلال شهر آب/أغسطس 1941، نقل ريتشارد سورغه معلومات أخرى أكثر خطورة سرعان ما ساهمت في تغيير مجرى الحرب العالمية الثانية وسقوط النظام الألماني. فبتلك الفترة، نقل سورغه تقارير مؤكدة حول سعي اليابان للتوسع بجنوب شرق آسيا واستعدادها لخوض حرب منفصلة على المحيط الهادئ. فضلا عن ذلك، أكد هذا الجاسوس على عدم وجود أية نية لدى اليابانيين لدخول حرب ضد الاتحاد السوفيتي. وبفضل ذلك، نقل السوفييت ملايين الجنود، المدربين بشكل جيد، والعديد من المعدات العسكرية من أقصى شرق البلاد نحو غربها لكبح جموح التقدم الألماني وشن هجوم مضاد.
تزامنا مع تقدم العمليات العسكرية ضد السوفييت، شككت برلين في دور ريتشارد سورغه باليابان. ولهذا السبب، أرسل جهاز الأس أس (SS) عملاء للتثبت من طبيعة عمل سورغه ونشاطاته. إلى ذلك، فشل الألمان في الإطاحة بهذا الجاسوس حيث نفى العملاء المرسلون لطوكيو تهمة التجسس عنه.
وعلى إثر عملية اعتقال جاسوس سوفيتي على الأراضي اليابانية، تمكن جهاز الكيمبيتاي (Kempeitai)، الشرطة السرية اليابانية، يوم 18 تشرين الأول/أكتوبر 1941 من الإطاحة بسورغه الذي حامت حوله الشكوك منذ فترة عقب اعتراض رسائل سرية أرسلت من طرفه. وبادئ الأمر، شكك اليابانيون بقيام سورغه بأنشطة تجسسية لصالح الألمان على أراضيهم. ومع تواصل التحقيقات ونفي الألمان لذلك، تأكد اليابانيون من طبيعة عمل سورغه لصالح السوفييت.
لاحقا، نقل هذا الجاسوس السوفيتي نحو سجن سوغامو أين تعرض للتعذيب بهدف انتزاع اعترافات منه. وفي الأثناء، عرض اليابانيون على الاتحاد السوفيتي مقايضة سورغه بعدد من الجواسيس اليابانيين لديه. إلى ذلك، رفض القائد السوفيتي جوزيف ستالين جميع العروض اليابانية مفضلا بذلك التخلي عن هذا الرجل الذي أنقذ الاتحاد السوفيتي وغيّر مجرى الحرب. من ناحية ثانية، تحدثت تقارير أخرى عن اختفاء زوجة سورغه على الأراضي السوفيتية. وبناء على عدد من المسؤولين السوفييت، اعتقلت الأخيرة من قبل مفوضية الشعب للشؤون الداخلية قبل أن ترسل نحو مراكز العمل القسري أين توفيت سنة 1943.
يوم 7 تشرين الثاني/نوفمبر 1944، أعلنت اليابان عن إعدام سورغه شنقا بسجن سوغامو. وفي الأثناء، عمد اليابانيون لدفن جثة هذا الجاسوس السوفيتي بمقبرة جماعية مفضلين بذلك عدم إحراقها بسبب النقص الفادح في المحروقات الذي عانت منه البلاد بهذه الفترة من الحرب العالمية الثانية.
وعلى مدار سنوات، رفض ستالين الاعتراف بدور سورغه في تغيير مجرى الحرب تجنبا لفضيحة حول علمه المسبق بهجوم ألماني مؤكد خلال شهر حزيران/يونيو 1941. وبحلول العام 1964، اعترف الاتحاد السوفيتي رسميا بدور ريتشارد سورغه بالحرب العالمية الثانية ليصنف بذلك الأخير كأحد أبرز الجواسيس بالتاريخ.