10 % من مصابي السرطان لم يتلقوا العلاج خلال الشهرين الماضيين

قالت مصادر وزارة الصحة لـ«الشرق الأوسط»، إن فتح الاعتمادات مرتبط بمصرف لبنان المركزي، لافتة إلى أن التعميم الذي أصدره أمس، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة «يفترض أن يحل الأزمة»، آملة أن يساعد هذا الإجراء في توفير العلاجات.
وأعلن المكتب الإعلامي لوزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن في بيان، أنه «بعد متابعة حثيثة، بالتزامن مع عمليات الدهم التي يقوم بها التفتيش الوزاري، انفرجت الأمور مركزياً، وتبلغ الوزير حسن أمس بدء مصرف لبنان منح الأذونات المتراكمة والمصادقة من الوزارة منذ فترة وعددها 1800 فاتورة». وطالبت الوزارة الشركات المستوردة بـ«البدء بصرف الدواء المحجوب وشحن المقطوع بدءاً من يوم أمس».
ولم تتخيل ريتا يوماً أن توفير الأدوية الضرورية لمتابعة علاجها من مرض السرطان سيؤرقها أكثر من إصابتها بداء ينهش جسدها منذ ثلاث سنوات، بعدما لم تسلم أدوية الأمراض المستعصية والمزمنة من تبعات الانهيار الاقتصادي. وقالت ريتا (53 عاماً) التي فضلت استخدام اسم مستعار لوكالة الصحافة الفرنسية: «مريض السرطان أكثر من يتعذّب في الكون (...) العلاج أشبه بنار تدخل جسدك... وفوق ذلك كله علينا أن نبحث عن الدواء».
ولم يحصل 10 في المائة من مرضى السرطان على علاجاتهم خلال الشهرين الماضيين، بحسب ما قال رئيس قسم أمراض الدم والأورام في المركز الطبي الجامعي التابع لمستشفى القديس جاورجيوس الدكتور جوزيف مقدسي، مؤكداً في تصريح نقلته وكالة «رويترز» أن هذه المشكلة «تحتاج حلاً فورياً»، مضيفاً: «لا يمكنني أن أخبر مرضاي بأن هناك أزمة وأطلب منهم الانتظار حتى تنحسر... هذا المرض لا يصبر».
ولا تزال أدوية السرطان مدعومة، الأمر الذي يعني أنه يتعين على الوكلاء انتظار التمويل اللازم للاستيراد من قِبل المصرف المركزي الذي نفدت احتياطياته. لكن الدكتور مقدسي ليس متفائلاً بأن يحل تخفيف الدعم على أدوية السرطان مشكلة مرضاه. فبعض الأدوية المستخدمة في العلاج الكيميائي، الذي قد يكلف ما يصل إلى خمسة آلاف دولار للجلسة الواحدة، مدعومة في الوقت الراهن. وهذا يعني أن المريض يدفع نحو 400 دولار بينما تتحمل الدولة بقية التكلفة. وقال مقدسي: «حتى إذا رفعوا هذا الدعم لتوفير الأدوية لن يستطيع كثير من المرضى تحمل التكلفة».
ووثق تقرير نشره «المرصد العالمي للسرطان» المنبثق عن منظمة الصحة العالمية في مارس (آذار) الماضي، تسجيل لبنان 28764 ألف إصابة بمرض السرطان خلال السنوات الخمس الأخيرة، بينها 11600 حالة عام 2020. إلا أن أطباء يوضحون أن عدد من يتلقون العلاج يتجاوز هذا الرقم باعتبار أن مدة علاج بعض المرضى قد تمتد لسنوات.
وأوضح رئيس جمعية أطباء الدم في لبنان البروفسور أحمد إبراهيم لوكالة الصحافة الفرنسية، أن نحو من ألفين إلى 2500 حالة لوكيميا وأمراض ليمفاوية تسجّل سنوياً في لبنان، ولا يتوفر حالياً «إلا القليل من الأدوية التي تُستخدم في علاجها». وحذّر من أنّه «إذا لم يُتابع علاج هؤلاء بطريقة دوريّة، فسيموت بعض منهم»، منبّهاً إلى أن «بعض المرضى كانوا يُشارفون على الشفاء وبلغوا مرحلة قرب انتهاء العلاج. وفجأة، قُطع عنهم الدواء».
وعلى وقع الأزمة، أعلن الوزير حمد حسن الأربعاء، عزم البنك الدولي ومؤسسات دولية «تخصيص مبلغ 25 مليون دولار لشراء الأدوية المزمنة والمستعصية» لتوفيرها للبنانيين.
وترفع مبادرات وجمعيات عدّة الصوت، بينها جمعية بربارة نصار التي تعنى بدعم مرضى السرطان وقد نظمّت الخميس، وقفة احتجاجية في بيروت شارك فيها عشرات المرضى للمطالبة بتأمين أدوية السرطان.
وقال رئيس الجمعية هاني نصار: «تخيّلوا أنّه في لبنان يُطلب من مريض السرطان، مع كلّ همومه، أن ينزل إلى الشارع ويطالب بالدواء»، متسائلاً: «ما ذنب المريض إذا كانت الدولة عاجزة عن ضبط الأزمة؟»، ونبّه إلى أن الخطورة تكمن في أن بعض المرضى «قد يفارقون الحياة لاحقاً»، ما لم يتناولوا اليوم «أدوية تحمي أجسامهم من تفشٍّ أوسع للسرطان».
ونقلت «رويترز» عن المصابة كريستين طعمة قولها إنها مصابة بسرطان القولون من الدرجة الثالثة، وإن الأطباء وصفوا لها ست جلسات من العلاج الكيميائي. لكنها لم تخضع سوى لثلاث جلسات حتى الآن. ومع انتشار السرطان في العُقد الليمفاوية، تخشى كريستين ألا تبقى على قيد الحياة أكثر من أشهر معدودة إن هي عجزت عن استكمال علاجها.
ووفرت جمعية بربارة نصار لدعم مرضى السرطان، أدوية تتجاوز قيمتها 1.5 مليون دولار سنة 2020 عبر تبرعات عينية من مرضى سابقين. لكن يقول هاني نصار، إن التناحر السياسي في البلاد يعرقل جهود تخفيف الأزمة. وأضاف: «المصرف المركزي يريد رفع الدعم ووزارة الصحة لا تريد، وبين هذا وذاك يظل المرضى دون علاج»