19 دولة عربيّة تحت خط الفقر المائي... ماذا عن لبنان؟

تشكل ندرة المياه تحديا وجوديا متزايدا في الدول العربية، ويبرز لبنان كنموذج لتفاقم الأزمة، حيث بات شح المياه تهديدا للأمن القومي والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، في ظل تغيّر المناخ والنمو السكاني والإدارة غير المستدامة.
مسؤول شؤون الموارد المائية في "الإسكوا" زياد خياط"، تحدث لـ "الديار"عن الأبعاد المعقدة لهذه المشكلة، أبرز التحديات، الوضع الحالي، التبعات الاجتماعية والاقتصادية، والحلول المستقبلية لمواجهة هذه الأزمة.

أبرز التحديات في المنطقة العربية

أوضح خياط أن "الدول العربية هي من بين أكثر الدول في العالم شحّاً للمياه، حيث تقع 19 من أصل 22 دولة دون العتبة السنوية لشحّ الموارد المائية المتجددة (1,000 متر مكعب للفرد)، و13 منها دون عتبة الشحّ المائي المطلق (500 متر مكعب للفرد)". وأشار إلى "أن عدة عوامل تفاقم هذا الوضع، أبرزها:

- الاعتماد على موارد مياه مشتركة: حيث تعتمد غالبية الدول على الأنهار والطبقات الجوفية المشتركة مع بلدان مجاورة، ما يتطلب اتفاقات سياسية قد تكون غائبة، مسببة توتراً يعيق تحقيق الأمن المائي وأهداف التنمية المستدامة.

- آثار تغير المناخ: تغيُّر المناخ يؤثر سلباً في كمية ونوعية المياه العذبة، مما يهدد الأمن الغذائي وسُبُل العيش. ولبنان شهد في الآونة الأخيرة تزايداً في الظواهر المناخية المتطرفة مثل الفيضانات وانحسار مواسم الأمطار.

- الحصول على خدمات المياه والصرف الصحي: رغم التقدم المحرز، إلا أن أكثر من 50 مليون شخص في 2022 افتقروا إلى خدمات المياه الأساسية، مع تفاوت كبير بين المناطق الريفية والحضرية.

- النزاع المسلح: دمر النزاع البنية التحتية للمياه والصرف الصحي، وتسبب بموجات نزوح أضافت ضغطاً على المجتمعات المحلية.

- الاحتلال: الاحتلال "الإسرائيلي" للأراضي العربية يعرقل الوصول إلى الموارد المائية، ما يؤثر سلباً في الأمن الغذائي والصحة والتنمية عموماً".

تقييم الوضع الحالي والمناطق الأكثر تضرراً

وأشار خياط إلى "أن ما يقارب من 390 مليون شخص في المنطقة يعيشون تحت وطأة الشح المائي إلى الشح المائي المطلق. فقط خمس دول عربية تسير على المسار الصحيح لتحقيق هدف التنمية المستدامة رقم 6 بحلول عام 2030". وأوضح "أن توافر المياه العذبة انخفض إلى ما دون عتبة ندرة المياه منذ عام 1995، ومن المتوقع أن ينخفض إلى ما دون عتبة الشح المطلق بحلول عام 2026".

كما لفت إلى "تحول الدول التي تعتمد على المياه السطحية، إلى استغلال المياه الجوفية وتحلية المياه، مما يؤدي إلى نضوب المياه الجوفية، وضخ المياه من تكوينات أحفورية غير متجددة". وأكد أن "منطقة المغرب العربي تأثرت بفترة جفاف مطولة، أثرت في المخزون المائي والقطاع الزراعي".

الآثار الاجتماعية والاقتصادية

وقال "إن شح المياه يؤدي إلى آثار اقتصادية واجتماعية خطرة، إذ ترتفع تكاليف تعبئة الموارد المائية، ويتم استنزاف المياه الجوفية، إلى جانب زيادة الاعتماد على تحلية المياه، وهو ما يتطلب تكاليف باهظة في الطاقة والتمويل، خاصة في منطقة الخليج التي تحتضن أكثر من 50% من السعة العالمية لتحلية المياه. وعلى الصعيد الاجتماعي، يؤدي شح المياه إلى تعقيد توافر خدمات المياه حتى في ظل وجود البنى التحتية، مما يتسبب بتقطع الخدمات وزيادة الأعباء على المستهلكين، لا سيما في المناطق الريفية. كما ينعكس شح المياه بشكل كبير على قطاع الزراعة، الذي يستهلك حوالى 80% من المياه المسحوبة، مما يجعل من الضروري تحسين كفاءة الري وزيادة إنتاجية المحاصيل لضمان الأمن الغذائي".

استراتيجيات وحلول للمواجهة 
 
أما بالنسبة للاستراتيجيات والحلول، فعرض خياط عدة أولويات لمواجهة أزمة المياه، من بينها تحسين الحوكمة والإدارة المتكاملة لموارد المياه، عبر تعزيز الأطر التنظيمية، مكافحة التلوث والحفاظ على الموارد، إلى جانب زيادة تمويل المياه من خلال توفير تمويل دولي ميسر، واستثمارات من القطاعين العام والخاص لمواجهة أزمة التمويل، خاصة في ظل ديون المنطقة التي تبلغ 1.4 تريليون دولار".

كما شدد على "أهمية تعزيز البيانات والتحليلات من خلال تسريع الوصول إلى المعلومات بمبادرات مثل مبادرة "ريكار" التابعة للإسكوا، وتبني الابتكار عبر دعم بيئات تشجع الابتكار المحلي واستخدام التكنولوجيا الحديثة". وأكد "على ضرورة تنمية القدرات وشبكات المعارف، من خلال تعزيز التثقيف والتدريب، خصوصاً لفئة الشباب والمزارعين، على أفضل ممارسات إدارة المياه".

تأثير شح الأمطار في لبنان بالأمن المائي

وفي سياق متصل، تحدث خياط عن الوضع في لبنان، موضحاً أن "شح الأمطار يؤدي إلى تقليص توافر موارد المياه السطحية والجوفية. يعتمد لبنان بشكل كبير على المياه الجوفية التي تتغذى من الثلوج وهطل الأمطار المنتظم، وعندما يتناقص هذا المدخول، خاصةً من الثلوج، ينخفض توافر المياه الجوفية خلال موسم الصيف حيث يزداد الطلب".

وأوضح "أن تجارب تونس والمغرب، اللتين تواجهان ظروف جفاف قاسية، يمكن أن تشكل دروساً مهمة للبنان. فقد نفذت هاتان الدولتان استراتيجيات ترتكز على تطوير البنية التحتية، الابتكارات التكنولوجية، إصلاح السياسات، وجهود حفظ المياه".

دور التكنولوجيا والابتكار في التخفيف من أزمة المياه

وتحدث عن "أهمية الابتكار كوسيلة رئيسية لتقليص الفجوة بين العرض والطلب في المياه"، وأكد أن "الابتكار لا يقتصر على المجال التقني، بل يشمل تطوير العمليات وزيادة الكفاءة"، مشيراً إلى "ضرورة وضع أطر سياسات تدعم الابتكار، تقديم حوافز اقتصادية، وتعزيز البحث العلمي الإقليمي".

ودعا إلى "استغلال الحلول المحلية والمعارف الأصلية التقليدية، لتحقيق إدارة أكثر استدامة للمياه، مع ضرورة تبني تقنيات حديثة، مثل تحسين كفاءة التحلية والكشف عن التسربات باستخدام الذكاء الاصطناعي".

تهديد وجودي

أخيراً، تشكل أزمة المياه في الدول العربية، ولبنان خصوصاً، تهديداً وجودياً يتطلب استجابة عاجلة وشاملة. فمع تزايد حدة الشح المائي، نتيجة التغير المناخي والنمو السكاني وضعف الإدارة، بات الأمن المائي جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة.

 ورغم التحديات الضخمة، فإن الحلول متاحة من خلال تحسين الحوكمة، وزيادة التمويل، وتعزيز الابتكار، وتنمية القدرات المحلية، مع التركيز على تبني التكنولوجيا الحديثة والمعرفة التقليدية. ويبقى نجاح هذه الجهود رهناً بالتعاون الإقليمي والإرادة السياسية والاستثمار المستدام في الموارد البشرية والطبيعية، لضمان مستقبل مائي آمن للأجيال القادمة!