7 آب 2001: عين قاومت المخرز

"كنت طالبا في سنتي الجامعية الأولى في جامعة القديس يوسف هوفلان، عندما أبلغني أحد عناصر الإستخبارات، بصفته "فاعل خير"، أن ملفا يُلبسني تهمة تعاطي المخدرات، مُعدّ باسمي في مخفر حبيش وهو ينبهني لأنني "عزيز على قلبه" قائلا: "شو صاير عليك؟ ليش ماشي بهالطريق؟"... هكذا يختصر أحد ثوار آب 2001 حجم الترهيب والقمع الذي كانوا يعانون منه في مرحلة الإحتلال السوري للبنان.

"في تظاهرة 9 آب 2001، رأيت صديقا لي يُضرب على رأسه في صندوق سيارة عسكرية حتى أنه فقد أذنه من شدة العنف، ولم يكن بامكاني التلفظ بكلمة"... "كنا نذهب الى الإجتماعات التنظيمية ونحن نعلم أن العودة الى بيوتنا.. غير مضمونة".

بالسراج والفتيل، جمع شبان وشابات الأحزاب المسيحية بعضهم البعض، بعد أن أبَوا الخضوع "لوصاية" شربت من دم لبنان وتلذذت بطعم الإحتلال، فعيّنت نفسها ولي أمر بلد الأرز، بعد أن اغتصبت سيادته.

المسار كان قد بدأ عندما لبّى هؤلاء المناضلون نداء بكركي عام 2000، فتنادوا فردا فردا واحتشدوا رويدا رويدا، وأيقظوا في بعضهم البعض شغف المقاومة اللبنانية، التي بدأت تترجم بحركة تصاعدية على الأرض. تثقيف سياسي، اعداد فكري، اجتماعات سرية، خلايا تنظيمية بين القاعدة الكتائبية ومصلحة طلاب حزب القوات اللبنانية وحزب الوطنيين الأحرار والتيار الوطني الحرّ والكتلة الوطنية. جمعوا عيدان الكرز فأصبحت رزمة قاسية تصلح لضرب نظام الإحتلال والقمع والبلطجة والبطش والسرقة.

وتحت مظلة الكنيسة المارونية والرئيس أمين الجميّل، نضجت التحركات واتخذت حجما تنظيميا أكبر وانتقلت من مرحلة ردود الفعل على حدث معيّن الى مرحلة المبادرة بالتحركات والتظاهرات. اذ ان أحدا لم ينسَ المشهد الأول لشباب المقاومة اللبنانية في مصالحة الجبل في 6 آب 2001، التي عملت الأجهزة الإستخباراتية السورية والأمنية اللبنانية التابعة لها، على قطع الطريق أمامها. فزيارة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير الى الجبل أقلقت راحة السوريين بعد أن وجدوا فيها تعزيزا لموقف المقاومة اللبنانية وبُعدا جغرافيا خطرا لأنها اعادت مدّ الجسور في جبل لبنان، الأمر الذي يعطي مرونة في حركة المقاومة على هذا الصعيد.

"أسد أسد في لبنان وأرنب أرنب في الجولان"... أحد الشعارات التي بُحّت حناجر شباب التيار السيادي جراء تردادها، بعد كبتٍ سياسي ضيّق الخناق عليهم وعلى تطلعاتهم لمستقبلهم وحلمهم بلبنان سيّد، حرّ ومستقلّ.

بناء على مشهد 6 آب الذي شكل منعطفا أساسيا في مسار المقاومة اللبنانية، إتخذ القرار بالتنسيق مع رئيس الجمهورية حينها إميل لحود وقيادات أمنية لبنانية وسورية، بضرب الجنين في رحم أمه في اليوم التالي. الا أن ما لم يكن في الحسبان هو أن الولادة القيصرية قد نجحت بعد مخاض عسير، ولم يعد بامكانهم إيقاف هذا المدّ.

 

أحداث 7 آب الشهيرة ضعضعت الشباب وأضعفت قدراتهم لفقدانهم عددا هائلا من القياديين والمسؤولين التنظيميين بعد اعتقالهم وجرّهم الى السجون. وكانت الضربة أقوى في تظاهرة 9 آب التي نظمها المناضلون ومنهم مسؤول القاعدة الطالبية الكتائبية في حينها سامي الجميّل الذي لعب دورا رئيسا في التنظيم والإعداد والحشد للتظاهرة. فاعتصموا أمام قصر العدل ردا على ما حصل في 7 آب، للمطالبة بالإفراج عن رفاقهم من دون قيد أو شرط. ونزلت الأجهزة الأمنية بثياب مدنية وخرقت التحرك وبدأت التوقيفات العشوائية.

بضعة أشهر كانت كفيلة بلملمة من بقي من التيار السيادي وتجهيز العتاد مجددا، علما أن المرحلة لم تكن سهلة، انما مجموعة صغيرة وقفت بمفردها وقالت "لا للإحتلال السوري" ولم تكن تحظى بدعم أي جهة أو أي دولة خارجية.

حنين الى أيام الثورة الحقيقية والروح الواحدة يجمع بين شباب المقاومة اللبنانية اليوم، هم الذين أطلقوا الشرارة التي أوصلت لبنان الى آذار 2005 وانسحاب الجيش السوري من الأراضي اللبنانية. عين قاومت المخرز ولم ترضخ لمخالب ضارية أرادت إقتلاعها.

أماندا معوّض