7 آب يوم مجيد يؤسس لمرحلة جديدة في استعادة الدولة اللبنانية

في خطوة تاريخية غير مسبوقة، أقرت الحكومة في 7 آب ورقتها السياسية التي تنص بشكل قاطع على نزع سلاح الميليشيات، وعلى رأسها "حزب الله"، وحصر السلاح بيد المؤسسات الأمنية الشرعية. القرار لا يعبّر فقط عن التزام باتفاق الطائف وتنفيذ القرارات الدولية، بل نقطة انطلاق حاسمة لاستعادة هيبة الدولة وسلطتها بعد سنوات من الانهيار السياسي والفوضى الداخلية، إلى جانب العزلة العربية والدولية والأزمة الاقتصادية الحادة.

ومع ذلك، لم تخلُ جلسة مجلس الوزراء من تداعيات، إذ انسحب الوزراء الشيعة احتجاجًا على القرار، في موقف فُسّر في الأوساط السياسية اللبنانية كتحدٍ صارخ لإرادة الشعب وافتعال مواجهة مفتوحة مع مشروع إنهاء هيمنة الميليشيات على القرار الوطني.

شكّل هذا القرار حلمًا طال انتظاره، خاصة أن السلاح غير الشرعي كان سببًا لأزمات وانقسامات عميقة. وقد لاقى ترحيبًا واسعًا بين اللبنانيين، لا سيما الطائفة السنية التي طالبت دائمًا بإنهاء ازدواجية السلاح واحتكار القرار الوطني، معتبرة أن وحدة الدولة وسيادتها أساس حماية جميع المواطنين وبناء مستقبل لبنان.

تحولات سلاح "حزب الله" في الداخل

لم يكن سلاح "حزب الله" مثار خلاف في بداياته حين رُوّج له كجزء من مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. لكن مع مرور الوقت، تحوّل إلى أداة لتثبيت النفوذ الإيراني، مستفيدًا من الفوضى السياسية وضعف الدولة. أولى الإشارات الخطيرة ظهرت عام 2006 بمحاصرة السراي الحكومي في عهد الرئيس فؤاد السنيورة، ثم بلغت ذروتها في 7 أيار 2008 باجتياح بيروت، ما أسقط التوازن السياسي. لاحقًا، أسقط "الحزب" وحلفاؤه حكومة الرئيس سعد الحريري عام 2011 عبر استقالة وزرائه أثناء وجوده في واشنطن، في خطوة اعتُبرت انقلابًا على الشرعية.

عام 2013، تدخّل "الحزب" عسكريًا في الحرب السورية دعمًا للنظام السابق، وشارك في النزاع اليمني إلى جانب الحوثيين، ما وسّع نفوذه الإقليمي وعمّق الانقسامات الداخلية. السنوات الأخيرة شهدت ضغوطًا مباشرة على رؤساء الحكومات، ما أفقدهم حرية القرار، وأدى إلى شلل شبه كامل في إدارة الدولة.

مفتي الجمهورية والنواب السنة يعلنون دعمهم لخطة الحكومة

عبّر مفتي الجمهورية اللبنانية، الشيخ عبد اللطيف دريان، عن دعمه القوي للخطة الحكومية، واعتبرها خطوة حاسمة في استعادة هيبة الدولة. وأشاد خلال اتصال هاتفي مع رئيس مجلس الوزراء نواف سلام بأهمية القرار، داعيًا الحكومة إلى المضي قدمًا في تنفيذ تعهداتها وفق البيان الوزاري، دون تراجع أو تنازل.

في هذا السياق، قال الوزير السابق والنائب أشرف ريفي لصحيفة "نداء الوطن" إن الشارع السني يرى في إقرار الحكومة للورقة السياسية بداية حقيقية لمسار استعادة الدولة، بعد أن دفع ثمناً باهظاً كان أبرز محطاته اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الذي يُحمّل "الحزب" مسؤولية اغتياله. وأكد ريفي أن من الطبيعي أن يعبّر هذا الشارع عن دعمه للرئيسين جوزاف عون ونواف سلام والوزراء الذين أظهروا شجاعة في هذا القرار.

وبخصوص انسحاب الوزراء الشيعة من جلسة مجلس الوزراء، اعتبر ريفي هذا السلوك تكرارًا لنهج التعطيل الذي لم يعد مقبولًا، مؤكدًا أن زمن تعطيل الحكومات قد ولى، وأن المطلوب من الثنائي الشيعي العودة إلى حضن الدولة، لأن الاستمرار في سياسة التعطيل سيؤدي إلى انتحار سياسي ووطني.

تأييد شعبي ودولي

وأشار مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات، حسان القطب، في تصريح لـ "نداء الوطن" إلى أن قرار الحكومة بحصر السلاح بيد القوى الأمنية الشرعية لاقى تأييدًا واسعًا بين اللبنانيين الذين عانوا طويلاً من الفوضى والتوترات الطائفية تحت ذريعة "المقاومة". وأكد القطب أن التحركات الأخيرة لمناصري السلاح العشوائي وثنائي التعطيل أثبتت صحة القرار الحكومي، مشيرًا إلى أن الموقف الإيجابي من المجتمعَين العربي والدولي يؤكد أهمية هذا القرار في نقل لبنان من حالة الفوضى إلى الاستقرار.

وشدّد القطب على أن البيئة الإسلامية السنية، التي كانت مستهدفة باستمرار من قبل هذه الميليشيات، شعرت بارتياح مع عودة الدولة إلى دورها. واعتبر أن هذا المكون الوطني، الذي يشكل ركيزة أساسية في بناء لبنان، يرى في هذه الخطوة بداية حقيقية لاستعادة الوطن لمساره الطبيعي.

الخطوة المقبلة

ولتحقيق هذا الهدف السيادي، يتطلّب الأمر حشد دعم عربي ودولي فعّال للجيش اللبناني، مقرونًا بإرادة عربية ودولية موحّدة تساند لبنان في ترسيخ هذا القرار المصيري، عبر الضغط على إسرائيل للانسحاب من النقاط الخمس، والمضي قدمًا في دعم مسيرة إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي، بما يقطع الطريق أمام ذرائع سلاح الميليشيات، ويضع لبنان على مسار إنهاء حالة الفوضى التي أنهكت البلاد واستنزفت طاقاتها لعقود طويلة.