"USAID" خارج الخدمة بعد 61 عاماً على مساعداتها والخشية في لبنان على المشاريع التنموية والمنح الجامعية

ماذا يعني خروج مساعدات اجتماعية وإنسانية، بقيمة 40 مليار دولار، من برامج الدعم الأميركية، لأكثر من مئة دولة في العالم، تعاني الفقر والجفاف وعثرات اقتصادية واجتماعية؟

دون إغفال دورها في دعم أنشطة متصلة بالحياة السياسية والاجتماعية، مثل تعزيز الديموقراطية وبناء كياناتها، ودعم وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية، فإن الوكالة كانت من أكثر المؤسّسات الفيديرالية استهدافاً من ترامب، إذ "سلط" عليها ماسك فوراً بعد إعادة انتخابه، الذي بدوره لم يتأخر في الضغط على مسؤوليها، لتسليمه وثائق اعتبرها المسؤولون فيها حساسة، وغير مسموح قانونياً لماسك الذي لا يملك تصريحاً أمنيا بالاطلاع عليها.

وفيما لا تفسيرات أو إيضاحات رسمية حول مصير عمل الوكالة عموماً، وفي لبنان خصوصاً، اختفى موقع الوكالة الأميركية الرسمي عن الإنترنت دون أي تبرير فيما بقي عاملاً حتى تاريخه موقع فرع لبنان، وانتفت قدرة الحصول على معلومات، حول مصير عشرات المشاريع، وبرامج الدعم الإنمائي والتعليمي، التي تموّلها الوكالة. 

وقد نعى ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID معتبرين أنها "كانت على مدى أكثر من ستة عقود، منارة للأمل والشراكة في التنمية العالمية" و"رائدة في مكافحة الفقر وتعزيز التنمية المستدامة والنهوض بالديموقراطية والصحة في جميع أنحاء العالم".

وقد ترافق قرار وقف التمويل بإجراءات ترجمت بتوقف موقع USAID.gov الإلكتروني عن العمل، وتوقف نظام الدفع الخاص بالوكالة، وإزالة الأختام من مقرّها الرئيسي في العاصمة واشنطن.

ولا تعكس هذه الإجراءات التغييرات الإدارية التقشفية لإدارة ترامب فحسب، بل تمثل تحولاً تاريخياً في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، والتزامها المزمن بالتنمية الدولية، وسيشعر بتداعيات هذا التحوّل عشرات الملايين حول العالم ممّن يسعون للاستفادة من "الكرم" الأميركي، لتعزيز الصمود الاجتماعي والاقتصادي في بلدانهم، وفي تطوير بناهم التحتية والتربوية.

انعكاسات قرار ترامب على لبنان؟
في قرار أثّر على الكثير من الدول التي تحتاج إلى مساعدات خارجية ومن بينها لبنان، جمّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب المساعدات الأميركية الخارجية. هذه الخطوة وفق ترامب تهدف إلى "التركيز على المساعدات التي تخدم أميركا أولاً ومصالحها، خصوصاً أن بعض المساعدات تصل إلى دول لا تحترم أميركا". وكان لافتاً وصف إيلون ماسك الـUSAID بأنها منظمة "مجرمة"، مشبّهاً إيّاها بـ"عش الأفعى للماركسيين اليساريين المتطرّفين الذين يكرهون أميركا".

إلى ذلك، باتت الخشية أكبر من خسارة لبنان حصته من المساعدات الأميركية العسكرية واللوجستية للجيش اللبناني، التي يعوّل المسؤولون عليها بقوّة لإعادة بناء الجيش، ووفق معلومات "النهار" فإن المعنيين ينتظرون قدوم مورغان أورتاغوس نائبة المبعوث الرئاسي الخاصّ للسلام في الشرق الأوسط إلى لبنان لسؤالها عن الموضوع، وكذلك جواب مستشار الرئيس الأميركي مسعد بولس.

وإن كان قرار ترامب لم يشمل فقط الـUSAID بل كل المساعدات الأميركية الخارجية الإنسانية والتنموية الأخرى، فإن الـUSAID كانت تدير أكثر من ثلثي المساعدات الدولية وتساعد أكثر من 100 دولة بينها لبنان.
وإلى المشاريع المرتبطة بالـUSAID، ثمة مشاريع في لبنان، ومساعدات كثيرة، تموّلها الحكومة الأميركيةUS Government Aid، أوقفت جميعاً.

وقد أثر القرار على آلاف الطلاب الذين يفيدون من المنح والمساعدات، بالإضافة الى مئات الموظفين الذين يعملون في الـUSAID وغيرها من جمعيات المجتمع المدني التي تحصل مباشرة على الدعم، وبعضها بطريقة غير مباشرة. من هنا تؤكد مصادر متابعة أن "كل برنامج تديره وكالة أميركية، سيعود لها وحدها أن تقرّر ما إن كانت ستوقف رواتب موظفيها لثلاثة أشهر، أم ستستمر على نفقتها في تسديد رواتبهم لثلاثة أشهر، في انتظار اتضاح الصورة، أما الموظفون المتعاقدون فقد أوقفوا فوراً".

وأشارت المعلومات الى أن التمويل جاهز لكل المشاريع الأميركية في لبنان، ولكن بما أن الرئيس الأميركي قرر وقف التمويل لمدة 3 أشهر، فإن كل المشاريع ستتوقف بناءً على سياسته الجديدة، واستتباعاً لذلك فإن الفواتير والدفوعات التي صدرت للمتعهدين وغيرهم سيتوقف دفعها.

مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID - US Agency for International Development في لبنان جولي ساوثفيلد كتبت مع بداية سنة 2025 "مع انتقالنا إلى عام 2025، إن رحلتنا مع شعب لبنان لم تنته بعد، وما يزال أمامنا الكثير. فمع استمرار التضامن والشراكة الأميركية، سيستمر صمود لبنان في دفعه نحو الأمام.

وستواصل الـUSAID التزامها بالوقوف إلى جانب الشعب اللبناني في مساعيه لإعادة بناء وطنه، واستعادة أحلامه، والتطلع نحو مستقبل مليء بالأمل المتجدد".

بيد أن الأخبار الآتية من واشنطن تدفع إلى التشاؤم باستمرار ما تمنّته "ساوثفيلد" وما تأمله الحكومة اللبنانية، وعشرات البلديات والمؤسسات العامة التي تفيد من المشاريع المشتركة مع الـUSAID.

وبالاطلاع على الموقع الإلكتروني للوكالة الأميركية للتنمية الدولية Unsaid، يتبيّن أنه أفاد حتى الآن 16,396 طالباً من 10 جامعات في لبنان، من برامج الاستعداد الوظيفي التي تقدمها الوكالة، في إطار برنامج تنمية قدرات التعليم العالي، Higher Education Capacity Development Program. وانضم 123 طالباً وطالبة في جامعة سيدة اللويزة Notre Dame University-Louaize (NDU) ليصبح العدد الإجمالي للمستفيدين من المنح الدراسية نحو 500 مستفيد. وتغطي المنحة حتى 90% من الأقساط الجامعية.

إلى ذلك يعمل في الوكالة مئات الموظفين والمستشارين، بالإضافة إلى مسهلي خدمات، يتقاضون رواتب مرتفعة بالدولار "الفريش"، لم يُعرف مصيرهم حتى الآن، علماً بأن بعضهم يعمل في الوكالة منذ عشرات السنين.

وقد نشطت الوكالة في تنفيذ عدد كبير من المشاريع الزراعية والمائية والكهربائية، كما دعمت المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وتحسين الظروف المعيشية لآلاف الأسر الريفية.

وبرغم التباينات مع السياسة الأميركية، نفذت الوكالة الأميركية، في قرى وبلدات لبنانية، لا يتماهى سكانها وأهلها مع السياسة الأميركية، مشاريع تنموية عدة، وطوَّرَت من قدرات مؤسسات عامة، تُعنى بالخدمات الأساسية للقاطنين، وخصوصاً في تأمين مياه الشفة والآبار الارتوازية، ومدّها بالتيّار الكهربائي، عبر الطاقة الشمسية.