أهالي ضحايا المرفأ في وقفتهم الشهرية..كل يوم 4 آب

لم تقتصر ملامح الدمار الذي خلّفه الرابع من آب 2020 على تدمير المنازل والمحال التجارية والأملاك العامة والخاصة، بل طال خصوصاً أناس تحولت حياتهم إلى كابوسٍ. قصصٌ كثيرة لم تصل إلى معظم اللبنانيين، ومنها قضية المتضررين من تفجير 4 آب، الذين فقدوا أطرافهم، وتُركوا في بيوتهم منسيين بلا معيل، وسط تقاعس الدولة اللبنانية.

جدد أهالي الضحايا في الرابع من كل شهر، وقفتهم لإحياء ذكرى ضحاياهم، أمام تمثال المغترب، فرفعوا شعاراتهم وصور ضحاياهم وأشعلوا الشموع.

رحلة المعاناة
"الموت أسهل فكل يوم هو 4 آب". بهذه الكلمات لخّص أيوب الجوني (66 عاماً) معاناته بعد تفجير 4 آب، حيث أجبر على بتر قدمه اليمنى بسبب إصابته البالغة حينها. وبصوت مرتجف وعيونٍ ممتلئة بالدموع، شارك مساء الجمعة في 4 تشرين الثاني في الوقفة الشهرية لأهالي ضحايا إنفجار المرفأ، إلى جانب مجموعة من المتضررين والمقعدين، وذلك للمطالبة بتحقيق العدالة وتحريك الملف .

وفي حديثه مع "المدن"، يصف حالته النفسية الصعبة وحاجته لجلسات علاج نفسي، لعدم شفائه من صدمته الأخيرة بعد خضوعه لعملية بتر ساقه اليسرى، منذ أربعة أيام . فهو بات عاجزاً عن متابعة حياته كالسابق، بعدما صار عاطلا من العمل، وغير قادر على تأمين تكاليف علاجه أو شراء أدويته الشهرية، لاسيما أنه بحاجة إلى أكثر من مليوني ليرة لبنانية بشكل شهري لشراء الأدوية. أما زوجته فبحاجة إلى مراجعة طبية دائمة جراء إصابتها بالانزلاق الغضروفي بسبب مساعدتها اليومية لزوجها. وبحسرةٍ كبيرة ناشد الدولة اللبنانية الغائبة عنه، طالباً منها  العدالة و...كرسيّا متحركاً فقط.

جسد بلا ساق
أما جوزف الغبري (58 عاماً)، الذي بترت قدمه وكُسر كتفه، فيرفع صوته مناشداً وزارتي الصحة والشؤون الإجتماعية، ويروي لـ"المدن" معاناته التي لم تنته حتى اليوم مع الألم والعذاب. وهو اليوم بحاجة إلى أكثر من 4 آلاف دولار أميركي لإجراء عملية جراحية، لاسيما أنه يحاول يومياً تأمين هذا المبلغ. وهو لجأ إلى وزارة الصحة والضمان الإجتماعي وإلى مجموعة من الجمعيات والمنظمات غير الحكومية لمساعدته ولكنه لم يتلق أي إجابة. وبلوعةٍ يقول: "استبدلوا قدمي بقطعة بلاستيكية، أعلم جيداً أننا بتنا دمىً في هذا البلد، ولكن يبقى الأمل الوحيد بالله وبالأيادي البيضاء".

ذكرى بلا عدالة
في وقفتهم الشهرية، عبّر الأهالي عن استيائهم من تعاطي الدولة اللبنانية مع قضيتهم بإهمال واضح، وذلك بعد مطالبتهم المستمرة من البلديات والجهات المعنية بإضاءة تمثال المغترب في الرابع من كل شهر خلال وقفتهم الشهرية وذلك ليتمكنوا من قراءة بياناتهم. ولم يتلقوا أي إجابة واضحة، ما أجبرهم اليوم على إضاءة هواتفهم المحمولة وسط الظلام الحالك في المدينة المنكوبة لقراءة بيانهم. وأكدوا فيه أنهم لن يسمحوا بأن يتحول الرابع من آب إلى ذكرى وطنية فقط، ولن يتهاونوا بعد اليوم في الدفاع عن حقوق ضحاياهم حتى تحقيق العدالة.

وشددوا على ضرورة عودة القاضي طارق البيطار لمتابعة تحقيقاته، مطالبين الأحزاب السياسية بالتوقف عن استثمار واستغلال هذا الملف لتحقيق غاياتهم السياسية والشخصية، معتبرين أن تعطيل التحقيق هو عملية ممنهجة هدفها الوحيد حماية الموقوفين من السجن ومنع محاكمتهم.

وبين تعطيل التحقيق ومحاولة طمس الحقيقة، وبين إبعاد المحاسبة عن المرتكبين ووعود الدولة اللبنانية في الكشف عن الحقيقة خلال خمسة أيام من تاريخ الإنفجار، وبين عودة البيطار أو إطاحته، يعيش جرحى إنفجار 4 آب بلا عدالة وبآلام جسدية ستستمر معهم مدى الحياة، فيما سيظل أهالي الضحايا يرفعون صور ضحاياهم حتى تحقيق العدالة .