‏أين العرب؟

تحت عنوان "أين العرب"، كتب الدكتور رودريك نوفل:

"السؤال الذي يطرح نفسه قبل القمة العربية و الإسلاميّة وبعدها أين تضامن العرب مع إخوانهم الفلسطينيين بإستثناء شبكات التواصل الإجتماعي؟

 فلو أراد العرب فعلاً مساعدة الفلسطينيين لما وصل بهم الوضع إلى هذا الدرء.

 طبعاً إذا القينا نظرة على شبكات التواصل الإجتماعي نشعر للوهلة‏ أن العرب بالفعل حرروا فلسطين؛ لكن بالفعل السؤال الذي يطرح نفسه "لماذا منذ النكبة سنة ١٩٤٨ لم نرى سعي عربي فعلي حقيقي و عملي لمساعدة هذا الشعب"

‏طبعاً المساعدة المقصودة لا تقتصر فقط على المساعدات الغذائية و الطبيّة و المالية إنما على إستقبال أهلهم من فلسطين و شرعنة وجودهم في بلدهم و بمساعدتهم تحقيق حق العودة فلو سعى العرب منذ وقت النكبة بإستقبال جدّي لجميع الفلسطينيين و إيوائهم و تقسيمهم على أوطانهم كلهم نسبةً للقدرة الإستيعابية و الإقتصادية و اللوجستية و الجغرافيَة لبلادهم فما كان من الفلسطينيين أنفسهم إلّا التجمّع و التكتّل لنهضة فلسطين و القضيّة.

طبعاً أوّل من خذل الفلسطيننين تاريخياً هم العَرَب فالعالم العربي يضم ٢٢ دولة إذا تضافرت جهودها فعلياً دون تخاذل يمكنها أن تحرّك مسار سياسات العالم و مواقع القرار فيه.

طبعاً العالم الإسلامي الذي إعتبر نفسه معني هو جزء من التخاذل المزمن فالقدس التي تغنّى بها سعيد عقل و غنّتها فيروز بقيَت قضيَّة دفع ثمنها فعلياً و عربياً لبنان و شعبه فقط؛ فالحروب و الدمار التي إفتعلوها من حادثة "بوسطة عين الرمانة" التي أشعلت الحرب اللبنانية ١٩٧٥ مروراً بمجزرة الدامور المنطقة المسالمة ١٩٧٦ و معارك داخليّة لا تنتهي خاصها الفلسطينيون في لبنان الذي كان يُفترض أن يقتصر وجودهم على كونهم لاجئين وليس محتلّين محاربين أصحاب الضيافة في دارهم زاعمين كما قال "أبو أيّاد" أن "طريق القدس تمرّ بجونية" الحوادث التي خلقت نفور لبناني من الفلسطينيين و ما زاد الطين بلّة العمليات التي نفّذها العدو الغاشم على الأراضي اللبنانيَّة للثأر من بعض القيادات الفلسطينية و كان أهمها "أبو حسن سلامة" التي دفع أبرياء لبنانيين حياتهم و أملاكهم ثمناً في تلك العملية التي نتج عنها إنفجار في بيروت حصد أرواح و أملاك دون أن ننسى عمليات التصفيات و أهمها عمليّة نفذتها قوّة إسرائيلية أيضاً في بيروت كان هدفها عناصر إرهابيَة شارَكَت في عمليَة إختطاف و قتل البعثة الأولمبيَة في ميونخ ١٩٧٢ و لا يزال يهودا باراك يفاخر ليومنا هذا أنّه كان من عداد فرقة الموساد التي شاركت في تلك العمليَّة.

لبنان هو البلد الوحيد الذي دفع فاتورة فلسطين و القدس،
لبنان احترق تحت شعار حرية العمل الفدائي الفلسطيني من لبنان!

هذا غَيض من فَيض حصَل في لبنان بظّل غياب العرب السياسي و الأخلاقي عن القضايا المحقّة فالمتاجرة بالقضيَّة التي كانت تتم على المنابر لم تنتج سوى خسارة فلسطين للقضية مسببة نشوء ميليشيات دينيّة متشددة في المنطقة تم تصنيفها على لائحة الإرهاب و الأسوأ التناقض العربي في هذا الموضوع تحديداً فبعد رفض الإخوان في مصر لا يمكن دعم ميليشا مثل "حماس" تأخذ المواطنين دروعاً بشرية و تورط بلاد في حروب دون تأمين مأوى و مأكل و دواء و وقود أو أي من متطلبات الحياة الأساسيّة في الحروب و لعل أوضح جواب كان بلسان مواطن فلسطيني مصاب في المستشفى حين صرّح بالنقل المباشر على قناة الجزيرة أن "حماس" تستعمل المواطنين كدروع بشريَة، تلك المنظّمة التي قال عنها الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس أنّها لا تمثل الفلسطينيين.

ضياع العرب و تخاذلهم أوضح من الشمس فغالبيَتهم هم من الذين دعموا رجب الطَيّب إردوغان في حملته الإنتخابيّة من أشهر قليلة هم اليوم نفسهم يهاجموه لعدم مقاطعة إسرائيل التي زاد تبادلها التجاري الغذائي مع تركيا مؤخراً و التي تتكل على تركيا بالإستيراد التجاري متناسين أو تركيا أوّل دولة إعترفت بالكيان كدولة في اربعينيات القرن الماضي و هي لم تستغل هذه النقطة الضعف للضغط بإتجاه هدنة إنسانية على الأقَلّ و الأنكى حضوره الذي كانوا يعتبروه أساسي في القمّة العربيّة الإسلاميَّة فالمسلمون العرب يسافرون إلى الغرب للتظاهر و التضامن مع فلسطين لأنّ الديمقراطيّة غائبة عندهم و هم متناسين المطالبة بالحريّة في بلادهم فمن إحتفى بوجد بشار الأسد الذي قتل حوالي مليونَي مواطن سوري معارض في الداخل و الذي يطلق عليه أكثر من ١٢ مليون سوري لاجىء في جميع أقطار العالم لقب "سفّاح الكيمائي"  دون الإشارة إلى إجرامه أو مسؤوليته و من إحتفى بوجود صاحب العقوبات "إبراهيم رئيسي" رئيس النظام الذي صنعته مجموعات متطرفة دينياً و الذي يقمع يومياً المتظاهرين و الحريّات بالطرق العنيفة حيث أن الموت عنده أسهل من إصدار مرسوم ليس جديراً بالمطالبة برفع إحتلال عند طرف عربي لم يفعل شيء لمساعدته منذ النكبة ١٩٤٨ التي يأتي يوبيلها الماسي هذه السنة ممتلئاً بالمآسي ملطخاً بدماء الأبرياء بل كان ثاني نظام في المنطقة يعترف بالكيان كدولة سنة ١٩٤٨ بعد تركيا و لا يزال الكيان للساعة يستثمر بما يوازي ٣٠ مليار دولار في إيران حيث الجالية اليهودية تحظى بمعاملة خاصة من رؤساء إيران و بتوصية خاصة من المرشد علي خامنئي و في المقابل عدد اليهود الذين يحملون الجنسية الإيرانيّة عند الكيان يفوق الـ٢٠٠،٠٠٠ إيراني و هم أيضاً يحصلون على معاملة خاصة من السلطات المحليّة هناك و الملفت أن معابد اليهود في طهران تجاوز عددها الـ٢٠٠ "كنيست" بينما يسكن عاصمة الجمهورية الإيرانية أكثر من مليون و نصف سنّي و ليس هناك مسجد واحد للسنّة في تلك العاصمة.

أين العرب؟
أين العرب الذين بسماحهم لحماس البقاء و التحرّك في دولهم حوّلوا القضيّة الفلسطينية من قضيّة حقّ إلى قضيّة إنسانيّة بحت حيث همّ المتضامنين عالمياً و مطالبهم تقتصر على وقف حمام الدمّ دون أي مطالبة بحلّ دائم و نرى في الداخل الفلسطيني مطالبات شعبيّة لحماس بوقف الحرب لأن من يدفع الثمن هناك هو الشعب و فقط الشعب.

أين العرب من الحلول؟ ألَيس الرئيس حبيب بورقيبة العربي أوّل من إقترح حلّ الدولتَين سنة ١٩٦٤؟ هذا الحلّ الذي تم نقاشه عند مناقشة برنامج النقاط العشر في الأردن ١٩٧٢ وصولاً لنقاشات المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر ١٩٨٨ ثم في أوسلو ١٩٩٣ وإغتيال مؤتمر السلام إلى القمّة العربيّة في لبنان ٢٠٠٢ لا يجب أن ينتظر زيارة رئيس أميركي للمنطقة بعد بدء هجومات "حماس" بعدّة أيّام للتصريح به و إقتراحه كورقته الرابحة إنتخابياً و إعلامياً التي زاد تأكيداً عليها الرئيس الفرنسي بعد زيارته ميدان الحرب القائمة في غزّة فغياب التوازن و غياب العرب عن المطالبة بحلولهم المقترحة يجعلها حلولاً مسروقة يتاجر بها الغرب كما تاجر بالقدس و بيت لحم مهد الديانات السماويّة الثلاث على دماء العرب الذين ينددون و يستنكرون و يرسلون بعد المساعدات الغذائية تأكيداً لتحويل التاريخ قضية إنسانية؛ ما يربط العرب ظهر أنّه فقط رابط ثقافي لغوي حيث لا يخلو الأمر في بعض البلدان من اشتباك حدودي مع الجيران بدل التواصل و الإنفتاح كما الإتحاد الأوروبي فالوقاع أظهر أنه لا يوجد عقل سياسي حقيقي يعَوّل عليه منذ بداية الألفية الثانية فأكلاف ما إسمه الوحدة العربية باهظة على العرب منذ ٧٥ سنة لليوم، أكلاف بشريَّة و انسانيَة و ثقافيَة؛ أين العرب…"