إرباكٌ فصائلي إزاء تسليم السلاح: "فتح" فاجأت الجميع

بعد 35 عاماً على آخر عملية تسليم لسلاح فلسطيني ثقيل للجيش اللبناني في صيدا، قامت حركة فتح بتسليم سلاح ثقيل ومتوسط على أطراف مخيم برج البراجنة، الأمر الذي أكسب الخطوة بعداً رمزياً إضافياً. والعملية الأخيرة تفصلها أربعة أشهر عن آخر زيارة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للبنان، ولم تخلُ من ملاحظات عديدة:

أولاً: أُعلن عن العملية بعد الإخفاق بالإيفاء بوعود سابقة لتسلّم السلاح الفلسطيني، وكان موضوع تسليم السلاح سبباً رئيسياً في إحداث الأزمة الداخلية الأكبر في حركة فتح في لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية، وأدت الأزمة إلى إقالات واسعة، وتشكيل لجنة تحقيق في رام الله، لا تزال تقيم في بيروت حتى الساعة، وتجري تحقيقاتها، ما يُشير إلى حساسية القضية، وتفرّعاتها.

ثانياً: جاء الإعلان عن عملية التسليم بعد ساعات من اعتقال المسؤول السابق في الأمن الوطني، والمقال من حركة فتح شادي الفار في فندق فينيسيا. وساد إرباك في الساعات الأولى التي تلت الإعلان عن السلاح، وقال بداية أكثر من مسؤول في حركة فتح لـ"المدن"، إن السلاح الذي سيُسلّم هو الثقيل والمتوسط في الحركة، لكن قبيل ساعات من التسليم، راح الحديث باتجاه تسليم السلاح الثقيل والمتوسط الذي صودر من مكاتب شادي الفار، والذي هو عبارة عن شاحنة صغيرة تحوي دوشكات، وصواريخ شامل، وصواريخ من عيار 107، ومدافع b10.

ثالثاً: على رغم أن كمية السلاح قليلة نسبياً، وتُنسب إلى شادي الفار، لكن رمزية الخطوة غير خافية، وقد كسرت الحاجز النفسي للعديد من الفلسطينيين الذين يتحفّظون على عملية تسليم السلاح في هذه الظروف. وحديث الرئاسة الفلسطينية ولجنة الحوار اللبناني الفلسطيني كان واضحاً أن ما جرى هو البداية باتجاه تسليم السلاح الفلسطيني بكل المخيمات. وكان المبعوث الأميركي توم براك الأوضح باعتبار الحدث نقطة في مخطط أوسع، حين هنّأ "الحكومة اللبنانية وحركة فتح على اتفاقهما بشأن نزع السلاح الطوعي في مخيمات بيروت".

رابعاً: تشير المصادر إلى أن السلاح الثقيل الذي سُلّم جزء منه دخل مخيم برج البراجنة قبل عامين، خلال أحداث عين الحلوة في تموز 2023، ويُتهم شادي الفار بإخفاء بعضه، وهو ما قاد إلى اعتقاله، وفق المصادر. ولكن، عموماً، السلاح الثقيل لم يُستخدم بأي إشكال مسلّح في المخيم منذ عام 1988، تاريخ المعارك التي شهدها المخيم بين فتح الانتفاضة وفتح بقيادة ياسر عرفات. ما عدا ذلك، السلاح الفردي هو الذي كان يتسبب بسقوط القتلى، والفوضى العامّة. 

خامساً: لوحظ أن حركة فتح لم تُخبر بالتوقيت ولا بالتفاصيل هيئة العمل الفلسطيني المشترك، ولا حتى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية القريبة منها، وهو ما أثار تساؤلات من جانب هذه الفصائل، عبّرت عنه من خلال بيان يعترض على مبدأ وآلية التسليم.

سادساً: ما جرى لم يحاول الإجابة عن الأسئلة المعلّقة منذ زيارة عباس الأخيرة إلى بيروت: هل ستجري المقايضة بين الحقوق والسلاح، أو على الأقل إثارة مسألة الحقوق؟ هل ستسري القوانين اللبنانية بما فيها قوانين العمل اللبنانية على المخيمات التي تسلّم أسلحتها؟ وما هو مصير المطلوبين، خصوصاً في المخيم الأكبر عين الحلوة؟ الكثير من هذه الأسئلة طرحها الحقوقي الفلسطيني فؤاد بكر في حديثه لـ "المدن"، أضاف "نحن مع تنظيم السلاح، ومعالجة الموضوع ضمن سلة متكاملة من ناحية الحقوق والواجبات".

وتساءل "من سيدير المخيمات. فالدولة اللبنانية تمنع تملك الفلسطينيين، فكيف ستتعامل مع البناء القائم في المخيم؟ وجزء من أراضي المخيمات هي أراضٍ يطالب بها أصحابها، من الوقف المتنوع طائفياً إلى أملاك خاصة كانت مستأجرة "فهل ستعمد السلطات اللبنانية إلى محاولة تجريد أصحاب المباني من أصولهم"؟

سابعاً: كان لافتاً أن يوافق بعض قادة فتح على بيان الفصائل الفلسطينية الذي يرفض تسليم السلاح، في الوقت الذي كان يقوم فتحاويون آخرون بتسليم سلاح. بالمقابل رفض خمسة مسؤولين في قوى التحالف الرد على أسئلة المدن حول القضية، بذريعة أن رفض خطوة تسليم السلاح تضمنها بيان الفصائل، ولا رغبة لدى أي فصيل في خلق جدال أو تشنج مع حركة فتح في هذا التوقيت.

 

قصة السلاح في المخيم

مرّت قضية السلاح في مخيم برج البراجنة بعدة محطات رئيسية من أبرزها:

العام 1958: على الرغم من أنه لم يكن لدى الفلسطينيين في المخيم خلال تلك أزمة 1958، إلا أن بعض القوميين السوريين والقوميين العرب شاركوا في الأزمة كأفراد على طرفي نقيض. وقُتل أحد سكان المخيم ويُدعى محمد حمود، وينتسب لحزب النجادة.

العام 1961: أفراد من حركة القوميين العرب، التي دخلت المخيم عام 1953، توجهوا للعراق لتلقي التدريب بعد عام على إعلان عبد الكريم قاسم إعداد "القوات المسلحة للجمهورية الفلسطينية".

العام 1966: بدأ انضمام بعض شباب في المخيم لحركة فتح، والذهاب لسورية سراً، والخضوع لدورات عسكرية.

21 تشرين الأول 1969: انطلقت مسيرة طلابية، تصادمت مع المكتب الثاني، فقُتل شاب من المخيم، وجُرح 12 آخرون. وكان ذلك تاريخ بدء العمل المسلح العلني. 

آذار 1970: الصدام المسلح الأول بين فلسطينيين بالمخيم وحزب الكتائب المتواجد في حارة حريك، وسقط عدد من القتلى.

2 ايار 1973: الجيش اللبناني يقصف المخيم، وتوقفت المعارك في التاسع من أيار، التي اشترك فيها سلاح الطيران.

4 حزيران 1982: بداية قصف المخيم من الطيران الإسرائيلي، تمهيداً للاجتياح.

أيلول 1982: دخول الجيش اللبناني للمخيم وبدء تسلّم السلاح الفلسطيني، واعتقال المئات.

شباط 1984: تزايد تسليح الفصائل الفلسطينية في المخيم.

أيار 1985: اندلاع حرب المخيمات، وأحد المطالب تسليم السلاح.

1988: خروج قوات فتح المركزية من المخيم بعد حرب مدمرة ضد فتح الانتفاضة.