المصدر: المدن
الكاتب: لوسي بارسخيان
الجمعة 4 تشرين الأول 2024 18:14:04
كتبت لوسي بارسخيان في المدن:
لم تمض ساعات على التهديدات التي طالت معبر لبنان الحدودي عند نقطة المصنع، حتى قصفت إسرائيل الطريق الدولية الفاصلة بين سوريا ولبنان بثلاثة صواريخ سقطت على بعد نحو كيلومتر من مركز الدخول التابع للأمن العام اللبناني. فتسبب عدوانها بخندق غميق على عرض الطريق الذي يصل إلى 24 مترا، وهو ما أقفل المعبر بشكل نهائي أمام كل وسائل الإنتقال، وعلى مسلكي الدخول والخروج من لبنان.
تهديدات سبقت القصف
بدا الاعتداء المحتم مقروءاً من عنوان مزاعم إسرائيل بأن حزب الله يستخدم بوابة لبنان الرئيسية إلى سوريا لتهريب الأسلحة. وبالتالي لم ينجح نفي وزير الأشغال علي حمية، في تحييد هذا المعبر الرئيسي الذي يربط لبنان بسوريا وسائر بلدان الخليج العربي، عن مسرح العمليات "الحربية" التي حددها العدوان الإسرائيلي، على رغم التأكيدات الرسمية والأمنية بأن جميع الشاحنات التي تصل إلى لبنان عبر هذا المعبر، تخضع لعملية كشف دقيقة سواء يدوياً أو عبر آلات السكانر.
الضربة الإسرائيلية لمنطقة المصنع كانت محتّمة، منذ خرجت إسرائيل بتصريحاتها العدائية تجاه حركة هذا المعبر في ساعات النهار. حتى أن البعض توقع توقيت تنفيذها، وذلك في معرض قراءتهم لسيناريو اعتداء مشابه لما حصل في حرب تموز 2006. فما إن تراجعت حركة عبور نقطة المصنع التي كانت قد إرتفعت بشكل كبير في الأيام الماضية، حتى صادقت إسرائيل على تهديداتها التي نفذتها في ساعات الفجر، متسببة بحالة ذعر في معظم المناطق البقاعة التي كانت قد استفاقت على صوت إنفجارات ضخمة.
اجتياز الحدود بمشقّة
في ساعات الصباح الأولى، لم يصدّق البعض أن الطريق مقفلة بشكل نهائي، فتوجهوا إلى معبر المصنع مع أمل بأن يتمكنوا من سلوك الطريق نحو سوريا، ليجدوا لهم مأوى يقيهم الحرب التي شردتهم من منازلهم. إلا أنه على رغم استمرار العناصر في المراكز الحدودية بإتمام إجراءات الخروج للمواطنين، كان على هؤلاء أن يترجلوا من السيارات مع أمتعتهم ويجتازوا الحفرة سيراً على الأقدام. بحسب ما أخبر بعض العاملين في المحلة، فإن مشقة العابرين باتت مضاعفة هذه المرة عما حصل خلال حرب تموز 2006، لأن سوريا تمنع سيارات النقل العام من عبور حدودها من دون ركاب. وبالتالي على اللاجئين إليها أن يجتازوا المسافات الحدودية الطويلة الفاصلة بين البلدين سيراً على الأقدام.
هكذا إستعيدت مشاهد حرب تموز 2006 مجدداً، عائلات وأفراد وجدوا لأنفسهم معبراً من سنتمترات قليلة إستخدموه ليجتازوا الحفرة من جانب إلى آخر، وعدد منهم لم يكن يحمل أمتعته فحسب، وإنما أيضاً كميات من المازوت أو البنزين تسد بعض الحاجات في سوريا التي تعاني أزمة إقتصادية بدورها. وعلى رغم هذه المشقة إستمر تدفق اللبنانيين والسوريين الهاربين إلى سوريا بحثاً عن مأوى آمن لهم، وهو ما رفع من أعداد الناس الذين شوهدوا وهم يجتازون الحفرة بساعات النهار.
تداعيات اقتصادية
أما سائر شاحنات النقل والتصدير والسيارات العمومية فتوقفت حركتها بشكل نهائي، وشوهد بعضها على بعد مسافات من ساحة الجمارك، مخافة من أن يطالها الإعتداء الإسرائيلي. هذا في وقت إستمر تدفق النازحين السوريين الذين إزدادت حركة مغادرتهم للأراضي اللبنانية منذ ارتفاع وتيرة العدوان الإسرائيلي على لبنان، وشوهد بعضهم وهم يسلكون المعابر غير الشرعية مجدداً، بعدما كانت السلطات اللبنانية قد عملت على تسوية أوضاعهم لإجتياز حدودها بشكل شرعي في الأيام الماضية.
تداعيات العدوان الإسرائيلي على معبر لبنان البري الرئيسي ليست إنسانية وإجتماعية فحسب، وإنما إقتصادية أيضاً. إذ أن المعبر يؤمن تدفق معظم إنتاج لبنان الزراعي والصناعي إلى البلدان العربية ودول الخليج، وهذا ما يتوقع أن يترك أثراً سلبياً على معظم القطاعات الإنتاجية المصدرة للخارج، خصوصاً أن الإعتقاد السائد حتى الآن، ان أحداً لن يجرؤ على ردم الحفرة التي خلفها العدوان مباشرة. والخوف من أن يبقى الحال على ما هو عليه لفترة طويلة، وخصوصاً بسبب حالة الذعر التي تتسبب بها وحشية إسرائيل وعدم مراعاتها لأي من المعايير الإنسانية في حربها التي تحصد المواطنين الآمنين سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
يذكر أن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي ادرعي كان قد وجه تهديدًا مباشرًا لمحلة المصنع الحدودية ناقلا مزاعم إسرائيل بأن حزب الله "يستخدم هذا المعبر لنقل الأسلحة من سوريا إلى لبنان، وأنه يحاول استغلال الغطاء المدني لنقل الوسائل القتالية الواردة من إيران عبر سوريا، مختبئاً بين المدنيين السوريين واللبنانيين." علماً أن إسرائيل كانت قد استخدمت المزاعم نفسها لتبرر اعتداءها المشابه على هذا المعبر في 30 تموز من العام 2006.