إعفاءات فواتير الكهرباء: طبّاخ السّم يتذوَّقه "بالقانون"

تطوَّرَ السجال حول الإعفاءات التي وافقَ عليها وزير الطاقة وليد فيّاض، لصالح موظّفي وعمال ومتقاعدي مؤسسة كهرباء لبنان. فبعد موافقة فيّاض على تخفيض قيمة بدل استهلاك الطاقة لهؤلاء الموظفين والمتقاعدين، رفض وزير المالية يوسف الخليل التوقيع، ما دفع نقابة عمال مؤسسة كهرباء لبنان إلى إعلان الإضراب ثم تعليقه بعد جلسة عقدت اليوم الأربعاء 12 نيسان، مع وزير المالية، خلصت إلى ضرورة إجراء بعض الدراسات قبل اتخاذ القرار النهائي. وعليه، ستنتظر النقابة التي تصرّ على الإعفاءات، وتعطيها طابع "تحفيز العمال". لكن إنهاء القضية لصالح الموظفين، قد يستدعي تحرّك باقي موظّفي الدولة. فهل يحصل الجميع على إعفاءات، أم هناك حلٌّ أفضل؟.

تحفيز وليس إعفاء
طلبت مؤسسة كهرباء لبنان "إنصاف مستخدمي ومتقاعدي وأجراء المؤسسة"، من خلال الحصول على "بدلات مخفّضة"، وهو حال البدلات المخفّضة "التي كان يستفيد منها العاملون في سلطة الوصاية في وزارة الاتصالات". ووافق فيّاض على ذلك.
فوجىء الموظفون برفض الخليل التوقيع على القرار، رغم إصرارهم على أن المطلوب "ليس إعفاءً من التعرفة، بل تعرفة مخفَّضة"، وفق ما يقوله رئيس نقابة موظّفي مؤسسة كهرباء لبنان جورج سركيس. ولذلك، يخرج النقاش برأي سركيس من دائرة ما تنصّ عليه المادة 75 من قانون موازنة العام 2001 التي تنص على إلغاء جميع الإعفاءات أو البدلات المخفّضة للرسوم مهما كان نوعها أو تسميتها أو طبيعتها والجهة المستفيدة منها.
ومع أن نص المادة واضح، إلاّ أن وزير المالية "سيرى المخارج القانونية لهذه القضية". ويأمل سركيس في حديث لـ"المدن"، أن يكون قرار الوزير "في مصلحتنا". ويشير إلى أن منطلق المطالبة بالتخفيضات يأتي "انسجاماً مع خطة النهوض بقطاع الكهرباء. فالنهوض لا ينفصل عن تعزيز قدرة الموظفين على العمل في الظروف الصعبة. فالموظفون يعملون في المعامل ويخاطرون بالإصابة بأمراض سرطانية، فضلاً عن خطر التعرض لصعقات كهربائية على الأعمدة. بالإضافة إلى عملهم على مدار الأسبوع، ومن الطبيعي حصولهم على تحفيزات لمواصلة عملهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة".
ويلفت سركيس النظر إلى أن تعرفة الكهرباء الحالية تزيد الثقل على الموظفين، خصوصاً أنها "تقتطع مباشرة من الرواتب قبل تحويلها، ولا يمكن للموظفين تأجيل دفعها كما يفعل الكثير من المواطنين".

الحل بالقانون
رغم اختلاف التسمية، تبقى التعرفة المخفَّضة امتيازاً نتيجته إعفاء الموظفين والمتقاعدين من رسوم عامة يفترض تطبيقها على جميع المواطنين. لكن الواقع يحمل تناقضات تُظهِر الآلية غير السلمية التي تُدار بها الدولة.
فالواقع يسجِّل أنواعاً كثيرة من الامتيازات على مستوى المؤسسات العامة والمهن الخاصة. فالموظّفون في مؤسسات المياه وفي وزارة الاتصالات وشركتيّ الخليوي والمحامون والقضاة... وغيرهم، ينعمون بامتيازات تندرج ضمنها تخفيضات التعرفات أو الحصول على نسبة منها.
ومع رفع وزارة الطاقة تعرفة الكهرباء بصورة لا تتناسب مع أوضاع اللبنانيين الاقتصادية والاجتماعية، وإبقائها على بدل تأهيل مرتفع يساوي بالنسبة للبعض قيمة راتب كامل أو نصف راتب، كان لا بد من ردّة فعل مقابلة، تظهر بأشكال متعدّدة، ومنها المطالبة بإعفاءات وامتيازات.
أما الحل، "فيكون بالقانون، وبشكل شامل". وبالنسبة للمدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة، غسان بيضون، يبدأ الأمر بـ"إعادة النظر بالتعرفة وبطريقة احتسابها".
يؤيّد بيضون معنوياً، مطالب موظّفي المؤسسة، ويجزم في حديث لـ"المدن"، أن "التعرفة يجب أن تراعي الأوضاع المعيشية، لكن ليس بشكل مخالف للقانون". ومن هنا، على وزارة الطاقة الإلتزام بما تعهّدت به، وأن تراعي مبدأ تحقيق التوازن المالي الذي من أجله تُحَدَّد التعرفة.
والتوازن المالي الذي ينبغي بالوزارة تحقيقه لصالح مؤسسة الكهرباء، يعني تغطية النفقات عبر الإيرادات الآتية من التعرفة. "فعلى أي أساس احتُسِبَت التعرفة الحالية؟". ويسأل بيضون عن إعادة النظر بالتعرفة، وهو ما أقرّته وزارة الطاقة ولم تلتزم به، علماً أن أسعار النفط انخفضت عالمياً. وأيضاً، يلحظ بيضون عدم تحقيق تغذية بمعدّل يتراوح بين 8 إلى 10 ساعات، وهو شرط من شروط رفع التعرفة، إلى جانب عدم نزع التعديات على الشبكة. وكذلك، يدفع المواطنون تعرفة الكهرباء وفق دولار متحّرك، ويدفعون ثمن زيادة مصرف لبنان 20 بالمئة على قيمة الدولارات التي تشتريها مؤسسة الكهرباء بليرات التعرفة.
ولأجل الكثير من المعطيات التي على وزارة الطاقة مراجعتها، يصبح مطلب الإعفاء مطلباً عاماً على جميع المواطنين الحصول عليه عبر إعادة النظر بالتعرفة وببدل التأهيل المجحف الذي يجب أن يكون من ضمن التعرفة الأساسية وليس منفصلاً عنها.

يقع موظّفو الكهرباء ووزارة الطاقة أمام مادة قانونية لا تجيز الإعفاءات. أما التحفيزات فهي حقّ للموظفين الذين يرون أن طبّاخ السمّ يتذوَّقه. وللوصول إلى صيغة مناسبة، على المخرج أن يكون قانونياً. والمسار الأفضل، هو تعرفة منسجمة مع الظروف الاقتصادية ومع الخدمة المقدَّمة. وعدا ذلك، يُفتَح المجال أمام رُشى موسَّعة ومخالفات قانونية هي الآن بيد وزير المالية.