المصدر: أساس ميديا
الكاتب: محمد بركات
الخميس 7 آب 2025 08:33:41
5 آب هو بداية هزيمة “الدّويلة” التي منعت طويلاً بناء الدولة. ويوم إقفال “اتّفاق القاهرة” رسميّاً، بعد 6 عقود من الشعارات التدميريّة، والحروب العبثيّة. وسيسجّل التاريخ أنّه التحوّل الأهمّ منذ تأسيس هذا الوطن في 1943. لأنّه فتح باب إعادة لبنان إلى رشده… وتزامن فتح هذا الباب مع تعهّد أميركي غير مسبوق بمنع إسرائيل من الاعتداء على لبنان، يكشف عنه “أساس” أدناه.
من دون طلقة واحدة، ومن دون بيان رقم واحد، سجّل لبنان انتصاره الأهمّ منذ اتّفاق الطائف، وفتح الباب أمام الجمهورية الثالثة.
بعد نصف قرن على “اتّفاق القاهرة” الذي رعاه بعض العرب وشرّع جنوب لبنان ولبنان كلّه أمام الميليشيات من كلّ حدب وصوب، وأمام الحرب الأهليّة… وبعد ربع قرن من تدوير الزوايا مع “الحزب” منذ تحرير الجنوب في عام 2000، ومن الحوارات العبثيّة، اتّخذ مجلس الوزراء قراراً تاريخيّاً بحصر السلاح على كامل الأراضي اللبنانية بيد الدولة قبل نهاية 2025. وكلّف الجيش اللبناني تقديم خطّة تنفيذية قبل نهاية شهر آب الجاري، لإقرارها في مجلس الوزراء، خلال 3 أسابيع.
تأجيل بند “حصر السلاح”؟
اختلط على البعض ما قاله رئيس الحكومة نوّاف سلام، حين أعلن تأجيل بحث ورقة المبعوث الأميركي توم بارّاك إلى جلسة الخميس. وظنّ كثيرون أنّه تأجيل لبحث بند “حصر السلاح بيد الدولة”. لكنّ القرار اتّخذ، وبمهل زمنيّة محدّدة:
– إقرار الخطّة خلال 3 أسابيع.
– تنفيذ الخطّة وفق آليّة يحدّدها الجيش، خلال 4 أشهر (أيلول، تشرين الأوّل، تشرين الثاني، وكانون الأوّل 2025).
لهذا بات 5 آب يوماً تاريخياً. لأنّ الدولة اللبنانية، أي السلطة الحالية ممثّلة بالرؤساء الثلاثة، ومجلس الوزراء مجتمعاً، كسرت حاجز الخوف.
تزامن هذا مع انفضاض حلفاء “الحزب” من حوله في الأيّام الأخيرة. وأطلق بعض أقرب المقرّبين منه تصريحاتٍ تعلن بوضوح لا لبس فيه أنّهم يقفون إلى جانب هذا البند. أبرزهم طوني سليمان فرنجيّة، و”الأحباش”، ومثلهم حلفاء سابقون مثل فيصل كرامي وجبران باسيل.
الأمير يزيد بن فرحان خلف القرار؟
ما الجنون الذي أصاب إعلام “الحزب” إلّا نتيجة لهذا القرار التاريخي. فهذا الإعلام لم يجد غير المبعوث السعودي المكلّف بالملفّ اللبناني، الأمير يزيد بن فرحان، ليصبّ جامّ غضبه عليه. فاتّهمه بأنّه وراء هذا القرار. مع العلم أنّ مجلس الوزراء مجتمعاً أي “كتيبة يزيد بن فرحان” على حدّ وصف الإعلام الممانع أقرّ هذا البند. تحت سقف البيان الوزاري الذي حصلت الحكومة على ثقة 95 نائباً بناءً عليه.
يستمدّ هذا القرار التاريخي شرعيّته إذاً من:
– خطاب القسم: وقد صدر القرار بحضور رئيس الجمهوريّة في بعبدا.
– من البيان الوزاري ومن 95 نائباً أعطوا الثقة لهذا البيان.
– ومن مجلس الوزراء مجتمعاً، الذي أقرّه.
– ومن القرارات الدولية، وأبرزها 1701، الذي وافقت عليه حكومات “الحزب”. وآخِرتها الحكومة السابقة برئاسة نجيب ميقاتي.
– 2024 ومن اتّفاق وقف إطلاق النار الذي وافق عليه “الحزب” في تشرين الثاني.
– ومن وثيقة الوفاق الوطني، أي الدستور اللبناني.
– 1949 اتّفاق الهدنة في عام.
– والأهمّ: ارتياح كلّ اللبنانيّين لقرار تجنيب لبنان حرباً جديدة.
نعيم قاسم: خطبة بحضور العشرات
استبق الأمين العامّ لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم صدور القرار بكلمة ادّعى خلالها أنّ ورقة المبعوث الأميركي توم بارّاك تنصّ على نزع أسلحة “الحزب” من دون أيّ ضمانات. لكنّ معلومات “أساس” تشير إلى وجود تعهّد أميركي رسمي بمنع إسرائيل من الاعتداء على لبنان، وصولاً إلى “إدانة إسرائيل في مجلس الأمن”، بحسب مرجع سياسي كبير. وهذا تعهّد غير مسبوق، والإدانة إذا حصلت هي غير مسبوقة في التاريخ السياسي الأميركي.
“أساس” يكشف مضمون ورقة بارّاك
ما لم يقُله الشيخ نعيم لجمهوره واللبنانيّين، هو مضمون ورقة بارّاك الحقيقي، وأهمّ ما فيها، بالتزامن مع بدء تطبيق خطّة “حصر السلاح بيد الدولة”:
– وقف فوريّ لإطلاق النار.
– انسحاب إسرائيل من النقاط الخمس في جنوب لبنان.
– ترسيم الحدود مع إسرائيل.
– عقد مؤتمر للدول المانحة لإعادة الإعمار.
– تعهّد أميركي بتوفير مليار دولار سنوياً لدعم الجيش اللبناني.
– تنصّ الورقة أيضاً، على أنّه إذا أخلّت إسرائيل بأيّ من موجباتها: أي وقف العمليّات والانسحاب الكامل، فإنّ الجزاء هو “إدانة في مجلس الأمن”، طبعاً تصوّت أميركا معها.
جنون إعلام “الحزب” و”الموتوسيكلات”
كيف ردّ الحزب؟
حرّك بعض مظاهر الترهيب القديمة: درّاجات ناريّة في ضاحية بيروت الجنوبية، وشبه استعراضات على مداخل بيروت… في محاولة مكشوفة لإحياء أدوات ترهيب فقدت فعّاليّتها.
حرّك جيش الشتائم على تويتر لمهاجمة الأمير يزيد، والمملكة العربية السعودية، كما لو أنّ الشتائم ستعيد إليه مجده العسكري الضائع، أو هزيمته السياسية.
يخشى “الحزب” من مواجهة أميركا، فيعلن الحرب في إعلامه الرسمي وغير الرسمي، على السعوديّة. ويخشى من مواجهة جمهوره بالحقائق، فيحرّض من بقي من جمهور على “الخارج”، بدلاً من الاعتراف بأنّه بات عارياً من الحلفاء والأقرباء. ولم يعد هناك من حوله غير خصوم وخصوم وخصوم، يقولون له إنّ سلاحه بات عبئاً على البلاد وعلى العباد، وعلى الخصوم كما الحلفاء.
ربّما هي المرّة الأولى في تاريخ لبنان، التي تكون فيها البلاد على مقربة شديدة جدّاً من التحرّر. نحن نعيش لحظة أكثر قوّة من لحظة 14 آذار 2005. حينئذٍ كان الاغتيال الكبير يحاصر لبنان، واستُكمل بانقلاب كامل وسلسلة اغتيالات لم تتوقّف إلى الأمس، مع الياس حصروني ولقمان سليم.
أمّا اليوم فلبنان يعيش لحظة غير مسبوقة. إذا نفّذت الحكومة قرارها، ستطوي آخر صفحة في كتاب الاحتلالات: من الإسرائيلي إلى الناصريّ والسوريّ والفلسطينيّ والإيرانيّ… ونتّجه بعدها إلى الجمهوريّة الثالثة، جمهوريّة السلاح الواحد.
باختصار: الدّولة تنتصر على الدُّويلة.